كتاب "مدن تحت الحصار" للكاتب الأمريكي (ستيفن جراهام) والصادر حديثا يهمنا نحن العرب، لأنه يبرز أسباب حصار وحرب المدن وفقا للمنظورين اليميني الأمريكي والمتطرف الإسرائيلي وكيفية تعامل قوى الإستعمار العنصري الجديد مع مقاومة الاحتلال في العراق وفلسطين وسوريا نموذجا باعتبارها ساحات صراع.
يتضمن كتاب "مدن تحت الحصار" تسعة فصول، يتناول الفصل الأول كيف عادت الحرب والعنف السياسي والتخيلات العسكرية والأمنية اليوم لتدخل المدن من أبواب ما سماه الكاتب "الخيانات "العربية" أو "العملاء العرب"، في حين يبحث الفصل الثاني كيفية تعامل معاقل اليمين السياسي (الغربي المسيحي والصهيوني الإسرائيلي) مع المدن العربية المستهدفة التي تعتبر وفق نظرة اليمين الأمريكي معادية من منطلق أنها مدن خارجة عن القانون (في الحقيقة عن قانونهم) تتطلب عنفا سياسيا ومراقبة عسكرية (هذه نظرية المحافظين الجدد من عهد بوش الأب ومنظرها المتصلب اليهودي (برنار لويس) صاحب كتاب (الشرق الأوسط الذي نريد).. وهو كتاب قال عنه الرئيس بوش الإبن إنه "كتابي الملازم لفراشي أقرأ منه قبل النوم"!
ويرى الكاتب (ستيفن غراهام) أن التنظيم المدني العسكري الجديد يتغذى بتجارب وأساليب في الاستهداف والتكنولوجيا في مناطق الحرب مثل غزة أو بغداد أو إدلب.. وتشكل هذه العمليات تجارب على الأرض للتكنولوجيا والتقنيات الحديثة، وهي التجارب الحية التي يطالب بها دائما تجار الأسلحة من أجل حسن إقتناء أسلحتنا و تدوير مصانع السلاح لدينا وهي التي تشغل مئات ألاف العمال و المهندسين.
ويشرح المؤلف فكرة الحرب عند المذهب العسكري الجديد بأنها مناورة دائمة لا حدود لها تحرض الجيوش العالية ـ التكنولوجيا والعمليات الأمنية ـ بالترافق مع قطاع خاص من المتعاقدين الخارجيين والشركات العسكرية طبقا لحرب الجيل الرابع أي التي تستند إلى حروب غير تقليدية من الجيل الرابع، أي المعتمدة أساسا على تكنولوجيا الإستخبارات الفضائية وتعتمد على الطائرات بدون طيار والضربات الجراحية الإستباقية ختى لا تترك للأعداء فرصة التحرك و رد الفعل!
واستنادا إلى هذا المذهب يشير المؤلف إلى أن القادة الأمريكيين بالعراق أكدوا ضرورة تنسيق (ساحة المعركة) الكاملة للمدينة أي معالجة البنية التحتية المدنية والاقتصاد المنهار في محاولة لفرض الأمن في المدينة (الفلوجة نموذجا).. وفي معرض إشارته إلى المصاعب التي واجهت الاحتلال الأمريكي للعراق يؤكد المؤلف أن الجيش الأمريكي وجد استحالة شديدة في التفريق بين المقاومين والمدنيين لأنه كان يجهل جغرافيا الأمكنة التي كان يقاتل فيها ويجهل ثقافتها القتالية و كيف يستغل العداء بين السنة و الشيعة (و إذا لم يجد العداء يتولى هو صنعه و إنتاجه و تغذيته)!
في معرض وصفه لعقيدة (الصدمة والرعب) قال المؤلف إنها شكلت بالهجوم الأمريكي على العراق عام 2003 تمددا مفرطا لشل المجتمع كله بشكل سريع وتام لتنتاب سكان المناطق الحضرية صدمات نفسية توازي ما يسببه هجوم نووي (ستراتيجية الرعب و إحداث الشلل العام) مما يحقق صدمة على الصعيد الوطني تشبه الأثر الذي خلفه لدى اليابانيين إلقاء القنابل النووية على هيروشيما وناجازاكي.
وينقل المؤلف عن الجنرال (كارلو سانشيز) القائد الأعلى للقوات الأمريكية بالعراق مطلع عام 2004 قوله: "إذا فشلنا في العراق فستكون ساحة المعركة التالية بشوارع أميركا في معرض وصفه لشدة المقاومة العراقية ضد قواته بالمدن العراقية ومخاطر فشل قواته بالعراق"من جهته كرر حاكم العراق المدني السابق (بول بريمر) بعد احتلال العراق القول عندما أشار إلى أن من الأفضل محاربة الإرهابيين هنا (في العراق) بدلا من نيويورك!
ويشبه (جراهام) المدينة بالقلعة وهو تشبيه يستند إلى منطقين: منطق حقيقة مادية (جدران وأسوار) و منطق يفترض أنها واقعية يكشفها تدفق المعلومات والاستخبارات!
وكجزء من (التدمير الخلاق) الجذري الذي أحدثته حرب العراق يقول مؤلف كتاب "مدن تحت الحصار": كان يفترض أن يبرز نموذج جديد من المدن من تحت الأنقاض ببنى تحتية أمنية ترتكز على استراتيجيات نحددها نحن المنتصرون عليها وتخدم مصالحنا. فمنذ عام 2004 استعملت هذه الأدوات في مسرح العمليات بالعراق وأفغانستان من أجل الحفاظ على قاعدة بيانات عن (المتمردين ) منذ نيسان (أبريل) 2007 تدفقت التكنولوجيات البيومترية بالتوازي مع محاولة اعتماد بغداد كأرخبيل يشمل عشرة جيوب تحوطها على نمط فلسطين جدران مقاومة مضادة للانفجار ونظمت على أسس عرقية أو طائفية لا يمكن الولوج إليها إلا من خلال نقاط مرور مراقبة عسكريا تحددها مخابراتنا بإعانة مخبرين محليين لا غنى عنهم!
يشير المؤلف إلى أنه عايش العراق المحتل عن قرب وعلى الأرض عامي 2003 و2004 ويمكنه القول: لقد تحطمت مركبة رامسفيلد (وزير الدفاع الأمريكي الأسبق) الفضائية الحالمة في هبوطها بالصحراء في إشارة إلى فشل المشروع الأمريكي بالعراق!
ويسلط المؤلف الضوء على لجوء القوات الأمريكية إلى بناء مدن عبر العالم مشابهة للمدن والبيئات التي تنشط وتوجد على أطراف المدن والمناطق الريفية تتركز إما في قواعد عسكرية أمريكية وفي أراضي تدريب بالولايات المتحدة لا سيما مدينة شيكاغو أو في صحارى الخليج أو الساحل الإفريقي وصحراء الأنبار وصحراء النقب بإسرائيل شبيهة بمدن المقاومة العراقية التي كانت توجد فيها قوات الاحتلال الأمريكي حتى ندرب مقاتلينا على ميادين شبيهة بها جغرافيا.
وفي معرض وصفه لعقيدة (الصدمة والرعب) قال المؤلف إنها شكلت بالهجوم الأمريكي على العراق عام 2003 تمددا مفرطا لشل المجتمع كله بشكل سريع وتام لتنتاب سكان المناطق الحضرية صدمات نفسية توازي ما يسببه هجوم نووي (ستراتيجية الرعب و إحداث الشلل العام) مما يحقق صدمة على الصعيد الوطني تشبه الأثر الذي خلفه لدى اليابانيين إلقاء القنابل النووية على هيروشيما وناجازاكي.
"اللا مفكر فيه" في التبعية البنيوية والتأثيرات الخارجية
عسكرة البحر المتوسط.. حاملة ترومان وصواريخ تسيركون