كشفت الحقوقية العراقية البارزة، فاطمة البهادلي، لـ"عربي21"،
أنها بصدد مغادرة محافظة البصرة (جنوبي العراق)، وحتى البلاد بأكملها، خلال الفترة
المقبلة، وذلك في أعقاب اغتيال نجليها "علي" و"أحمد" خلال أقل
من عامين، فضلا عن "الانتهاكات المتواصلة" التي تحدث بحقها جراء عملها
الحقوقي والإنساني.
وأوضحت، في أول مقابلة لها منذ واقعة اغتيال نجلها الثاني "علي"،
أن هناك تهديدات وصلت إليها بضرورة مغادرة محافظة البصرة -التي ولدت وعاشت فيها-
قبل اغتيال "علي" بثلاثة أشهر من قِبل جهات مسلحة "متنفذة" بالبصرة،
وفق قولها.
ونفت البهادلي أن يكون الشخص الذي جرى إلقاء القبض عليه خلال شهر تموز/
يوليو 2021 هو قاتل نجلها الثاني، منوهة إلى أنه "لا توجد أي أدلة واضحة تفيد
بأن هذا الشخص هو القاتل الحقيقي. لقد أُعلن حينها عن تلك الخطوة لأن الانتخابات
كانت قريبة، وأرادوا تهدئة الوضع العام والشارع البصري بشكل خاص".
وفي 25 تموز/ يوليو 2021، أُعلن عن العثور على جثة "علي كريم"
الابن الثاني للبهادلي ملقاة في أحد شوارع البصرة بعد 24 ساعة على اختطافه، وبدت
على جثته آثار رصاصات.
فيما أثارت جريمة اغتيال "علي كريم" إدانات سياسية وحقوقية وشعبية
واسعة، واعتبر ناشطون في الحراك الشعبي استمرار استهداف الناشطين "محاولة
لإسكات الأصوات الوطنية".
اقرأ أيضا: ما هدف تركيا من عملية "المخلب- القفل" شمال العراق؟
وكان مسلحون مجهولون اغتالوا أحمد كريم، النجل الأول للبهادلي، في أيار/
مايو 2019، كما سبق ذلك اختطاف البهادلي عام 2012 من قِبل مجموعة مسلحة مجهولة،
قبل أن يُفرج عنها لاحقا.
وفي ما يلي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
بداية، ما الذي تقوله الناشطة فاطمة البهادلي اليوم بعدما تم اغتيال نجلها الثاني مؤخرا؟ ومَن المسؤول الرئيسي عن تلك الجرائم التي حدثت بحقكم؟
اغتيال ابني الثاني "علي" هو الثمن الذي قدمته نتيجة عملي كمدافعة
عن حقوق الإنسان، وأنا لن أترك حقه ما حييت. والمسؤول الرئيسي عن تلك الجرائم هي
الجماعات المسلحة بسبب الإفلات من العقاب، خاصة أن الإفلات المتواصل من العقاب بكل
التأكيد يشجع المسؤولين عن تلك الجرائم والانتهاكات البشعة على المضي قدما في
طريقهم دون رادع أو وازع من ضمير.
هل جريمة اغتيال نجلكِ الثاني "علي كريم" جاءت ردا على رفضكم مغادرة محافظة البصرة؟
بالفعل، لقد جاءتنا تهديدات بضرورة مغادرة البصرة - التي ولدت وعشت فيها-
قبل حادث الاغتيال بثلاثة أشهر من قِبل جهات مسلحة "متنفذة" بالبصرة.
وبالتالي، هل من المحتمل أن تقوموا بمغادرة البصرة؟
نعم. سأترك البصرة، والعراق بأكمله، عندما تكون الظروف متاحة لي خلال
الفترة المقبلة.
بعد اعتقال قاتل نجلكم الثاني خلال شهر يوليو/تموز 2021، هل يمكن القول إن "العدالة تحققت" أم لا؟
ليست هناك أي أدلة واضحة تفيد بأن المعتقل الموجود هو قاتل ابني. لقد أُعلن
حينها عن تلك الخطوة لأن الانتخابات كانت قريبة، خاصة أن قضية اغتيال ابني باتت
قضية رأي عام وأثارت ضجة كبيرة آنذاك داخل وخارج العراق، ولهذا أعلنوا عن إلقاء
القبض عن شخص قالوا إنه المتهم بهدف تهدئة الوضع العام والشارع البصري بشكل خاص.
ما تقييمكم لموقف السلطات العراقية من الانتهاكات المتواصلة التي تتعرضون لها؟
موقف السلطات العراقية من الانتهاكات التي تطال الكثير من الناشطين موقف
ضعيف للغاية؛ فالأحزاب المتنفذة والعشائر المتمردة أقوى من السلطة العراقية، وها
نحن يوميا نسمع بمقتل ضابط في الجيش أو الشرطة من قِبل الجماعات المسلحة أو
العشائر، لكن المحاسبة ضعيفة جدا تجاه هؤلاء.
ويمكننا القول إن أداء الحكومة العراقية في هذا الصدد سيء جدا، ولم نكن
نتمنى في يوم من الأيام أن يصل إلى هذه الصورة التي هو عليها اليوم؛ فهو لا يرتقي
إلى درجة احترام وتطبيق حقوق الإنسان الأساسية، حتى في أبسط الحقوق الأساسية
كالتعليم والصحة والعيش الكريم والتنقل والتمتع بكرامة إنسانية.
إلى أي مدى تأثرتم على المستوى الشخصي والعام بالانتهاكات والجرائم التي وقعت بحقكم؟
مقتل ولدي الاثنين "علي" و"أحمد" كان له بالغ الأثر
على حياتي وظروفي الخاصة والعامة، حيث جعلني أعيش حالة من الحزن العميق الذي لا
يوصف مطلقا، ولكن إيماني بأن ما أقدمه للمجتمع يفرح أولادي، يجعلني متواصلة مع
فريق منظمتي؛ إذ أضع لهم الخطط للعمل، وأساعدهم في كثير من القضايا التي تتعلق
بالمجتمع بصورة عامة والمرأة بصورة خاصة.
ورغم إدراكنا أن المدافعين عن حقوق الإنسان في أي مكان معرضون للخطر،
وتزداد هذه المخاطر كلما تواجد الحقوقيون في دول لا تحترم ولا تؤمن بحقوق الإنسان
كالعراق، خاصة في ظل استمرار تردي الأوضاع على مختلف الصُعد والمستويات، وتحديدا
الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي، إلا أننا لم نكن نتصور أن تصل الأمور إلى هذا
المستوى المؤسف للغاية في بلادنا.
هل هناك تهديدات جديدة لا تزال تصل إليكم؟
لم تصلني أي تهديدات حاليا لأنني بعيدة عن الساحة.
ما ردكم على الاتهامات التي يوجّهها لكم البعض بالارتباط بجهات خارجية؟ ولماذا يُصرّ البعض على التحريض ضدكم؟
لا يسلم أي شخص ناجح في عمله من أي اتهامات؛ فحملات التشويه والتحريض تطال
الكثيرين، وخاصة النساء، لهذا لا أستغرب أن تكون هناك اتهامات ضدي بارتباطي
بأجندات خارجية مزعومة ومتوهمة؛ فنظرة مجتمعنا العراقي، وخاصة في الجنوب،
للمدافعين عن حقوق الإنسان بها قدر كبير من السلبية للأسف، لأنهم يعتقدون أننا
أناس بعيدون كل البُعد عن الله، وأن لنا علاقة مباشرة بالولايات المتحدة وأننا
"عملاء" السفارة الأمريكية، كما يتوهمون.
فقد بدأت عمليات الطعن والتسقيط السياسي ضدي، وضد آخرين، عام 2018 عندما
نُشرت صورنا في كل مكان عقب مشاركتنا في التظاهرات لتحسين مستوى الخدمات في
البصرة، وآنذاك كتبوا على تلك الصور أننا "عملاء السفارة الأمريكية"،
وكانت ضحية هذه الصور الدكتورة سعاد العلي التي اغتيلت في العام ذاته، ثم الناشطة
سارة طالب وزوجها حسين المدني سنة 2019، وفي العام التالي جرى اغتيال أيقونة
احتجاجات البصرة الدكتورة ريهام يعقوب، بالإضافة إلى محاولة اغتيال الناشطة لوديا
ريمون، وهي إحدى موظفات جمعية الفردوس العراقية. كل هؤلاء – وغيرهم الكثير- قُتلوا
لأنهم شاركوا في التظاهرات.
برأيكم، لماذا لم تتوصل لجان التحقيق الحكومية إلى نتائج ملموسة في الانتهاكات التي حدثت في البلاد؟
لم تتوصل لجان التحقيق الحكومية إلى نتائج ملموسة في الانتهاكات التي حدثت،
ولا تزال تحدث، في البلاد، لأن مَن يقوم بهذه الانتهاكات هم شركاء أصليون للحكومة
في السلطة؛ فهم ينتمون لأحزاب كبيرة لها نفوذ وقوة كبيرة جدا للدرجة التي يصعب
معها الاقتراب منهم.
في ظل سياسة الإفلات من العقاب تحدث البعض عن ضرورة تدخل المجتمع الدولي.. فهل الحل ينبغي أن يكون عراقيا- عراقيا أم أن الحل سيأتي من خارج العراق برأيكم؟
إن التدخل الدولي في وضع الحلول لإنهاء الإفلات من العقاب ليس صارما، لكنه
يوصلنا إلى بر الأمان، أما الحلول تكون عراقية ليست ناجحة ما دامت هناك صراعات
داخلية مستمرة وانتهاكات كثيرة لا أفق قريبا لإنهائها أو احتوائها.
ما هي توصياتكم لتحسين الوضع الإنساني والحقوقي في العراق؟
يجب أن يُطبق القانون على الجميع دون استثناء لأي أحد أو لأي جهة مهما كانت
متنفذة، ويجب أن تكون هناك عقوبات صارمة وحاسمة وفورية بحق مرتكبي الجرائم
والنزاعات المسلحة من أجل بناء دولة قوية لها هيبة وإرادة حرة، ويجب أن تعمل الحكومة
جاهدة على توفير الحماية القانونية للمدافعين عن حقوق الإنسان، وبالتالي فلا بد من
تعزيز القانون وإنفاذه بشكل عادل وصارم على الجميع وأكرر على ضرورة عدم استثناء أي
أحد مهما كان وضعه أو نفوذه.
فاطمة البهادلي في سطور
ناشطة معروفة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة في البصرة، وقد
أسست جمعية الفردوس التي تعنى بشؤون حماية النساء والفتيات المتضررات من الحروب
وتعزيز دورهن في بناء السلام.
توفر الفردوس حلقات عمل لمحو الأمية والتعليم والمهارات وتعمل على إنهاء
العنف ضد المرأة في المناطق الأكثر تهميشا للمرأة، بما في ذلك المناطق الريفية.
تسعى البهادلي، ومنظمتها، لرفع الوعي بين أفراد المجتمع حول تأثير زواج الأطفال
وترك المدرسة في وقت مبكر على النساء والفتيات، ودعوة العاملين في الحقل الديني وزعماء
القبائل إلى الاعتراف بالدور المهم الذي تلعبه المرأة في المجتمع.
تعمل أيضا مع الشباب لمكافحة عسكرة المجتمع، وتحارب تجنيد الأطفال والشباب
في الجماعات المسلحة، وتعمل على إعادة إدماجهم في المجتمع.
تعرضت للتهديد بالقتل، وتواجه ضغوطا اجتماعية شديدة بسبب عملها الحقوقي.
كما تعرضت لحملات تشهير عن طريق منصات إلكترونية وجماعات مسلحة اتهمتها
بالعمالة للقنصلية الأمريكية في البصرة، وهي التهم ذاتها التي طاولت أيضا عشرات
النشطاء.
في 9 كانون الأول/ ديسمبر 2020، حصدت الجائزة الإقليمية لمنطقة الشرق
الأوسط وشمال أفريقيا المقدمة من مؤسسة "فرونت لاين ديفندرز" (Front
Line Defenders)، وذلك بمناسبة اليوم الدولي للمدافعين
والمدافعات عن حقوق الإنسان.
يشار إلى أن العراق يشهد، منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019، احتجاجات مناهضة
للطبقة السياسية الحاكمة تخللتها أعمال عنف خلفت قتلى وجرحى.
ووفق أرقام الحكومة، فإن أكثر من 900 شخص من المتظاهرين وأفراد الأمن
قتلوا خلال الاحتجاجات، بينهم عشرات الناشطين الذين تعرضوا للاغتيال على يد
مجهولين.