تزامنا مع قرب حلول الشهر الكريم على اللبنانيين والعالم، تغرق الساحة السياسية اللبنانية بموضوع "الكابيتال كونترول" الشغل الشاغل للناس الخائفة على مصيرها وعلى أموالها القابعة في المصارف منذ عام 2019، حيث الاستنسابية والظلم الواقع على المودعين صغارا "وكبارا"، ولا أحد فوق الغربال، عدا السياسيين وأصحاب المصارف ومجالس إدارتها من المحظيين الذين حولوا ما حولوا في زمن الفلتان المالي والنقدي والسياسي.
الحقيقة المؤكدة أن اللصوص العابثين بمقدرات الوطن في ليل الظلم المستمر يعرف بعضهم بعضا جيدا، ويختفون خلف صندوق النقد الدولي ليمرروا قانونا على قياسهم، والكل يدرك أن لا قانون سوف يقر قبل تمرير كابوس الانتخابات التي لن تغير إلا ما ندر.
وفي ظل هذا الجو الاقتصادي والاجتماعي الضاغط، تذكر المعنيون من النواب "قانون الكابيتال كونترول" المجهول المنشأ؛ هذا القانون الذي كان لا بد من إقراره منذ اليوم الأول لثورة تشرين الأول 2019؛ حماية للمودعين ومنعا لإقفال المصارف وسياسة الاستنسابية المتبعة في شتى المجالات.. فهل عندما وصلنا إلى حافة الاحتياطي القانوني الإلزامي دون 10 مليار والحبل على الجرار.. الآن تذكرتم الكابيتال كونترول؟
بعدما أُنفق ما يفوق 15 مليار دولار في دعم السلع والتجار الذين لم يبقوا للناس إلا الفتات، الآن تذكرتم الكابيتال كونترول أمام وفد صندوق النقد الحاضر في بيروت لأسبوعين قادمين، حيث بدأ كل طرف يلقي باللوم على الآخر (مجلس الوزراء ومجلس النواب)، ولا أدري من القادم لكي يرفع اللوم عن نفسه أمام شعب يلفظ أنفاسه الأخيرة، حينما يقال له (كيلو الخيار بـ 40 ألف ليرة وكيلو البندورة 25 ألف ليرة وكيلو البطاطا 12 ألف ليرة)! إنه زمن وصفه ذات يوم الراحل أحمد زكي حينما قال عبارته الشهيرة بزمن "كلنا فاسدون".
إن "الكابيتال كونترول" الذي يُحكى عنه، والذي يُسمع صداه من أروقة مجلس النواب؛ لا يشبه المأمول من الناس والمودعين في حفلة ضياع الحقوق.
وللتذكير، فإن الكابيتال كونترول (أو ضبط رأس المال) هي إجراءات مراقبة وضبط لرأس المال، تتخذها الحكومة أو البنك المركزي أو الهيئات التنظيمية الاقتصادية والمالية الأخرى في البلد، بهدف الحد من تدفق رأس المال الأجنبي (الأموال) من وإلى الاقتصاد المحلي.
يمكن أن تكون هذه الضوابط على مستوى الاقتصاد الكلّي أو محددة على قطاع أو صناعة معيّنة. إذن مصطلح الكابيتال كونترول يعبّر عن القيود التي تضعها الدولة على تحويلات رؤوس الأموال من وإلى هذه الدولة، وتشمل إجراءات ضبط الأموال فرض ضرائب وتعريفات وتشريعات على المودعين والشركات في السوق المحلّي، للسيطرة على حجم السحوبات اليومية عبر المصارف والتحويلات النقدية. وهنا هل من يعلم أن حجز أموال الناس أوصل الاقتصاد والنمو إلى حافة الهاوية، حيث الناتج القومي المحلي وصل إلى 18 مليار دولار بعد أن كان 55 مليارا؟!
إن الكابيتال كونترول (أو ضبط رأس المال) هي إجراءات مراقبة وضبط لرأس المال، تتخذها الحكومة أو البنك المركزي أو الهيئات التنظيمية الاقتصادية والمالية الأخرى في البلد، بهدف الحد من تدفق رأس المال الأجنبي (الأموال) من وإلى الاقتصاد المحلي.
وفي خضم هذه الأزمة الطاحنة، أطلت علينا لعبة قانون "الكابيتال كونترول" بحجة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، فما هي هذه اللعبة لتحويل الودائع الدولارية إلى الليرة اللبنانية؟ وأي قانون هذا وأي بدعة هذه؟ وأي دولة هذه التي تحلل أكل أموال مواطنيها في بطون الفاسدين، كل الفاسدين؛ من الأركان العاملين إلى حيتان المصارف، وكأن قدر المودعين أن يموتوا في اليوم آلاف المرات؟ فهل القانون المحال من مجلس الوزراء هو فعليا" ما طلبه صندوق النقد؟ ألم يكن الحديث نفسه يوم الإثنين الماضي في 27/3/2022؟ ولماذا سقط في حفلة الشعبوية النيابية؟
إن الخشية اليوم من أن سقوط القانون في المجلس النيابي في هذه الأثناء لا يعني سقوطه بعد الانتخابات، وعليه فهل على اللبنانيين تجهيز أنفسهم للسكين القادمة بعد الانتخابات بما تبقى من أمل في استرجاع الودائع؟
بناء على ذلك، يجمع الكثير من الاختصاصيين والاقتصاديين والقانونيين أن الإجراءات اللازمة الآن تتلخص بما يلي:
أولا ـ يجب أن يتزامن هذا القانون مع إعادة هيكلة المصارف وعودة الثقة بالقطاع المصرفي، وأن يشمل خطّة إصلاحية للنهوض بالقطاع المصرفي وإعادة الثقة إليه.
ثانيا ـ يُطبّق لفترة محددّة واستثنائية تتزامن مع إصلاحات جديّة، وليس لفترة طويلة كما كان مقترحا (5 سنوات).
ثالثا ـ أن يكون محفّزا للاقتصاد، فلا يتعارض مع النظام الليبرالي الحرّ الذي يعتمده لبنان (خشية ضرب القطاعات الصناعية والإنتاجية).
رابعا ـ أن يقيم المساواة بالتعامل بين المودعين، وليس اعتماد الاستنسابية كما جرى منذ العام 2019 بتحويلات لجزء من الناس بالسمن وجزء آخر بالزيت.
خامسا ـ أن يعمل على إنقاذ ما تبقى من أموال، لا أن يضرب الاقتصاد ويقضي على ما تبقى من قطاع مصرفي ومالي، ومن ثم الأجدى أن يكون ما تبقى من أموال لبنة استثمارية للمراحل القادمة، لاسيما قطاعات الكهرباء.
سادسا ـ ألا يعاقب المودعون الصغار ويكونوا كبش الفداء لحماية كبار المودعين والمعرضين سياسيا.
سابعا ـ أن فرض سقف للسحوبات بموجب القانون، يجب أن يراعي الحالة الخاصة لكل مودع، وأن يتناسب مع المودعين الكبار والصغار والمؤسسات الصناعية والإنتاجية، وألا تحصر بلجنة مشكوك بمصداقية أعضائها.
ثامنا ـ عدم وضع قيود على إمكانية فتح المصارف لحسابات جديدة؛ لأنه يتنافى مع دور المصارف الأساسي، ويهدّد وجود وضمانة واستمرار القطاع المصرفي اللبناني، ومن ثم ضرب جوهر الاقتصاد الليبرالي الحر.
تاسعا ـ أن يتزامن تجميد الأموال مع خطّة تعافي وآلية واضحة لإعادة الودائع إلى المودعين، والالتزام الحقيقي ضمن أعلى معايير الشفافية، في بلاد بات تصنيفها لمؤشرات الشفافية في الحضيض.
عاشرا ـ ضمان حركة تحويل الأموال لمساعدة الاقتصاد في النهوض.
إحدى عشر ـ ضمان عملة الوديعة كما وضعت بعيدا عن لعبة الدولار (دفع الودائع الدولارية بالليرة) والدولار السائدة.
ضمن آليات كابيتال كونترول كهذا، قد تكون بداية الحل لمعضلة لبنان المصنفة بين الثلاث الأشد عالميا منذ القرن المنصرم بحسب البنك الدولي، وعليه مع الخوف من كابيتال كونترول سقيم، كل عام وأنتم بخير على أبواب الشهر الكريم.
التضخم بين الرابحين والخاسرين (1-2)
الحَربُ خُسْرانٌ وكوارث.. فلا تُجرِّبوا المُجَرَّب
هل تتجه تونس نحو الحوار الوطني؟