أثارت شبكة "نتفليكس" جدلا واسعا، بإنتاجها مسلسل "البحث عن علا"، الذي لاقى اتهامات بالسعي إلى تدمير المجتمع المصري، والعربي.
"البحث عن علا"، هو النسخة الثانية من مسلسل "عايزة أتجوز" المذاع في الموسم الدرامي الرمضاني بالعام 2010، وتقوم ببطولته هند صبري (علا)، كما أنها تشارك في إنتاج العمل الجديد مع نتفليكس.
وعلى غير ما قدمه المسلسل الأول من بحث علا، عن عريس مناسب وحياة زوجية طبيعية كحلم كل فتاة؛ إلا أن العمل الثاني يطرح صورة معاكسة.
"علا الأخرى"
المسلسل المعروض في 6 حلقات عبر "نتفليكس"، منذ 3 شباط/ فبراير الجاري، من إخراج هادي الباجوري، بينما يمثل دور البطل الممثل هاني عادل (الزوج هشام)، وسوسن بدر (الأم)، وندى موسى (صديقة علا)، مع ضيوف الشرف: يسرا، وخالد النبوي، وفتحي عبدالوهاب.
ويدور العمل حول حياة الصيدلانية علا عبدالصبور، التي تزوجت هشام في نهاية "عايزة أتجوز"، لتبدأ الحلقات الجديدة بانفصالهما، وتبدأ مرحلة مغايرة من حياتها تبحث فيها عن السعادة بطريقة متحررة تخالف شخصية علا الأصلية.
علا، التي أظهرتها بداية المسلسل حبيسة الزواج التقليدي وبعدما حملت لقب مطلقة انطلقت في رحلة البحث عن حياة أخرى، لتتحول حياتها من امرأة تؤدي دورها كزوجة وأم إلى شخصية صاحبة أعمال ناجحة.
وفي المقابل يسعى هشام الذي ترك عائلته، لتحقيق رغباته الشخصية، والبحث عن صاحبة ورفيقة وليس زوجة وهي هنا "أمنية" التي تزيد قليلا في العمر عن ابنته المراهقة.
وعلى الجانب الآخر، ومع فشل علا في إقناع هشام بالاستمرار لأجل الأبناء، نادية (13 سنة)، وسالم (8 سنوات)، وتحمله هو نفقاتهم، توجهت علا لعمل مشروع لتصنيع كريمات التجميل بمواد طبيعية لتغير حياتها ماديا ومجتمعيا، في وقت قصير جدا.
وردا على علاقة هشام، بأمنية، بحثت علا عن علاقة مماثلة مع يوسف، الذي يعمل في مافيا غسيل الأموال، لينحدر بها الصراع إلى التعلق بآدم الذي يصغرها بسنوات، لكن بعض الاختلافات بينهما دفعتها للابتعاد عنه.
ومع انطلاق علا نحو الحياة الجديدة، تعرفت على الدكتور مروان خلال مخيم بالصحراء، لتنتهي الحلقات وعلا وهشام على نفس البعد، ورغم نقله للمستشفى بأزمة قلبية وطلبه منها العودة إلا أنها رفضت وأصرت على وجهتها الجديدة.
"متميز فنيا"
وفي تحليلها، أشادت الناقدة الفنية الأردنية إيمان نبيل، بالعمل وأبطاله ومخرجه، مؤكدة أن "الصورة الفنية رائعة، وأداء الممثلين الكوميدي موفق جدا، وإخراج هادي الباجوري متميز، كما أن الشخصيات الثانوية كانت جد رائعة، والعمل إجمالا ممتاز فنيا".
وأوضحت لـ"عربي21"، أنه بمقارنة العملين فإن "علا كانت رشيقة خفيفة طائرة كريشة حالمة تعبر عن بنات جيلها في (عايزة أتجوز)، ولكن بـ(البحث عن علا)، أصابها الثقل".
وفي رؤيتها الفنية، لفتت نبيل، إلى أنه "حتى مع كسر علا الحاجز الرابع وهو في لغة السينما الكلام مع الجمهور، فإنها لم تكن موفقة فيه كأول جزء والذي كان فيه خطاب علا أكثر قبولا.. وبشكل عام العمل الجديد ليس أفضل من الجزء الأول في تقديري".
وتابعت بأن "علا في المسلسل القديم بنت الشريحة الأخيرة من الطبقة الوسطى، وهذا كان باديا من منطقة سكنها وعائلتها ومكان عملها في صيدلية بمستشفى حكومي، إلى جانب أوضاع زميلاتها في العمل، ونوعية المتقدمين لخطبتها".
وأشارت إلى أنها "انتقلت نقلة أخرى بالعمل الجديد مع زوج طبيب من طبقة أعلى وأبناء بمدارس دولية، لتتحول شخصيتها من الطابع الشعبي إلى سيدة نصف كلامها محشو بلغات أجنبية، وبالطبع تخلت عن قيم أسرتها، وغاب عن شخصيتها الجديدة الخجل الجميل السابق".
ولفتت إلى أن "العمل الجديد أنهى تماما الشخصية القديمة ولم يبق منها سوى اسم علا، بل إن النسخة الجديدة تبدو للمشاهد وكأنه يتابع مسلسل أجنبي، ولو نزع اسم علا ووضع اسم ليزا أو نيكول أو آشلي، لن يؤثر بحوارات العمل وصراعاته التي تتماشى مع ما يروج له الآن حول المرأة القوية (Strong Independent Woman)".
"رسالة خاطئة"
وأشارت إلى ما اعتبرته حالة تناقض بين فكرة "عايزة أتجوز" و"البحث عن علا"، متسائلة: "أمن المعقول أن علا التي صارعت طوال 30 حلقة للحصول على زوج تتخلى عن حياتها الزوجية ببساطة في 6 حلقات، وتنسى أحلامها السابقة ولا تفكر لحظة في مصلحة أولادها، ولا حتى تقرر الزواج بآخر".
وترى نبيل، أنه "كان من الضروري أن ينتصر العمل للأسرة وقيمها، وتعود أسرة علا إلى التماسك والنجاح، لكن نهاية المسلسل مخيبة للمجتمع العربي"، متسائلة عن الهدف من العمل أو الرسالة التي أرادها، بأن تخرج المشاهدات من الحلقات الـ6 بأنه تطلقي وعيشي".
ولفتت إلى أن "نتفلكس عندها أجندة لديها أهم من الرسالة والقيم، وتقدم هذه الأعمال لتربية المنطقة العربية بطريقتها، وتتطلق النساء وتعيش بحرية خارج إطار الزواج، ويتقبل المجتمع المثليين، ونربي أولادنا بطريقة نتفليكس التي لن تترك قيمة لافكارنا الشرقية، بل وتهدم أفكار البشرية".
"انتقادات"
رأى مغردون وشخصيات أن المسلسل، يصدر فكرة مفادها أن الانفصال الزوجي يمثل تطورا بشخصية المرأة ويوفر لها حرية حرمت منها، وسعادة افتقدتها بالبيت، ونجاحا في العمل، وظهورا بقمة المجتمع، وينمي توجه العلاقات خارج إطار الزواج كحل بديل لتحقيق الرغبة العاطفية.
وأشار متابعون إلى أن المسلسل يزرع كم كبير من الأنانية وعدم التعاون الأسري، فالأب يبحث عن نزواته، والأم تبحث عن مجد شخصي، والإبنة تضيع في متاهة ما عاشته مع الأسرة من قبل ومع الوضع الجديد.
بعض الانتقادات طالت هند صبري لظهورها ببدلة رقص بجانب الراقصة دينا ضيفة شرف المسلسل، معتبرين أنه مشهد كان يمكن الاستغناء عنه، كما انتقد البعض مشاهد شرب الخمر وطرح الأمر للمشاهدين وكأنه مشروب طبيعي.
كما أن لغة المسلسل المختلطة بالإنجليزية والفرنسية والعربية الركيكة المخلوطة باللغات الأخرى، أثارت حفيظة متابعين.
اقرأ أيضا: لقطة "أصحاب ولا أعز" وأهل مدينة "كُوس"
وعلى عكس ما قدم المسلسل من أفكار مثيرة عن الحياة الأسرية، كشفت بطلته ومنتجته المشاركة هند صبري لبرنامج "sAbtalk"، عبر "يوتيوب"، أن أسباب نجاح أسرتها واستمرار زواجها 14 عاما، هي تفاهمهما هي وزوجها وأنهما يعيشان بدون تمثيل أو خداع، مشيرة لأهمية الأسرة واعتذارها لابنتيها لانشغالها في المسلسل.
"نماذج غريبة"
وفي رؤيته، أكد الكاتب الصحفي والباحث الإعلامي خالد الأصور، أن "ما يرجح الجزم والتأكيد لانتقادات البعض للعمل أن ما قدمته نتفليكس بالفيلم الذي لم يبرد النقاش بعد حول مصادمة القيم والأخلاق العربية ( أصحاب ولا أعز ) ورغم أن اسمه بالنسخة الغربية (ناس غريبة)".
وفي حديثه لـ"عربي21"، قال إن "الشبكة تقدم لنا هذه النماذج الغريبة في إنتاجها الجديد (البحث عن علا) باعتبارهم غير غرباء، وليس مصادفة أن تختار نتفليكس هند صبري لتشاركها إنتاج المسلسل، إذ كان أول أفلامها مصادما لقيم المجتمع وهو (مذكرات مراهقة).
وأشار إلى ما أثاره "فيلم المخرجة المثيرة للجدل إيناس الدغيدي، وفيه تقع (جميلة) أسيرة لقصة حب رومانسية تسلم فيه جسدها لحبيبها الذي يعدها بالزواج؛ وتتوالى أحداث الفيلم، الذي لا يختلف في رسائله الغريبة وغير الأخلاقية عن أعمال نتفليكس العربية بنسختيها الأخيرتين".
وحول خطورة سيطرة قطاع من كتاب وصناع الدراما من طبقة ليبرالية منفتحة على أفكار الغرب، قال الأصور: "في ظل سيطرة كاملة وتوجيه شامل للأعمال الإبداعية من فنون ودراما وأدب وإعلام تضيق المساحات التي يمكن طرحها عبر النوافذ الإعلامية والفنية والإبداعية".
وتابع: "ولا يمر إلا ما يوافق هوى الرقيب واتجاه البوصلة الرسمية، وهذه الأعمال تحظى بالرعاية الرسمية، وبالتالي فإن كتاب الدراما يعرفون الاتجاه جيدا، ويوجهون أقلامهم إليه".
وأضاف: "أما كتاب السيناريست من كان كلامهم وإبداعهم من دماغهم وليس عن طريق البوصلة مثل أسامة أنور عكاشة ومجدي صابر ومحمد جلال عبدالقوي ومحفوظ عبدالرحمن؛ أمثال هؤلاء لن يشاركوا في أعمال فنية موجهة".
انطلاق الدورة الـ53 من معرض القاهرة الدولي للكتاب