في ظل التحولات الإقليمية والدولية الحاصلة تحاول الدول والجماعات في تحديد تموضعها السياسي وسياق علاقاتها، نظراً لاعتبارات التهديد والمصالح لديها بقراءة المشهد من كل الزوايا. فروسيا التي تخوض عملية عسكرية في أوكرانيا يقف عدها اعتبارات تحديد الأصدقاء والحلفاء من غيرهم، وهو ما انعكس وسينعكس على سلوكها السياسي في المستقبل. ينسجم ذلك مع تحرك حركة
حماس في إطار تموضعها السياسي الذي ترى فيه وجود فاعل وحليف دولي إلى جانب القضية
الفلسطينية.
وفي سياق ذلك، جرى اتصال هاتفي مطول بين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد إسماعيل هنية، ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، بحثا فيه التطورات الميدانية في القدس وغزة، والجهود السياسية المبذولة، حسب بيان صدر عن حركة حماس. وعبر رئيس الحركة عن تقديره للموقف الروسي الداعم للحق الفلسطيني والرافض للخطوات الصهيونية الجارية في المسجد الأقصى الذي أصدرته وزارة الخارجية الروسية، مشيراً إلى الدور المحوري لروسيا في المنطقة والعلاقة المهمة معها.
في المقابل، أكد لافروف تقديره للشعب الفلسطيني وقضيته، وقال: "موقفنا ثابت تجاه القضية، فنحن كنا دائما إلى جانب الشعب الفلسطيني في حق تقرير المصير وحقه في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس"، مثمناً موقف الحركة من رفضها للهيمنة الأمريكية، ومؤكدا حرصه على تطوير العلاقة الثنائية.
وهنا يمكن الوقوف على نقطة مهمة: أن
العلاقات الثنائية بين
روسيا وحماس بدأت بعد فوز الأخيرة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006م، والتي أسست لمرحلة جديدة في إطار التوجهات المختلفة بينهما تجاه تلك العلاقة، وقد مرت العلاقة بسمات مختلفة خلال قرابة العقد ونصف، فروسيا دولة عضو في الرباعية الدولية، وأحد ركائز النظام الدولي والتي تمثل عنواناً للمعسكر الموازي للولايات المتحدة الأمريكية.
دلالات الاتصال في إطار تصورات حماس:
- تأتي ضمن الجهود التي تبذلها حركة حماس ممثلة بالسيد هنية، في حشد الموقف الدولي تجاه التصعيد
الإسرائيلي والأحداث الجارية في المسجد الأقصى المبارك.
- استثمار المواقف السياسية التي تساهم في تحشيد القوى الدولية ضد العدو الصهيوني، وغطرسته واحتلاله للأراضي الفلسطينية.
- رسالة واضحة من الحركة لروسيا وتأكيد ما صدر منذ البداية عن رفضها للهيمنة الأمريكية على العالم، على اعتبار أمريك الحليف الأمثل للاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يمكن قراءته في إطار تموضع الحركة ضمن سياساتها الإقليمية والدولية، بالانسجام مع العلاقة الروسية خاصة في هذه المرحلة الحساسة في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية.
- إن ازدواجية المعايير التي تبنتها أمريكا والغرب، تجاه المسألة الروسية والقضية الفلسطينية، بالانحياز الواضح لأوكرانيا، فإنه يتطلب موقفاً أكثر وضوحاً من حركة حماس في رفضها لهذه الازدواجية، والتعبير عنه يتم بطرق مختلفة إحداها طبيعة اصطفافها السياسي.
الموقف الروسي:
- يمثل الموقف الروسي في بعده الديبلوماسي موقفاً ثابتاً إيجابياً تجاه القضية الفلسطينية، وفق الاعتبارات والقوانين الدولية، بالإضافة إلى علاقة روسيا بحركة حماس التي تقيم علاقة معها ولا ترى أنها منظمة إرهابية، كما تتعامل الدول الغربية.
- وبالتالي فإن علاقة روسيا بحركة حماس تمثل قوة ناعمة للقبول بها في منطقة الشرق الأوسط على اعتبار أن الحركة تحظى بمكانة كبيرة بين شعوب المنطقة، وهو ما سيمثل انفتاحا لروسيا على العالم الإسلامي.
- في إطار الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وسياسة ازدواجية المعايير يبرز الاصطفاف بين الدول، والذي يجعل المواقف تمثل على الأقل حالة تحصين لرواية الدولة. ويمثل تبنى حركة حماس للرواية المغايرة لرواية الغرب، بل مواجهة هذه الازدواجية، موقفاً إيجابياً ينسجم مع طبيعة تصور روسيا عن حركة حماس.
- الاحتلال الإسرائيلي والموقف الروسي منه، خاصة طبيعة الدور السلبي الذي يلعبه الاحتلال في الأزمة في الفترة الحالية، فيريد الروسي تشكيل حالة ضاغطة على الطرف الإسرائيلي.
الأزمة الأوكرانية ودلالة الموقف:
في ضوء الأزمة الروسية الأوكرانية أظهرت الحركة منذ اليوم الأول موقفها السياسي برفض للهيمنة الأمريكية على العالم، الأمر المرتبط بطبيعة دعم أمريكا للاحتلال الإسرائيلي الذي يحتل أرض غيره، وكذلك الغضب الذي ساد الأواسط الفلسطينية عامة من سياسة ازدواجية المعايير التي تبنتها أمريكا والغرب في التعامل مع الأزمة الروسية الأوكرانية، وطبيعة الانحياز لأوكرانيا على ادعاء أن روسيا تحتل أوكرانيا؛ الدولة التي كانت ضمن الاتحاد السوفييتي، في المقابل فإن فلسطين محتلة منذ أكثر من 70 عاماً.
المسار الاستراتيجي للعلاقة والموقف من إسرائيل:
تتسم علاقة حماس مع روسيا بالثبات، إذ ان لها معايير تتحرك فيها في الاتجاهين، فالسقف السياسي لروسيا معروف في التدخل في القضايا الدولية، والذي يمكن أن يتطور في المستقبل على خلفية الأزمة الأوكرانية، وكذلك بالنسبة لحماس أيديولوجيتها السياسية المعروفة من مسار التسوية السياسية، الورقة التي يمكن أن تحرك المياه الراكدة بالنسبة لروسيا، وقوة روسيا المستقبلية ستغير من أجندات وميكانزمات القرار بالنسبة لسياستها الخارجية ضمن انعكاس سياساتها عامة.
تتصور حركة حماس أن تواجدها في المعسكر الموازي للولايات المتحدة الأمريكية يخدم رؤيتها في طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، على اعتبار الأمريكي بمثابة الحليف الاستراتيجي للاحتلال الإسرائيلي، وهو ما ينسجم مع أن يكون هناك حليف وظهير سياسي دولي لها في هذا الإطار يخدم رؤيتها. وبالتالي فإن زيادة الفجوة والتوتر بين روسيا وإسرائيل يمثل عنصر قوة لها، ويخدم ذلك الأزمة الحالية الحاصلة، نتيجة وضوح الاصطفاف الإسرائيلي في المعسكر الأمريكي، وهو ما ينظر إليه الاحتلال بمثابة ضرر له نتيجة لوجود مليون يهودي في إسرائيل أصولهم روسية.
الخلاصة:
في ظل تشكل النظام الحالي وتغيير اتجاهات المنظومة الدولية والتي تظهر باتجاه تعدد الأقطاب، يمكن القول إن روسيا بكل الأحوال ولأسباب متعددة ستكون جزءا من قوة فاعلة في هذا النظام، الأمر الذي سينعكس على طبيعة تحالفاتها وعلاقاتها ومواقفها من القضايا الدولية المختلفة، وباختلاف النظام ستختلف معه معطيات كثيرة منها هيئة الأمم المتحدة وكذلك طبيعة تحرك المصالح في العالم.
فإسرائيل التي وجدت في طور تلاقي المشروع الصهيوني مع المشروع الغربي، لن تكون في تحالفاتها وعلاقاتها على الشكل الحالي، وهذا ما يمكن اللعب عليه من قبل حركة حماس في إطار تطوير علاقتها مع روسيا، لتشكيل ظهير سياسي دولي داعم للقضية الفلسطينية وعقبة في وجه النمو والتطور الإسرائيلي، وهذا يتطلب سياسة عالية وفاعلة على صعيد كيف تدير إسرائيل علاقاتها وتوجهاتها، الأمر الذي هو بحاجة لفلسفة عمل ضد الاحتلال، تمنع تقدمه.