لقاء وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس بالملك عبد الله الثاني في عمّان أثار الجدل مجددا حول واقع السلطة في رام الله ومستقبلها؛ فلقاء غانتس بالملك عبد الله الثاني جاء بعد لقائه رئيس السلطة محمود عباس في مقر إقامته ببلدة رأس العين المحتلة عام 48 الأسبوع الفائت.
التساؤلات حول الدوافع التي تقف خلف النشاط المحموم لبيني غانتس تجاه رام الله لم تنقطع منذ أول لقاء له مع عباس في رام الله نهاية آب (أغسطس) من العام 2021؛ غير أن اللقاء الأخير في رأس العين جاء بعد تقارير أمنية قدمها رئيس جهاز الشاباك "رونين بار" حذر فيها من انهيار السلطة وسيطرة حركة "حماس" على الضفة الغربية.
الهاجس الأمني ومعركة الأسرى
قلق غانتس من تطورات الأوضاع والأحداث في الضفة الغربية له ما يبرره إسرائيليا؛ فقبل ساعات من لقائه الملك عبد الله الثاني حقق الأسير هشام أبو هواش نصرا جديدا في معركة الأمعاء الخاوية مع سلطات الاحتلال بعد إضراب دام 141 يوما لكسر الاعتقال الإداري الذي تعرض له.
المقاومة الفلسطينية تقدمت على كافة الجبهات رغم الانتهاكات الخطيرة للاحتلال للحرم الشريف في القدس والحرم الإبراهيمي في الخليل؛ ورغم توسع الاستيطان وهجمات المستوطنين على القرى والبلدات الفلسطينية واستهداف المواطنين الفلسطينيين على الحواجز وهدم البيوت من قبل جيش الاحتلال؛ سجلت المقاومة عددا من العمليات النوعية كرد على الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
فالمعركة بين الأسرى الفلسطينيين والاحتلال لم تنتهِ والأهم أنها قادت المشهد منذ أشهر دون توقف؛ تارة بحادثة الفرار الناجحة لستة من أسرى سجن جلبوع؛ وأخرى بإضرابات وعمليات طعن فدائية استهدفت سجانين داخل سجون الاحتلال انتقاما للاعتداء على الأسيرات الفلسطينيات.
معركة تزامنت مع تهديدات المقاومة الفلسطينية ممثلة بالجهاد الإسلامي لاستهداف "تل أبيب" في حال تعرض الأسرى المضربين للأذى ومفاوضات غير مباشرة تقودها حركة "حماس" لتحرير عدد كبير من الأسرى مقابل الإفراج عن الجنود الصهاينة الأربعة في قطاع غزة.
المقاومة تملأ الفراغ
هواجس غانتس ومن قبله مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان الذي التقى محمود عباس في رام الله تؤكد بأن الإدارة الأمريكية والدوائر الأمنية الإسرائيلية قلقة من حالة التآكل والانهيار في مكانة السلطة الفلسطينية في رام الله والتي تسارعت في أعقاب معركة سيف القدس في أيار (مايو) من العام 2021.
فالمقاومة الفلسطينية تقدمت على كافة الجبهات رغم الانتهاكات الخطيرة للاحتلال للحرم الشريف في القدس والحرم الإبراهيمي في الخليل؛ ورغم توسع الاستيطان وهجمات المستوطنين على القرى والبلدات الفلسطينية واستهداف المواطنين الفلسطينيين على الحواجز وهدم البيوت من قبل جيش الاحتلال؛ سجلت المقاومة عددا من العمليات النوعية كرد على الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
انتهاكات لم تمنع المقاومة من تحقيق نجاحات ومراكمة الإنجازات وتوسيع قاعدتها الشعبية في الأراضي المحتلة خصوصا الضفة الغربية؛ إذ ارتبطت الإنجازات ومواجهة التحديات والانتهاكات بالمقاومة لا بالسلطة وأجهزتها الأمنية وتنسيقها الأمني مع الاحتلال.
غانتس في مقابل ذلك بحث بإلحاح خلال الأسابيع الفائتة عن مخرج من النفق المظلم الذي دخله الاحتلال في الضفة الغربية؛ فمعركة الأسرى ومن قبلها معركة سيف القدس عززت مكانة المقاومة الفلسطينية وزعزعت المسار السياسي والأمني الإسرائيلي في الضفة والإقليم.
تضارب المسارات الأمنية والسياسية
تحرك غانتس كوزير للأمن ورغم تحرره من الالتزامات المقدمة من رئيس الحكومة بينيت وخليفته لبيد؛ لا يتوقع أن يجد أفقا في رام الله أو في عمّان أو في القاهرة؛ فالمأزق الحقيقي الذي يواجهه غانتس تلخص في تقارير أمنية تحذر من انهيار السلطة وتمدد نفوذ المقاومة وائتلاف حكومي ضعيف يتبادل فيه الأدوار نفتالي بينيت مع يائير لبيد الذي أعلن صراحة عدم رغبته إجراء مفاوضات أو اختراقات سياسية في فترة توليه الحكومة؛ ومعارضة يصعب تصنيفها في مقاييس التطرف.
هواجس غانتس من سيطرة "حماس" وانهيار سلطة رام الله قابلتها هواجس الملك عبد الله الثاني من انهيار التهدئة وانعدام الأفق السياسي القائم على حل الدولتين وانعكاساته على ساحته الداخلية؛ مساران سياسيان وأمنيان يتقاطعان عند نقطة التهدئة ويتباعدان في الأفق عند نقطة الحل السياسي.
قابل المشهد المحلي الإسرائيلي إدارة أمريكية تبحث عن خفض متواصل للتصعيد من خلال الضغط على سلطة رام الله المنهكة وحكومة الاحتلال الضعيفة والهشة؛ ودول عربية تبحث عن أدوار آمنة تجنبها انتقال الأزمة إلى ساحتها الداخلية لارتفاع الكلف وخطرها الوجودي؛ مسارات تتباعد بشكل يهدد بشلل سياسي وأمني في مواجهة المقاومة الفلسطينية وتمددها.
فخلال لقائه الملك عبد الله الثاني في عمّان قدم مكتب غانتس بيانا أكد فيه مناقشة القضايا الأمنية والسياسية؛ في حين قدم الديوان الملكي الأردني عناوين أكثر وضوحا بالحديث عن التهدئة الشاملة والحفاظ عليها في الأراضي الفلسطينية باتخاذ جميع الخطوات اللازمة لذلك؛ وصولا إلى إيجاد أفق حقيقي لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين.
هواجس غانتس من سيطرة "حماس" وانهيار سلطة رام الله قابلتها هواجس الملك عبد الله الثاني من انهيار التهدئة وانعدام الأفق السياسي القائم على حل الدولتين وانعكاساته على ساحته الداخلية؛ مساران سياسيان وأمنيان يتقاطعان عند نقطة التهدئة ويتباعدان في الأفق عند نقطة الحل السياسي.
ختاما..
الضفة الغربية ترسم مسار الإقليم بفراغ صنعه الاحتلال وملأته المقاومة؛ مسار عجزت الإدارة الأمريكية عن عكسه أو وقف تقدمه؛ مسار سيضطر الاحتلال الإسرائيلي للتعايش معه مستقبلا كما تعايش مع قطاع غزة وستضطر أمريكا والدول العربية لقبوله كأمر واقع لا مفر منه.
hazem ayyad
@hma36
عباس في ضيافة سعيد.. ما لا يجب قوله
فاعلية الورقة الألمانية في قمة بوتين ـ بايدن