استنكر عدد من
الحقوقيين والسياسيين قرار وزير الداخلية
المصرية الأخير، بشأن إضافة مقر
المخابرات العامة بالعاصمة الإدارية الجديدة ضمن الأماكن التي يجوز فيها حجز
المتهمين، مؤكدين على مدى خطورته وعواقبه، واصفين إياه بالمثير للتساؤل، والذي يشي
بأشياء كثيرة.
وأعربوا عن استغرابهم، في تصريحات لـ"عربي21"، بشأن اعتبار
العاصمة الإدارية أماكن
احتجاز، بعد
أن كان يروج لها على أنها تمثل مستقبلا واعدا لمصر اقتصاديا وسياسيا، مؤكدين أن
الأمور لا تبشر بخير عقب صدور هذا القرار، والذي يحمل دلالات خطيرة مثيرة للقلق.
ومؤخرا، قرر وزير
الداخلية المصري إضافة مقر المخابرات العامة بالعاصمة الإدارية الجديدة ضمن
الأماكن التي يجوز فيها حجز المتهمين على ذمة القضايا التي تمس الأمن القومي.
ونص القرار في مادته
الأولى، على أن "مقر المخابرات العامة بالعاصمة الإدارية الجديدة من الأماكن
المرخصة قانونا، بإيداع المتهمين بها، وذلك في القضايا التي تمس الأمن القومي وأمن
الدولة من جهة الخارج، ووفقا للضوابط القانونية المقررة في هذا الشأن، كما ينشر هذا
القرار في الوقائع المصرية، ويلغى ما يخالفه من قرارات، ويعمل به في اليوم التالي
لتاريخ نشره".
جاء قرار وزير
الداخلية "بعد الاطلاع على قانون العقوبات، وعلى قانون الإجراءات الجنائية، وعلى القانون رقم 396 لسنة 1956 بشأن تنظيم السجون، وعلى القانون رقم 100 لسنة
1971 بشأن المخابرات العامة، وعلى قرار وزير الداخلية رقم 79 لسنة 1961 باللائحة
الداخلية لقانون تنظيم السجون، وعلى قرار وزير الداخلية رقم 1654 لسنة 1971 بشأن
اللائحة الداخلية للسجون المركزية.
يشي بأمور كثيرة
في سياق تعليقه، قال
مدير مركز "ضحايا "لحقوق الإنسان، هيثم أبو خليل، إن هذا القرار في منتهى
الخطورة، ويؤكد التوسع في القمع، وغياب القانون والعدالة في مصر، ويشي بأمور كثيرة مثيرة
للتساؤل، خاصة أن النيابة العامة هي المسؤولة عن أماكن الاحتجاز في مصر كلها، وعليه
يكون السؤال هنا: هل ستتمكن النيابة العامة من مراقبة مثل هذه الأماكن والتفتيش
عليها؟
وأجاب أبو خليل عن هذا
التساؤل في حديثه لـ"عربي21"، بالقول إن ما يحدث الآن مختلف تماما، حيث
لا تقوم النيابة العامة بدورها تجاه أماكن تابعة لوزارة الداخلية، وهذا حقها قانونا،
وبالتالي من الصعب أن تفعل ذلك مع أماكن تابعة للمخابرات العامة التابعة لرئاسة
الجمهورية.
وأكد أن هذا يعكس
التوسع في هذه الأماكن، قياسا إلى التوسع في السجون، مستنكرا إصدار هذا القرار بحجة
الأمن القومي، متسائلا: أين هذه الحجة من التفريط في تيران وصنافير وسد النهضة وأم
الرشراش، وغيرها من مقدرات الأمن القومي المصري؟
علامات استفهام
من جانبه، قال مدير "الشبكة
المصرية لحقوق الإنسان" أحمد العطار: الحقيقة أن صدور القرار الأخير لوزير
الداخلية المصري مثير لعلامات الاستفهام الكثيرة، ويستحق منا دراسة أعمق، وينتابه
الكثير من الشكوك وعلامات الاستفهام، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر؛ في التوقيت
الذي يتم فيه انتقاد ملف حقوق الإنسان بمصر محليا ودوليا والمطالبات الدولية لعبد
الفتاح السيسي بوقف القمع واحترام حقوق الإنسان .
ويتساءل العطار في
حديثه لـ"عربي21" عن تحديد العاصمة الإدارية الجديدة بالذات، رغم وجود أماكن
أخرى كثيرة في مصر مخصصة للاحتجاز الرسمي والاحتجاز غير الرسمي، كمقر الأمن الوطني،
مشيرا إلى أن العاصمة الإدارية يروج لها باعتبارها مستقبل مصر، فلماذا يجعلها مقرا
للاحتجاز لجهاز المخابرات العامة، والمتوقع أن يتم فيه استخدام التعذيب وأشكال
المعاملة غير الآدمية كوسيلة أساسية لانتزاع الاعترافات.
وأضاف: "بحسب
التوصيف القانوني، فإن المخابرات العامة هيئة مستقلة تتبع رئيس الجمهورية، ويتكون
الجهاز من رئيس بدرجة وزير ونائب رئيس بدرجة نائب وزير، وعدد من الوكلاء أول
والوكلاء وعدد كاف من الأفراد، وقد أصدر العديد من القرارات المثيرة لعلامات
الاستفهام المماثلة، بالإضافة إلى نوعية القضايا والمتعلقة بالأمن القومي المصري الذي لا يوجد تعريف محدد له".
قرار له دلالات خطيرة
بدوره، قال مدير مركز
"تكامل مصر"، مصطفى خضري، إن هذا القرار له شقان: الأول إداري تنظيمي، حيث إن المشرع جعل عملية إنشاء وترخيص أماكن الاحتجاز القانونية من سلطات وزير
الداخلية، لذلك لا يمكن الترخيص بإنشاء مقرات الاحتجاز القانونية، حتى ولو كانت
خاضعة للمخابرات العامة، إلا من خلال وزير الداخلية.
وأضاف خضري، في حديثه لـ"عربي21"، أن الشق الثاني، وهو الشق السياسي، والذي يحتوي على دلالات خطيرة من وجهة نظري، حيث
احتوى نص القانون على اختصاص هذا المقر باحتجاز المتهمين في قضايا تخص الأمن
القومي أو أمن الدولة من جهة الخارج، وهي عبارات قانونية متسعة المعاني، تشمل
تقريبا معظم السلطات التي كان يستحوذ عليها جهاز الأمن الوطني منذ استيلاء السيسي
على الحكم.
وتابع: "أظن أن
هذا القانون برغم مظهره التنظيمي، إلا أنه يؤسس لمرحلة جديدة بانتزاع السلطات من
جهاز الأمن الوطني المحسوب على جناح السيسي، وتسليمها لجهاز المخابرات العامة، الذي
يصطف مع القوات المسلحة كجناح مناوئ للسيسي في الوقت الحالي".