مقابلات

المرزوقي لـ"عربي21": إفلاس تونس سيعجل بنهاية الانقلاب

القوى التي تدعم سعيد من داخل الدولة العميقة ستدرك قريبا أن مصلحتها التخلص منه- عربي21

المفاوضات مع "صندوق النقد الدولي" فشلت.. وتونس تتجه نحو الإفلاس خلال الفترة المقبلة


القوى التي تدعم سعيّد من داخل الدولة العميقة ستدرك قريبا أن مصلحتها التخلص منه


قيس سعيّد أطلق "رصاصة على رجله" بعدما أصدر مرسوم استبدال أعضاء الهيئة العليا للانتخابات


المنقلب أقنع كل التونسيين أنه يعود بهم لعصر التزوير وحكم على استفتائه بالفشل حتى قبل أن يبدأ


قيس سعيّد "شخص قذافي التفكير" لا يفهم معنى الحوار


أرفض تماما أي "صفقة" تأتي بتأثير من قوى خارجية لإبقاء المنقلب في منصبه.. هذا سيفاقم الأزمة


أدعو لتدخل الجيش والأمن الرئاسي والأمن من أجل إيقاف المنقلب وإحالته إلى محاكمة عادلة وعلنية

 

كشف الرئيس التونسي الأسبق، الدكتور محمد المنصف المرزوقي، أن المفاوضات التي تجريها السلطات التونسية مع "صندوق النقد الدولي" بشأن برنامج الإصلاح الاقتصادي قد فشلت، و"سيتواصل تدهور وتفاقم الأزمة الاقتصادية"، مشددا على أن "تونس متجهة نحو الإفلاس خلال الفترة المقبلة".


وأوضح، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن إفلاس تونس "سيعجل بنهاية الانقلاب، لأن القوى التي تدعمه من داخل الدولة العميقة ستصل قريبا إلى الاستنتاج الذي تحاول عدم الوصول إليه.. أنه لا خيار لها للدفاع عن مصالحها، وليس فقط عن مصلحة تونس، إلا بالتخلص من البغل الخاسر (سعيد) الذي راهنت عليه".


ودعا إلى ضرورة "تدخل الجيش، والأمن الرئاسي، والأمن، ووضع المنقلب في حالة إيقاف، وإحالته إلى محاكمة عادلة وعلنية ثم دعوة البرلمان للانعقاد لتسمية رئيس مؤقت، وتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية وفق الدستور، وبعدها تتشكل حكومة لعهدة كاملة بخمس سنوات ليعود الاستقرار. وأنا سأعمل بكل قواي لتأخذ تونس هذا المسار، لأنه طريق النجاة الوحيد".


وأوضح الرئيس التونسي الأسبق أنه يرى براعم تشكل الجبهة الموحدة للمعارضة وطرح البديل الوطني، وأنه سيدعمها بـ"شرطين".


لكن المرزوقي ألمح ضمنا إلى وجود "صفقة ما بتأثير من قوى خارجية تبقي المنقلب في منصبه"، وهو الأمر الذي شدّد على رفضه بشكل قاطع، لأن هذا السيناريو "لن يحل الأزمة، وإنما سيُرحّلها وسيفاقمها، وسيقضي على ما بقي من الاقتصاد التونسي ومن الاستقرار".


وأشار إلى أن سعيّد أطلق مؤخرا "رصاصة على رجله" بعدما أصدر مرسوما يقضي باستبدال أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات؛ حيث "أقنع كل التونسيين الذين عرفوا معنى الانتخابات الحرة أنه يعود بهم لعصر التزوير، وبالتالي فهو حكم على استفتائه بالفشل وبطلان الشرعية حتى قبل أن يبدأ"، واصفا سعيد بأنه "شخص قذافي التفكير".


وفي 22 نيسان/ أبريل الجاري، صدر مرسوم رئاسي لتعديل القانون الأساسي وتركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، يشمل تعيين أعضائها السبعة من قِبل رئيس البلاد.


والهيئة العليا المستقلة للانتخابات، هيئة دستورية أشرفت على الانتخابات منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2011، وتتكون من 9 أعضاء "مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة"، ينتخبهم البرلمان بأغلبية الثلثين، ويباشرون مهامهم لفترة واحدة مدتها 6 سنوات، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين.


وفي ما يأتي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":


في ظل الأوضاع الراهنة بتونس اليوم، هل يمكننا القول إن قيس سعيد عاد بالبلاد إلى مرحلة ما قبل الثورة وتركيز الحكم الفردي المطلق؟ وهل كتب سعيد شهادة وفاة الديمقراطية إلى الأبد؟


طبعا هو يعود بنا إلى الخمسينيات من القرن الماضي، لكنه لم يكتب شهادة وفاة الديمقراطية، وإنما شهادة وفاته السياسية هو، لسبب بسيط هو أننا في عام 2022 لا في 1959.


قيس سعيد أصدر قبل أيام مرسوما يقضي باستبدال أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بسبعة أعضاء جدد.. كيف استقبلتم تلك الخطوة؟


الرجل فهم أنه قد يخسر استفتاؤه إذا كانت هناك لجنة انتخابات مستقلة كالتي جاءت به للحكم فبادر لإلغائها، لكنه أطلق رصاصة على رجله حيث أقنع كل التونسيين الذين عرفوا معنى الانتخابات الحرة أنه يعود بهم لعصر التزوير. هو حكم على استفتائه بالفشل وبطلان الشرعية حتى قبل أن يبدأ.


سعيد قال إن التونسيين سيصوتون في الانتخابات البرلمانية المقبلة في كانون الأول/ ديسمبر على الأفراد وليس القوائم مثلما حدث في الانتخابات السابقة.. فهل يمكن وصف هذا القرار بأنه "طعنة" للأحزاب التونسية؟


هو شخص قذافي التفكير. يرى أن مَن تحزب خان، وأن الأحزاب رجس من عمل الشيطان.. إلخ، ومن ثم سيملأ البرلمان المقبل بنكرات لا خبرة لهم، وإنما الوجاهة والمال والعصبية القبلية والجهوية، وهذا بالضبط هو كل ما يدمر الدولة العصرية. وأملى أن يرحل الرجل قبل الوصول لهذه التراجيديا الكوميدية التي يسميها "انتخابات".


إلى أي مدى نجح سعيد في توظيف القضاء المدني والعسكري في تصفية خصومه السياسيين؟


نعم نجح لحد الآن، لكنني أعرف أن هناك مقاومة لهذا الانجراف، وهناك حالة تململ وعدم رضا عن تلك الممارسات.


قيس سعيد دعا مؤخرا إلى حوار وطني يهدف إلى "بناء الجمهورية الجديدة"، مستثنيا مَن زعم أنهم "نهبوا مقدرات الشعب، وأرادوا الانقلاب على الدولة".. فكيف تنظرون لهذا الحوار المرتقب؟


حوار قيس مع قيس وسعيد مع سعيد. هذا الرجل لا يفهم معنى الحوار. وفي السياسة يكون الكلام مع الخصوم، وحتى مع الأعداء، للتهدئة والتسوية، لكنه بعيد كل البعد عن شيء كهذا.


سعيد قال إن الإصلاحات التي سيشملها الحوار الوطني يجب أن تستند إلى نتائج الاستشارات عبر الإنترنت التي شارك فيها 500 ألف فقط في البلد البالغ عدد سكانه 12 مليونا.. فهل نتائج الاستشارة الإلكترونية مُعبّرة عن عموم التونسيين؟


الاستشارة والاستفتاء مجرد إخراج لمسرحية عبثية ورديئة، لأن الدستور الذي خاطه على مقاسه جاهز قبل كل هذين الفصلين من مسرحية ساذجة، وصاحبها من كثرة استغباء الناس لا يفهم أنه هو الذي ينظر له الناس ويسخرون من غبائه.


ما تقييمكم لموقف الاتحاد العام التونسي للشغل من تطورات الأزمة التونسية، خاصة أن البعض يقول إنه يحاول إمساك العصا من المنتصف؟


الاتحاد ما زال يظن نفسه في عام 2013، وأنه يمكن أن يلعب نفس الدور. بينما ستثبت الأيام قريبا خطأ هذا الطرح، وأنه على قائمة الطعام لا حول مائدة الأكل.


هل حركة النهضة تُعدّ المسؤول الرئيسي عما آلت إليه الأوضاع في تونس اليوم، خاصة أنك قلت سابقا إنها قدمت السلطة على طبق من ذهب إلى "الثورة المضادة"؟


طبعا قلت هذا ألف مرة، وحركة النهضة تغضب مني لأني لا أجامل أحدا ولا نفسي. لكن في الوقت الحاضر أفضّل ترك هذه الخصومات جانبا للوقوف صفا واحدا وواسعا ضد الانقلاب.


ما الذي وصلت إليه دعوة توحيد المعارضة وطرح البديل الوطني التي أطلقتها مؤخرا؟


كنت أول مَن أدان الانقلاب، ومَن دعا لدحره، وتجميع القوى المناهضة له. حاليا أرى براعم تشكل هذه الجبهة وسأدعمها بشرطين ألا يكون هناك إقصاء ووصاية من أي طرف ومن جهة أخرى، وألا يكون لها إلا هدف واحد هو العزل والمحاكمة وعودة الشرعية كاملة، والعودة للشعب عبر انتخابات رئاسية وتشريعية. ما عدا هذا -خاصة القبول بصفقة بتأثير من القوى الخارجية تبقي المنقلب- أمر مرفوض، لأنه لن يحل الأزمة، وإنما سيُرحّلها وسيفاقمها، وفي الأثناء سنقول وداعا لما بقي من الاقتصاد التونسي ومن الاستقرار.


هل تتوقع أن تنجح جولة المحادثات الجارية مع "صندوق النقد الدولي" بشأن برنامج الإصلاح الاقتصادي؟


المفاوضات فشلت، وسيتواصل تدهور وتفاقم الأزمة الاقتصادية، وتونس متجهة نحو الإفلاس خلال الفترة المقبلة، وهذا ما سيعجل بنهاية الانقلاب، لأن القوى التي تدعمه من داخل الدولة العميقة ستصل قريبا إلى الاستنتاج الذي تحاول عدم الوصول إليه إنه لا خيار لها للدفاع عن مصالحها، وليس فقط عن مصلحة تونس، إلا بالتخلص من "البغل الخاسر" التي راهنت عليه.


هل تعتقد أن قيس سعيد سيظل في منصب الرئاسة حتى انتهاء فترة ولايته الحالية في تشرين الأول/ أكتوبر 2024؟


لا أقرأ في الفنجان، لكن هذه الفترة تذكرني بالضبط بالتي سبقت نهاية بورقيبة وبن علي. إنها نفس حالة التأزم القصوى، ومن ثم لن أراهن على بقاء هذا الشخص الذي استنفذ كل زاده السياسي لا في ثلاثين سنة مثل بورقيبة أو ثلاث وعشرين سنة مثل بن علي، لكن في ثلاث سنوات فقط.. يا له من إنجاز.


متى سيعود المنصف المرزوقي إلى وطنه تونس مُجدّدا أم إنك لن تعود طالما استمر قيس سعيد في موقعه؟


حالما يقرر أصدقائي على الأرض وأيا كانت الظروف.


ما حجم الدعم الإقليمي والدولي الذي يحظى به الرئيس قيس سعيد اليوم؟

 

محور الشر السعودي الإماراتي المصري لا أكثر، وحتى هذا المحور بدا ينتبه أنه هو أيضا يراهن على بغل خاسر.


في رأيك، متى يصل الحراك التونسي والعربي إلى تحقيق القواعد الكُلية الثلاث التي تُنادي بها (شعب المواطنين، ودولة القانون والمؤسسات، واتحاد الشعوب العربية)؟


هذا برنامج الأجيال العربية المقبلة ليس في تونس، وإنما في كامل الوطن العربي.


تابعنا إطلاق ما يسمى "مشروع ربيع عربي واحد" مؤخرا تحت إشرافكم بمشاركة شباب من دول مختلفة.. فما هو تقييمكم لتلك التجربة الشبابية الوليدة؟ وهل ستتبعها خطوات أخرى أم لا؟


إنها عملية في بدايتها. قريبا سيجتمع نخبة من شباب الأمة للتفكير في طرق العمل المشترك لتحقيق الأهداف الثلاث للمشروع العربي، أي دولة القانون والمؤسسات على أنقاض دولة العصابات والعائلات، وشعب المواطنين على أنقاض شعب الرعايا، واتحاد الشعوب العربية الحرة على أنقاض الجامعة العربية.


البعض يرى أن قيس سعيد سوّق لشعبيته أثناء الانتخابات السابقة من خلال "المزايدة" بالقضية الفلسطينية، لكنه في الحقيقة ينسق الآن مع محور التطبيع مع إسرائيل، وفي المقابل أعلنت مؤخرا التبرؤ من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وشاهدنا قيام بعض المرابطين برفع صورك في المسجد الأقصى.. فكيف ترى الفرق بين "المزايدة بالقضايا العادلة" وبين التضحية والعمل الجاد والمخلص لهذه القضايا، وفي القلب منها فلسطين؟


عفوا فلسطين كم تاجر بك كل المستبدين العرب، لكن كم أحبك كل العرب بصدق. هل تعلم لماذا قررت المغامرة بحياتي سنة 2015 بركوب سفينة الحرية المتجهة لغزة؟، لأني تذكرت أن شبابنا رحل سنة 1948 مشيا على القدمين من تونس للالتحاق بالمقاومة الفلسطينية. قلت في نفسي القضية طالت، وستطول، إنها قضية أجيال لأكن ولو في هذا العمر حلقة من سلسلة النضال الحقيقي.


ما السيناريو الذي تتوقع حدوثه مستقبلا في تونس؟


السيناريو الكارثي يتمثل في تواصل الانقلاب، والمرور باستفتاء مطعون في شرعيته من الآن، والوصول لانتخابات "مسخرة"، وفي الأثناء إفلاس الدولة، وظهور اضطرابات اجتماعية تخرج عن نطاق السيطرة.


لكن السيناريو الذي أدعو إليه هو تدخل الجيش، والأمن الرئاسي، والأمن، ووضع المنقلب في حالة إيقاف، وإحالته إلى محاكمة عادلة وعلنية ثم دعوة البرلمان للانعقاد لتسمية رئيس موقت، وتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية وفق الدستور. وبعدها تتشكل حكومة أرجو أن تكون لعهدة كاملة بخمس سنوات ليعود الاستقرار، وهو الشرط الأول للاستثمار والازدهار. وأنا سأعمل بكل قواي لتأخذ تونس هذا الطريق، وهو طريق النجاة الوحيد، ولا بد لليل أن ينجلي.