لم يكن يعترف بمصطلح "الخطوط الحمراء"، فهي بالنسبة له، خطوط وهمية يقوم بصنعها الواقع السياسي الذي تعيشه الدول.
سياسي قومي عربي وطبيب، وأحد كتبة الدستور الكويتي، وأول كويتي حاصل على شهادة الطب البشري في تاريخ الكويت الحديث.
تمتع أحمد الخطيب، المولود عام 1927 في مدينة الكويت، بصفات قيادية من بينها الصبر والهدوء من أجل توفير عوامل النضج لنجاح أي مشروع يقوم بتبنيه.
درس الطب في الجامعة الأمريكية ببيروت عام 1942، وأمضى ثماني سنوات منها أربع سنوات لدراسة العلوم الطبية، وأربع سنوات أخرى لنيل الدكتوراه، وتخرج عام 1952 بتخصص طب عام وجراحة.
عمل مباشرة بعد تخرجه في المستشفى الأميري بالكويت ثم ذهب في دورة إلى لندن لدراسة أمراض المناطق الحارة، وعاد من جديد إلى المستشفى الأميري حيث قدم استقالته ليتفرغ لعيادته الخاصة.
أثناء دراسته في بيروت سيتعرف على المفكر السوري المعروف قسطنطين زريق أحد الأساتذة بالجامعة الذي دعاه لحضور حلقات ثقافية يديرها، لتكون هذه المشاركة البوابة للولوج إلى حلقة من زملائه في الجامعة الأمريكية، جورج حبش، ووديع حداد، وهاني الهندي لتشكيل ما سيعرف فيما بعد بـ "حركة القوميين العرب" عام 1952.
كان الخطيب من ضمن من وضعوا اللبنة الأولى في الحركة التي آمنت بالأفكار العروبية، وقال عن ذلك: "باشرت تشكيل تنظيم الحركة القومية، وكانت الخلايا الأولى تتشكل من الذين عملت معهم في السابق ومن الناشطين الجدد، وتركز العمل على الخريجين والمعلمين وطلبة الثانوية وعمال النفط وصغار التجار".
اقرأ أيضا: رحيل السياسي الكويتي البارز أحمد الخطيب
يقول في مذكراته التي حملت عنوان "الكويت من الإمارة إلى الدولة.. ذكريات العمل الوطني والقومي": وكانت الجامعة الأمريكية معروفة بحساسيتها من القضايا القومية، وكان هناك رد فعل قوي لأي حدث عربي خصوصا إذا كانت بمشاركة طلاب فلسطينيين".
وفي آخر سنة دراسية له في الجامعة، حدثت مظاهرات طلابية صاخبة احتجاجا على تدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط عام 1952، وحدثت مصادمات مع رجال الشرطة في بيروت وتم فصل الخطيب مع زميل فلسطيني له من الجامعة.
ولأن انتشار القوميين العرب كان واسعا في لبنان، فقد بدأ إضراب طلابي شمل معظم المدارس احتجاجا على قرار الفصل، بل إن الطلبة ساروا في مظاهرة كبيرة نحو الجامعة تهتف بسقوط مدير الجامعة، ولم يكتف الطلبة بذلك بل حاولوا الهجوم على مدير الجامعة في بيته وخصوصا الطلاب القادمون من طرابلس الذين كانوا يحملون شحنة من الديناميت لنسف بيته.
ويقول الخطيب في مذكراته: "أمام هذا التيار الجارف من مظاهرات التأييد لنا، تحركنا من أجل إيقاف المتظاهرين وتهدئتهم، وكذلك تدخلت الحكومة اللبنانية وأعادتني مع الزميل الآخر إلى الجامعة وسحب قرار الفصل الذي أصدرته الجامعة، والطريف أن مدير الجامعة الأمريكية بنروز كان يتساءل مندهشا، ويقول: لا أدري من هو مدير الجامعة، بنروز أم أحمد الخطيب!".
كما كان من مؤسسي "المنبر الديمقراطي الكويتي". وهي مجموعة سياسية كويتية من يسار الوسط، ومن القوميين وتدعو إلى العمل من أجل تحقيق الديمقراطية الكاملة وغرس احترام حقوق الإنسان والحريات.
كان له دور بارز في عام 1961 عندما طالب الرئيس العراقي الراحل عبد الكريم قاسم بضم الكويت إلى العراق فسافر الخطيب حينها إلى مصر ليستثمر علاقته الجيدة مع الرئيس جمال عبد الناصر، وعندما التقى الخطيب بعبد الناصر تعهد له بحماية الكويت والدفاع عنها.
وقف الخطيب مع ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، وضد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ومع ثورة 8 آذار/ مارس في العراق، ومع نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني دون هوادة، ومع الوحدة العربية، وجعل من صحيفته "الطليعة" التي أسسها عام 1962 صوتا لكل حركة تحرر وطني في مشرق الوطن العربي ومغربه.
رحل قابضا على المبادئ التي آمن بها، وبقي مؤمنا بالأمة العربية ومتمسكا بروح الإسلام وبتعاليمه.
خاض الخطيب انتخابات المجلس التأسيسي وحاز على المركز الأول، ثم ترشح لمنصب نائب رئيس المجلس التأسيسي وحصل عليه، وبعد نحو عامين جرت انتخابات مجلس الأمة الكويتي فحل بالمركز الأول وفاز بالانتخابات، غير أنه سرعان ما قدم استقالته من المجلس عام 1965 بسبب إقرار قوانين تقيد من الحريات.
ولم يكتب له دخول البرلمان في انتخابات عام 1967 بعد أن خسرها لكنه تمكن من دخول البرلمان من جديد عام 1971 ثم في مجلس 1975، وبقي في البرلمان إلى أن قرر في عام 1996 هو ورفيق دربه جاسم القطامي الاعتزال بسبب الأوضاع السياسية وانتشار الفساد وإعطاء الفرصة للشباب لتصحيح الأوضاع.
توفي أحمد الخطيب، عن عمر ناهز 95 عاما، حمل خلالها هموم بلده الكويت، وهموم الوطن العربي، وعاش انتصاراته وهزائمه، وشاهد الأحلام الكبرى وهي تنهار، ورأى كيف أن هذه الأمة تفرقها الصراعات وتجمعها فلسطين.
كرس "الحكيم" كما كان يلقب، مثل "الحكيم" الآخر في حركة القوميين العرب جورج حبش، حياته في سبيل حماية الحريات العامة وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، وأسهم في نهضة بلده، وشكل رمزا لمجموعة من القيم النبيلة، وكان استثنائيا من جيل استثنائي كما قال رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم.
رحل قابضا على المبادئ التي آمن بها، وبقي مؤمنا بالأمة العربية ومتمسكا بروح الإسلام وبتعاليمه.