تواجه
الحكومة
المصرية صعوبات في تسويق أدوات الدين جراء تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا
وهروب المستثمرين من الأسواق الناشئة وارتفاع تكلفة الفائدة من بينها مصر.
واضطرت
وزارة المالية، الثلاثاء، إلى رفض عطاءات بنكية لتغطية طروحات أدوات دين حكومية، إذ
قبلت الوزارة 54.7 مليون جنيه فقط من عطاء بقيمة 500 مليون جنيه، لارتفاع عوائد العروض
المقدمة ولم يختلف الوضع للسندات أجل 5 سنوات، إذ فتحت المالية عطاء بقيمة 1.5 مليار
جنيه لكنها لم تقبل سوى 136 مليون جنيه، وذلك للمرة الأولى منذ الأزمة الأوكرانية.
(الدولار يساوي 15.7 جنيها).
وقفزت
تكلفة تأمين
الديون السيادية لمصر، وفقا لجريدة البورصة المصرية، إلى 639 نقطة وذلك
مقابل 520 نقطة نهاية الأسبوع الماضي، وتراوحت أسعار الفائدة المقدمة لشراء أدوات الدين
بين 14.5% و17.5%، ولم تقبل المالية القروض الأعلى من 14.715%.
"ارتفاع
الفائدة قادم لا محالة"
أمام
ارتفاع تكلفة الدين يرى الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم نوار أن "الحكومة إذ
ترفض الآن الاقتراض بسبب ارتفاع الفائدة التي قدمتها البنوك المحلية سوف تقبل بها لاحقا،
نظرا لزيادة حجم المخاطر على أدوات الدين في الأسواق الناشئة التي تواجه صعوبات في
الحفاظ على مستويات الفائدة السابقة للحرب".
وتوقع
في حديثه لـ"عربي21" أن "تقبل الحكومة برفع أسعار الفائدة من أجل توفير
السيولة اللازمة في ظل زيادة
العجز في الموازنة الناجم عن ارتفاع أسعار النفط والمواد
البترولية والقمح وغيرها من السلع الأساسية، ولكنها تحاول عدم التمادي مع ارتفاع الأسعار
بقدر المستطاع في المرحلة الحالية".
وبشأن
خيار طباعة النقود كأحد البدائل المطروحة أمام الحكومة لمواجهة أسعار العائد المرتفعة
من قبل البنوك المحلية، حذر نوار من مغبة طباعة النقود دون وجود غطاء، قائلا:
"توجه البنك المركزي لطباعة نقود لإقراض الحكومة سيكون كارثيا؛ لأن طباعتها دون
غطاء نقدي من العملة الصعبة أو الذهب، وارتفاع أسعار الذهب يتيح له طباعة بعض النقود
لاستخدامه كغطاء ولكنها لن تكون كافية".
لافتا
إلى أن "سندات تمويل الحرب التي أصدرتها أوكرانيا جذبت أموالا من الأسواق الناشئة
بسبب ارتفاع العائد عليها إلى رقم قياسي، كما أن اللجوء للاقتراض الخارجي ستكون تكلفته
مرتفعة أيضا، والجهة الوحيدة التي يمكن أن تقترض منها بسعر فائدة أقل هي صندوق النقد
الدولي، ولكن على الحكومة أن تقدم برنامج إصلاح اقتصادي جديدا".
"البحث
عن الملاذ الآمن"
من جهته؛
قال المحلل الاقتصادي محمد السيد إن "فشل الحكومة المصرية في الحصول على قروض
من البنوك يرجع لأسباب عديدة؛ منها عدم وجود إدارة رشيدة للاقتصاد المصري وخاصة في
القروض التي حصل عليها سواء من الداخل أو الخارج والتي أصبحت قروضا استهلاكية، أي لا عائد
منها ولم تستخدم في الإنتاج لزيادة الإيرادات".
وأوضح
لـ"عربي21": "هذه الديون الاستهلاكية جعلت الموازنة العامة للدولة تعاني
من عجز دائم يتفاقم عاما بعد عام حتى أصبح يلتهم أكثر من 80% من الإيرادات، وسبب آخر
أن سعر الفائدة المتداول في البنوك الآن بين 14,5% و 17,5% وهذا يعد مرتفعا جدا ولذلك
رفضته وزارة المالية".
مضيفا:
"السوق المصري لم يعد واعدا بالنسبة للمستثمرين، وخروج الأموال الساخنة من مصر
أثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي، والقادم أسوأ لأن النظام فرط في فرص عديدة لم تتح
من قبل لحكومات سابقة".
ورأى
السيد أن "توجه البنك المركزي الأمريكي لرفع سعر الفائدة له أثر كبير في امتصاص
السيولة من الأسواق الناشئة مثل مصر، لأنه يعتبر من الملاذات الآمنة للمستثمرين، بصفة
عامة سيظل الاقتصاد المصري يعاني لأنه اعتمد على القروض بدل اعتماده على الإنتاج، وهذه
الدائرة لن يخرج منها وسيدفع الجميع الثمن".
استغلال
المخاطر
بدورها
اعتبرت محللة الاقتصاد الكلي منى مصطفى رفض وزارة المالية لسعر العائد الذي طرحته البنوك
لأدوات الدين لتوفير السيولة المحلية، وارتفاع العروض التي قدمتها البنوك لشراء أدوات
دين حكومية متوسطة وطويلة الأمد، تأتي في سياق جولة أولى من الضغط على الحكومة لرفع
سعر الفائدة.
مضيفة
في تصريحات صحفية: "فيما يأتي رفض الحكومة قبول تلك العطاءات في إطار المراوغة
لخفض السعر الذي تدفعه تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية نحو الارتفاع الحتمي دوليًا
ومحليًا"، مشيرة إلى أن اتجاه البنوك نحو رفع سعر الفائدة على أدوات الدين الحكومية
متوقع نظرًا للمخاطر العالية التي تواجهها عمليات الإقراض في ظل الصدمة الاقتصادية
الناتجة عن الحرب.