تحتدم المعارك بين قوات الجيش التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها، ومسلحي جماعة الحوثي منذ أكثر من أسبوع، في مدينة حرض الواقعة قرب الحدود مع السعودية، شمال غربي البلاد، بعد إطلاق الأول عملية عسكرية تعرضية طوقت من خلالها على المدينة بما فيها من مسلحي الجماعة.
وتكتسب مدينة حرض التي تتبع إداريا محافظة حجة، شمال غرب اليمن، أهمية جيوسياسية وإقتصادية وعسكرية، حيث يربط بينها ومنطقة عسير السعودية منفذ بريّ، حولها إلى منطقة ذات نشاط تجاري واسع، بالإضافة إلى ارتباطها الجغرافي بمديريات من محافظات أخرى في البلاد.
وقبل أكثر من أسبوع، أعلن الجيش اليمني، تطويق مدينة حرض وفرض حصار كلي على مقاتلي الحوثي داخل المدينة، في عملية سريعة بدعم من التحالف الذي تقوده السعودية، بينما لاتزال المعارك محتدمة بين الطرفين في الأطراف الشرقية والجنوبية منها.
فيما بدأ الحوثيون بهجمات مضادة ضد القوات الحكومية في مسعى لفك الحصار عن مقاتليهم الذين يقدرون بما يزيد عن ألف مقاتل داخل المدينة، إذ يستميتون لأجل ذلك، في الوقت الذي تتصدى قوات الجيش لتلك الهجمات، وسط استمرار توغلها نحو قلب المدينة الاستراتيجية، وفق مصادر عسكرية.
اقرأ أيضا: الحوثيون يكسرون حصار الجيش اليمني لهم بمدينة حرض
"لاتقل أهمية عن صعدة"
وفي هذا السياق، يرى رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث، عبدالسلام محمد أن مدينة حرض وميدي الساحلية المجاورة لها، بالنسبة للحوثيين وإيران الداعمة لهم، لا تقل أهمية عن محافظة صعدة، حيث معقل زعيم الجماعة، والعاصمة صنعاء التي يسيطرون عليها، لعدة أسباب.
وقال في حديث لـ"عربي21"؛ إن هذه المنطقة التي تقع فيهما المدينتان، كانت تمثل هدفا لمخطط سابق للحرس الثوري الإيراني، قبل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء.
وتابع: "يقوم المخطط الإيراني على تأسيس منطقة جنوبي السعودية، تصدر لها الموت وتشكل خزانا بشريا للتجنيد، ونافذة على البحر لاستمرار تدفق السلاح، وموردا ماليا واقتصاديا".
وحسب رئيس مركز أبعاد، فإن هذه المنطقة ومحيطها الجغرافي تشكل حاضنة زيدية وحوثية في آن واحد، حيث تمدد الحوثيون إليها خلال حروبهم الست مع قوات نظام صالح ( مابين 2004 وحتى 2009).
وأشار إلى أن مدينة حرض، تعتبر منطقة اقتصادية، وهي المدينة الأولى الأعلى دخلا، بسبب منفذ الطوال البري مع السعودية، وارتباطها بالخط الدولي الساحلي الذي يمر بمحافظة الحديدة، وصولا إلى محافظة عدن ( العاصمة المؤقتة للبلاد حاليا) جنوبا، من وإلى السعودية.
وذكر محمد أن هذه المدينة تحيط بها منطقة زراعية واسعة، وبنية بشرية يمكن الاعتماد عليها في بناء مجتمع خاص عسكري لصالح الحوثي.
في المقابل، تتشكل في هذا المجال الجغرافي، دائرة قبلية قوية مناوئة للحوثيين، تمتد من المناطق الغربية من محافظة حجة، وصولا إلى محافظة عمران، شمالي صنعاء.
اقرأ أيضا: تعزيزات للجيش اليمني بمحيط "حرض".. والحوثي تسقط مسيّرة
وبحسب المتحدث ذاته، فإنه في حال احتواء هذه الجغرافيا وقبائلها سيسهل من الوصول إلى صنعاء بأقل الخسائر، فبإمكان الجيش التحرك من المنطقة الخامسة في الساحل والمنطقة السادسة في الجوف، ويلتقيان في عمران المجاورة لصنعاء.
وأكد عبدالسلام محمد أن منطقة حرض، بمنزلة خاصرة اقتصادية وعسكرية واجتماعية على الداخل اليمني، وحدودية مع المملكة، مؤكدا أن بقاءها بيد الحوثيين يعني إغلاق المنفذ الحدودي باستمرار.
وأوضح أن السعودية ترى فيها امتددا أمنيا لها، حيث تتخذ منها المياليشيات والعصابات مركزا لتهريب المخدرات والحشيش والسلاح إلى أراضيها.
وأكمل قائلا: كما تعتبر بالنسبة للرياض منطقة أمنية، وذلك لمنع وصول ودخول الأسلحة عبر ميناء ميدي على البحر الأحمر (خاضع لقوات الجيش اليمني)، التي حرصت إيران على الاهتمام به خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، والدخول في صفقة ترميم لهذا الميناء في فترة سابقة خلال عهد الرئيس الراحل علي صالح.
"إضعاف الحوثي"
من جانبه، قال الكاتب والباحث اليمني في الشؤون الخليجية، عدنان هاشم؛ إن السعودية والحكومة اليمنية - إن جاز هذا التعبير- تريد تفعيل المعارك بشكل كبير في عمق سيطرة ونفوذ الحوثيين في محافظتي حجة وصعدة وعمران، وصولا إلى صنعاء وذمار، لدفع الجماعة نحو مفاوضات سلام وإيقاف شامل للحرب.
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "يفكر صانع القرار السعودي أن إضعاف تصور الحوثيين كقوة مهيمنة وجماعة لا تهزم، قد يدفع القبائل اليمنية للانتفاضة ضدها".
وتابع: "أو على أقل تقدير، يؤثر في صانع القرار داخل جماعة الحوثي للموافقة على وقف إطلاق نار شامل، وربما إحداث انقسام داخل الجماعة مؤثر، يتبنى جزء منها الذهاب للمفاوضات والآخر استمرار الحرب".
واعتبر الباحث اليمني هذا الأمر بأنه "صعب التحقق في الوقت الحالي".
وأوضح أن الرياض تريد الخروج من الحرب، لكنها لا تريد الخروج بصورة المهزوم، فستضغط بقوة من أجل إحداث تغيير في الحرب بأي صورة ممكنة، لتبدو منتصرة أو راعية للسلام لا المعتدي، كما كانت تصورها سنوات الحرب السبع.
وقال الكاتب والباحث في الشؤون الخليجية: "ولأجل ذلك تبدو أكثر ارتياحا لمهاجمة الحوثيين لأبوظبي؛ إذ ذلك يؤكد صوابية قرارها بخطر الحوثيين".
وتابع: "كما سيؤثر في ديناميكيات هذا الخروج، ويدفع بالمجتمع الدولي للتعاون أكثر مع دول الخليج العربية لوقف التهديد المحتمل".
ولليوم العاشر على التوالي، يتواصل القتال بين قوات الجيش اليمني، ومسلحي الحوثي في جبهة مدينة حرض، سعيا من الجماعة لفك الحصار على مسلحيها داخل المدينة، فيما تشدد قيادة الجيش على أنه لم يعد أمامهم سوى الاستسلام أو الموت.
لماذا تراجع زخم المعارك ضد الحوثيين في جبهات مأرب الجنوبية؟
لماذا سكت الحوثيون سبع سنوات عن استهداف الإمارات؟
"إخلاء.. هدد".. كابوس التهجير يصل أحياء عريقة في جدة (شاهد)