نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للصحفية، كلير باركر، قالت فيه إنه سيظهر قريبا في سوق العقارات الليتواني: حظيرة فولاذية كانت تستخدم سابقا "موقعا أسود" لوكالة المخابرات المركزية.
وقال صندوق العقارات التابع للحكومة الليتوانية الاثنين الماضي، إنه سيبيع المنشأة السرية السابقة، والمعروفة باسم "المشروع رقم 2" أو "موقع الاحتجاز البنفسجي".
وأفاد وزير الدفاع الليتواني أرفيداس أنوسوسكاس، الذي قاد تحقيقا برلمانيا في المنشأة في 2010 لوكالة رويترز، بأنه "بدلا من أكشاك الخيول والغرف العلوية للتبن، فإنه يتكون إسطبل ركوب الخيل خارج العاصمة الليتوانية فيلنيوس من ممرات طويلة تؤدي إلى غرف بلا نوافذ وعازلة للصوت حيث يمكن للمرء أن يفعل ما يريده".
وكان الموقع جزءا من برنامج التسليم السري لأمريكا في أعقاب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، التي احتجزت بموجبها وكالة المخابرات المركزية مشتبها بهم في سجون خارج نطاق الولاية القضائية لأمريكا، حيث يمكنهم استجواب المشتبه بهم الأجانب دون توجيه اتهامات إليهم بارتكاب أي جرائم.
اقرأ أيضا: غوانتانامو: علامة باقية على الهمجية التي مورست ضد المسلمين الأبرياء
وهناك، تعرض السجناء لأساليب استجواب وحشية أدانتها جماعات حقوق الإنسان والقضاة الأمريكيون، باعتبارها تعذيبا، بما في ذلك الحرمان من النوم والحبس الانفرادي والإيهام بالغرق.
وخلص تحقيق البرلمان الليتواني في الحظيرة إلى أنه تم استخدامها من وكالة المخابرات المركزية، ولكن لا يوجد دليل على أن المنشأة كانت تحتوي على سجناء.
وقال أنوسوسكاس لوكالة رويترز: "ما كان يحدث بالضبط هناك لم نحدده"، واصفا المبنى بأنه كان "يخضع لحراسة مشددة" في ذلك الوقت.
وقال أمريت سينغ، محامي مبادرة العدالة في المجتمع المفتوح، وهي منظمة لحقوق الإنسان رافعت في قضايا تتعلق بأدوار الحكومات الأوروبية في استضافة مواقع الاحتجاز التابعة لوكالة المخابرات المركزية، إن حكم المحكمة الأوروبية طالب الحكومة الليتوانية بإجراء "تحقيق فعال"، ولكنها فشلت في القيام بذلك.
وقالت: "حقيقة، إن هذا الموقع الذي تعرض فيه المعتقلون للتعذيب والإساءة سيتم بيعه ببساطة دون أي اعتراف بالحقيقة، دون أي تحقيق مجد، هو دليل على حقيقة أن الإفلات من العقاب في ما يتعلق ببرنامج التعذيب التابع لوكالة المخابرات المركزية وتواطؤ الحكومات الأوروبية كان هو السائد".
ولم يرد أنوسوسكاس على الفور على طلب للتعليق.
ولا تزال الحكومة الأمريكية تتعامل مع مواقع مرافق الاحتجاز على أنها معلومات سرية، وقد أشار تقرير لمجلس الشيوخ في عام 2014 نشر تفاصيل دامغة حول البرنامج إلى المواقع باستخدام الأسماء المشفرة فقط.
لكن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أكدت في السنوات الأخيرة أن الحظيرة المكونة من 10 غرف في إحدى الغابات الليتوانية هي السجن المشار إليه في تقرير مجلس الشيوخ باسم بنفسج - وأن السلطات الليتوانية كانت على علم بأنشطة وكالة المخابرات المركزية وتعاونت معها.
وفي عام 2018، استمعت المحكمة إلى أن السجناء هناك كانوا يخضعون لحلق شعرهم عند وصولهم معصوبي الأعين ورؤوسهم مغطاة وهم مقيدون بالأغلال. وانوا قد احتُجزوا في الحبس الانفرادي وعذبوا بالضوء والضجيج المستمر".
وقضت المحكمة بأن ليتوانيا انتهكت التزاماتها بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وأمرتها بدفع تعويضات لأبي زبيدة -المعروف باسم "السجين الأبدي"- أكثر من 113 ألف دولار عن المعاملة التي عانى منها هناك. وذكرت صحيفة الغارديان في وقت سابق من هذا الشهر أن ليتوانيا اختلفت مؤخرا على هذه المدفوعات.
اقرأ أيضا: ضيف "عربي21": مقابلة مع معتقل سابق في غوانتانامو (شاهد)
وقال أبو زبيدة إنه اعتقل وعذب من وكالة المخابرات المركزية في ليتوانيا من شباط/ فبراير 2005 إلى آذار/ مارس 2006. وقد قُبض عليه في باكستان عام 2002، واتُهم بأنه عضو بارز في القاعدة. واتضح لاحقا أنه لم يكن منخرطا في المنظمة. وهو محتجز بدون تهمة من أمريكا منذ ذلك الحين.
وورد أن خالد شيخ محمد، العقل المدبر لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر، كان قد تم احتجازه في سجن ليتوانيا.
وخلص تقرير مجلس الشيوخ لعام 2014 إلى أن إجراءات الاستجواب القاسية المستخدمة في "المواقع السوداء" التابعة لوكالة المخابرات المركزية كانت "وحشية" وغير فعالة.
وأدت المخاوف بشأن عدم كفاية الوصول إلى الرعاية الطبية للمعتقلين، والتعرض لوسائل الإعلام، والتحديات القانونية، والخلافات مع الحكومات الأجنبية و الإرهاق الذي عانى منه مسؤولو وكالة المخابرات المركزية إلى تراجع البرنامج المثير للجدل.
وتم تفكيكه إلى حد كبير بحلول أيلول/ سبتمبر 2006، عندما اعترف الرئيس آنذاك جورج بوش الابن بوجودها علنا لأول مرة، وأعلن أن المواقع السوداء فارغة.
وكان موقع ليتوانيا من بين المواقع الأخيرة التي تم إغلاقها. وأغلقت وكالة المخابرات المركزية المنشأة في عام 2006، بعد أن رفض أحد المستشفيات قبول معتقل وكالة المخابرات المركزية مصطفى الحساوي، الذي كان يعاني من "حالة طبية طارئة".
ورفض البنتاغون المساعدة، لذلك فقد انتهى الأمر بوكالة المخابرات المركزية بدفع ملايين الدولارات للحصول على مساعدات من "دول أخرى"، وفقا لتقرير واشنطن بوست من عام 2014.
ثم استولت الحكومة الليتوانية على الحظيرة، واستخدمتها المخابرات في البلاد كمنشأة تدريب من عام 2007 إلى عام 2018.
وعلى عكس سجن المخابرات الروسي السابق في فيلنيوس والذي كان بمثابة منطقة جذب سياحي رئيسة في البلد الشرق أوروبي، فإنه لن يشهد هذا السجن مجموعات المدارس وهواة التاريخ يتجولون في قاعاته.
ونظرا لأن الصندوق العقاري يعدها للبيع بسعر غير معروف، فقد سمحت الحكومة للصحفيين بالتجول في مرفق التسليم السابق.
وقال موظف بالصندوق العقاري لم يذكر اسمه لـ رويترز: "لا نضغط على أي أزرار [في مركز الاحتجاز] حتى لا نشغل أي شيء عن طريق الخطأ".
وأثارت سينغ مخاوف من أن بيع العقار سيقلل من احتمال محاسبة المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين على الانتهاكات التي حدثت هناك.
وقالت: "تكمن أهمية هذا الفشل في أنه حتى تكون هناك مساءلة حقيقية عن التورط في التعذيب و/ أو التواطؤ في ذلك التعذيب، فلا توجد طريقة فعالة لضمان عدم تكرار هذا التعذيب مرة أخرى".