أعلن سعد
الحريري تعليقه وتيار المستقبل المشاركة في الحياة السياسية
اللبنانية، وفرض الحدث نفسه بندا أول على جدول الأعمال السياسي المزدحم بتحديات واستحقاقات تتراوح بين الورقة الكويتية، والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ومحادثات ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي، والتحضير للانتخابات النيابية.
سيل من مواقف التعاطف أطلقها كلّ من طعن أو خذل أو استخدم أو تآمر على سعد الحريري، من سمير جعجع إلى جبران باسيل وبينهما نبيه بري ووليد جنبلاط.
وتبارى "المعزّون" الذين تقاطروا إلى دار الفتوى، وكان آخرهم رئيس الجمهورية ميشال عون، في الحديث عن أهمية الطائفة السنية في المعادلة الوطنية، وأبدى كلٌّ على طريقته حرصه على ضرورة مشاركة أبنائها في الانتخابات المقبلة، لغاية في نفس يعقوب طبعا، متناسين كيف حمل كلٌّ منهم مشروع الانقضاض على الحضور السياسي للمكون السني؛ تارةً عبر ادعاء استرجاع حقوق المسيحيين كما في حالة التيار العوني، وطورا عبر اتهامهم بالعمالة للغرب أو "الدعشنة" وإقصائهم من الحكم كما في حالة حزب الله.
ليبقى السؤال: من سيرث الحالة السنية وكيف ستتوزع خريطة القوى؟
بهاء لا يرث!!
منذ ١٧ عاما وبُعَيْد اغتيال الرئيس رفيق الحريري رُفعت الأصوات المنادية بتنصيب نجله الأكبر بهاء، ولكن سرعان ما تخلى الرجل مرغما عن موقعه لشقيقه سعد دون أن يتخلى عن حلم الوراثة السياسية لوالده، وهو ما يفسر العلاقة المضطربة بين الأخوين والحديث عن دور لبهاء في ملف احتجاز شقيقه سعد في السعودية عام ٢٠١٧، وتشكيل خلايا سياسية في مناطق نفوذ المستقبل جمع فيها كل الخارجين من تحت المظلة الزرقاء أو الناقمين عليها، وأخيرا كلمته إلى اللبنانيين بعد ساعات من اعتكاف شقيقه معلنا نيته استكمال مسيرة رفيق الحريري.
ولكن رياح الوقائع السياسية لن تأتي كما تشتهي سفينة بهاء لأسباب كثيرة نذكر منها:
١- عدم امتلاكه المظلة الدولية والإقليمية التي رافقت وصول شقيقه ومن قبله والده إلى الحكم، رغم الحديث عنها دون أي إثباتات أو حتى مؤشرات.
٢- صعوبة الحصول على غطاء سني من دار الفتوى أو رؤساء الحكومات الذين يبدو أن لديهم خطة بديلة (سنتكلم عنها لاحقا في المقال).
٣- انعدام المصلحة لباقي الأطراف السياسية بتعويمه، وخصوصا أنه لا يملك شرعية إعطاء الميثاقية في الحكم والتي طالما ساوموا سعد الحريري عليها.
٤- الطائفة السنية ليست قطعة أرض يتوارثها أبناء الشهيد رفيق الحريري، أو أن هناك "بَيْعة" في أعناقهم تستحق لبهاء مع اعتزال سعد، وتحديدا أن من يتسابق الجميع على خطب ودهم الآن هم من المتعاطفين مع زعيم "بيت الوسط" ويرون في بهاء الأخ الخائن لأخيه.
نجيب يرِث ولكن!
منذ دخول سعد الحريري الحياة السياسية أخذت علاقته مع نجيب ميقاتي شكل النزاع على وراثة المشروع السياسي رفيق الحريري، والثابت أن الأول فشل نتيجة الخيارات والتسويات التي بدأت بالتحالف الرباعي مع الثنائي الشيعي في ٢٠٠٥، وصولا إلى إيصال ميشال عون إلى سدة الرئاسة في ٢٠١٦ والقبول بقانون "جبران- نصر الله" الانتخابي في ٢٠١٧، مرورا بزيارة طاغية سوريا بشار الأسد في ٢٠٠٩.
ولم ينجح الثاني (ميقاتي) خلال ثلاث سنوات من الحكم في إثبات نفسه كوريث لرفيق الحريري على المستويين الاقتصادي والسياسي، فلا هو أطلق ورشة لفرملة مسار "التهاوي الاقتصادي"، ولا حتى تمكن من تغيير الواقع المعيشي أقله في مدينته طرابلس مع خمسة وزراء من أبنائها، كما أنه لم يتمكن من الوقوف أمام استفحال مشكلة سلاح حزب الله وإصلاح ما أفسده من علاقة لبنان بمحيطه العربي والعالم.
ولكن بمعزل عن تاريخ العلاقة بين الرجلين، فإن ميقاتي لن يتمكن من وراثة الحالة الشعبية للحريري لاعتبارات عديدة نتوقف عند أهمها:
١- اتهامه من قبل جمهور "تيار المستقبل" بالقيام بدور "المُحلل" لحزب الله في حكومة ٢٠١١ المسماة "القمصان السود"، وحفاظه على مسافة أمان في الاشتباك مع الحزب.
٢- أزمة ثقة مع معارضي المستقبل في الشارع السني الذين خبروا ضعف ميقاتي أمام دعوات الحريري للتحالف عندما تدعو الحاجة.
٣- عدم رغبة ميقاتي بتحمل هذه "التركة" الثقيلة، وخصوصا أنه لم يتمكن حتى الآن من تحصيل تمثيل نيابي خارج مدينته طرابلس.
ولكن كل الظروف مهيأة له للوراثة على المستوى الرسمي (رئاسة الحكومة)، نتيجة اتفاق يلوح في الأفق برعاية مفتي الجمهورية (الفقرة الأخيرة) ولعوامل تتعلق بشخص الرجل:
١- امتلاكه مظلة رؤساء الحكومات أو من تبقى منهم.
٢- شرعية "السني الأول" من حيث عدد الأصوات في انتخابات ٢٠١٨.
٣- الرضى والدعم الدولي المقبول الذي يحوزه، و"شعرة معاوية" التي يحافظ عليها الخليج في علاقته معه.
٤- تحالفاته الداخلية مع الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط وعدم وجود "فيتو" من حزب الله عليه، بالإضافة إلى تفاهم مقبول مع جبران باسيل وسمير جعجع.
"المفتي" يوزِّع "التَرِكة" ويحتفظ بالوصاية:
مفتي الجمهورية عبداللطيف دريان الذي قال قبيل الانتخابات النيابية الأخيرة ٢٠١٨ لسعد الحريري "لا تقلق أنا معك"، يبدو أن لديه حسابات أخرى لن تسمح له بتلبية رغبة زعيم المستقبل في تغطية "المقاطعة السنية"، وما زيارته إلى السراي الحكومي وإعلان دعمه للرئيس ميقاتي ومن ثم تأديتهما معا صلاة الجمعة إلى جانب الرئيس فؤاد السنيورة الذي تبنى إعلان رئيس الحكومة الحالي الدعوة إلى المشاركة السنية؛ سوى ملامح قيام جبهة "ما بعد سعد الحريري" كالتالي:
١- عقد الراية لدار الفتوى لتقوم بالتكليف بمهام المرجعية السياسية للمسلمين "السُنّة" بالإضافة إلى مرجعيتها الروحية.
٢- تأمين الغطاء اللازم للرئيس ميقاتي للاستمرار في رئاسة الحكومة وتوليه ملف المفاوض عن الطائفة، على أن يحافظ على ما التزم به قبيل تكليفه بتشكيل حكومته الحالية أمام الغرب ورؤساء الحكومات السابقين.
٣- العودة إلى توزيع ما سيتبقى من التمثيل السني في البرلمان المقبل على ما تبقى من "البيوتات السياسية"، كآل كرامي في طرابلس، أو المصادقة على الحالات التي أثبتت حضورها كـفؤاد مخزومي في بيروت، على أن يلتقي الجميع مهما بلغت خلافاتهم على مرجعية دار الفتوى التي ستتولى توزيع "الفُتات" الذي سيرمي للمكون السني.
على أن هذه الخطة، التي لن يلتزم بها أحد من واضعيها سوى بالقدر الذي يخدم مصالحه الشخصية، ستُهدي الغطاء السني اللازم لتحالف أحزاب السلطة، وستهدر الحقوق التي تم تحصيلها في الطائف ١٩٨٩، وستنسف التوازن الوطني، وهذا - لا سمح الله - سيحمل البلاد تدريجيا إلى الاقتتال الأهلي متى ما سمحت الظروف الاقليمية بذلك.