كما ذكرت في
المقال السابق، فالتحديات الخارجية التي تواجه
الإخوان المسلمين (التيار والجماعة والتنظيم) والإسلام عديدة، والثغور الإسلامية باتت هدفا لفوهات المدافع المعادية، سواء كان العدو خارجيا معاديا للدين والملة والأمة أو عدوا داخليا معاديا للفضيلة والدعوة ومناصرا للفساد والاستبداد. والصورة اليوم تبدو أكثر وضوحا من ذي قبل ولا تحتاج إلى تعليق، فهي أبلغ من ألف كلمة.
اليوم دعونا نتحدث عن
التحديات الداخلية التي ولا شك كان لها دور كبير فيما نراه اليوم من صراعات ونزاعات داخل مؤسسة الإخوان، وبالتالي انعكست على صفوف المحبين والمؤيدين، وربما أصابت التيار الإسلامي كله بصدمة وهزة نفسية لم يسبق لها مثيل.
بطبيعة الحال فإن ما تعرض له الإخوان والأنصار والمحبون والتيار الإسلامي بمجمله؛ من حرب ضروس غير مسبوقة في تاريخ الجماعة والتنظيم قد أحدث ضررا بليغا في بنية التنظيم المسؤول عن إدارة شؤون الجماعة، والذي كان يراه الأنصار والمحبون وعموم التيار الإسلامي تنظيما قويا عصيا على التفكيك أو الانهيار. وقد انعكس ما جرى على بقية المنظومة وحدثت أمور يمكن أن أسميها بالفتنة الداخلية، وانتقلت إلى صفوف التيار الإسلامي الذي كان ينتظر منتسبوه عودة سريعة للإخوان في مواجهة الانقلاب من ناحية والحرب على الإسلام من ناحية أخرى.
انعكس ما جرى على بقية المنظومة وحدثت أمور يمكن أن أسميها بالفتنة الداخلية، وانتقلت إلى صفوف التيار الإسلامي الذي كان ينتظر منتسبوه عودة سريعة للإخوان في مواجهة الانقلاب من ناحية والحرب على الإسلام من ناحية أخرى
زمن الفتنة الداخلية (فتنة التنظيم) لسنوات وتشتت ذهن الجميع داخل الإخوان وخارجهم وكان الله في عون الجميع؛ لم يدر بخلد أحد ولم يطرأ على بال أحد، وحجم القوة المستخدمة ضد الإخوان والتيار الإسلامي غير مسبوق، وأعني قوة الدمار المدعومة بقوة المال الخليجي الملوث بدماء عشرات المئات من الشهداء وعشرات الألوف من الجرحى، ومثلهم خلف القضبان ممن يتم القضاء عليهم بالموت البطيء يوميا.
البطء في معالجة الصدع الذي شق صف الإخوان، وعدم التحرك سريعا في اتجاه إجراء مراجعات طالب البعض بها واعتبروا آنذاك منشقين أو عملاء أو جبناء. ولو أجريت تلك المراجعات في وقتها لربما تغيرت أمور وأمور، ولكن قدر الله وما شاء فعل. واليوم نجني حصاد ذلك التلكؤ سواء كان مقصودا أو غير مقصود مدفوعا بعوامل شخصية أم بعدم القدرة على الفعل ومجاراة الأحداث، والنتيجة هي ما نراه اليوم ونعيشه ساعة بساعة ولحظة بلحظة؛ ونحن نرى عموم الإخوان في حيرة من أمرهم لمن تكون القيادة في زمن عزت فيه القيادة الحقيقية، وتتوق النفوس إلى الخروج من موضع كارثي يزداد سوءا يوما بعد يوم، والقوم أو بعضهم في صراع وكأننا انتصرنا في الحرب ونختلف اليوم على الغنائم، والكل يعلم أنه لا غنائم بل مغرم ومغارم كثيرة.
اليوم نجني حصاد ذلك التلكؤ سواء كان مقصودا أو غير مقصود مدفوعا بعوامل شخصية أم بعدم القدرة على الفعل ومجاراة الأحداث، والنتيجة هي ما نراه اليوم ونعيشه ساعة بساعة ولحظة بلحظة؛ ونحن نرى عموم الإخوان في حيرة من أمرهم لمن تكون القيادة في زمن عزت فيه القيادة الحقيقية
فتنة التنظيم نجمت في رأيي عن غياب الشورى القاعدية التي لا تكتفي بالشورى على المستوى النخبوي؛ والذي تعرض للاعتقالات والقتل على يد مجرمي الانقلاب. وهنا كان ولا بد على أولي الأمر التحرك في اتجاه توسيع نطاق الشورى لتشمل كافة المستويات، وأن يتم إجراء تحديثات على اللوائح والنظم الداخلية تستوعب التغيرات التي حصلت على مستوى التنظيم والجماعة والدولة والإقليم والعالم. كان لا بد من استيعاب الكوادر المدفونة أسفل طبقات التنظيم المتراكبة طبقا فوق طبق واستخراج أفضل ما فيها، وهي كوادر مؤهلة ومستعدة ولكن أولويات التنظيم كانت غير أولويات الواقع تماما، فعادت الأمور إلى ذوي القربى التنظيمية ولكنهم لم يكونوا جديرين بالمواقع ولا المكانة، ولم تتم لا محاسبتهم ولا عزلهم مع تقديم الشكر لهم، وتأخر الأمر حتى حدثت بعض الإجراءات مؤخرا والتي أشبهها بإلقاء حجر في الماء الراكد. ولكن الطريق لا تزال طويلة، والعمل المطلوب في رأيي كثير بل كثير جدا، والمهمة شاقة وصعبة وإن كانت ليست بمستحيلة.
لقد أدى افتقار تطبيق الشورى على مستوى القاعدة إلى حرمان القائمين على شؤون التنظيم من أفكار الشباب الذين واجهوا الانقلاب بجسارة وشجاعة، ودفعوا أثمانا باهظة من عمرهم وزهرة شبابهم، وألقت بهم قوارب الهجرة على شواطئ قاسية، فلا اللغة تسعفهم ولا الخبرة ولا أهل هناك ولا نسبا، وشردتهم المحنة ووجدوا بعد كل ذلك أنفسهم مستثنين بـ"إلا". فلا أحد يهتم بهم ولا أحد يستمع لهم، واليوم وبعد مرور تسع سنوات على الانقلاب أضحى معظم هؤلاء الشباب رجالا كبارا تحملوا المسؤولية وواجهوا الواقع ودفعوا فاتورة باهظة، ولا يزال البعض ينظر إليهم على أنهم أشبال في الدعوة أو في الجوالة، وبالتالي لا يجب استدعاؤهم ودعوتهم لحمل الأمانة على الرغم من أنهم في تقديري قادرون بعون الله على حملها والذهاب بها بعيدا، وأبعد مما يتصوره بعض الإخوة القابضين على "جمرة التنظيم"، كما يحلو للبعض تصوير الأمر على أنه تكليفي إلهي، وهو أبعد من كونه كذلك، فالأمر كله اجتهاد بشري قد يحمله زيد أو عمرو من عموم البشر متى ما توفرت لديه القدرة والقوة (خذ الكتاب بقوة).
طال زمن الفتنة، ولكن الأنباء الجيدة أن ثمة تغييرا ولو كان بسيطا أو صغيرا يجري داخل التنظيم ولكنه ليس كافيا، ولا حتى مشجعا لمن هم خارج التنظيم لكي يتحركوا هم أيضا في الاتجاه الصحيح
لقد طال زمن الفتنة، ولكن الأنباء الجيدة أن ثمة تغييرا ولو كان بسيطا أو صغيرا يجري داخل التنظيم ولكنه ليس كافيا، ولا حتى مشجعا لمن هم خارج التنظيم لكي يتحركوا هم أيضا في الاتجاه الصحيح.
وكما ذكرت في المقال السابق فإن كثيرين من خارج التنظيم يعولون كثيرا على نمط القيادة داخل الإخوان، وبمجرد أن تصلهم إشارات إيجابية فسوف يتحركون في اتجاه العودة إلى الاندماج داخل التيار والجماعة، وبنسبة أقل داخل التنظيم الذي رغم الحاجة إليه إلا أنه يجب أن يظل محدودا بحيث لا يبتلع كل شيء (التيار والجماعة)، ويمنح الفرصة لقيام مؤسسات مستقلة إداريا وتنظيميا تستطيع الاعتماد على نفسها والقيام بمهامها في المجتمع دون أن تكون جزءا من التنظيم، وتصبح عونا لا عبئا عليه، وهو -أي التنظيم- لا يصبح ضاغطا عليها ولا مهيمنا على مقدراتها. وبذلك تزداد مساحة العمل ومساحة التفاعل مع الجماهير، وتزداد قوة التأثير في المجتمع، ولو لا قدر الله حدثت أزمة ما فلا يكون الكل ضحية لها، أو بمعنى آخر لا يؤخذ الجميع بذنب التنظيم.
الإخوان المسلمون.. طريق العودة (1)
الإخوان المسلمون.. طريق العودة (2)