صحافة دولية

"لوموند": كيف أصبحت سوريا مركزا لتهريب الكوكايين؟

القوات المسلحة الأردنية تجري عمليات تمشيط يومية للشريط الحدودي مع سوريا- جيتي

نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن تهريب المخدرات الذي انتشر على طول الحدود مع الأردن، منذ استعادة القوات الموالية للرئيس بشار الأسد لجنوب سوريا سنة 2018.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته '"عربي21"، إنه منذ استعادة القوات الموالية للرئيس بشار الأسد السيطرة على جنوب البلاد زادت ظاهرة تهريب المخدرات على طول الحدود بين سوريا والأردن البالغة قرابة 400 كيلومتر.

وذكرت الصحيفة أن عمليات التهريب التي ازدهرت خلال الحرب التي اندلعت في سوريا منذ سنة 2011 والأزمة الاقتصادية تتمحور حول الكبتاغون، وهو عقار أمفيتامين سهل الإنتاج ورخيص الثمن. يوضح العقيد مصطفى الحياري "أصبحت سوريا مركزا لإنتاج المخدرات سواء الكبتاغون أو الحشيش. وتعتبر المنطقة الحدودية منطقة رمادية بين الحرب والسلم حيث يتم تجنيد الناس من قبل التجار والميليشيات".

وأشارت الصحيفة إلى أن تعاطي المخدرات يتزايد في المملكة الهاشمية وسط ارتفاع معدلات البطالة لكن البلاد تُستخدم بشكل أساسي كطريق عبور إلى المملكة العربية السعودية، التي تعتبر الوجهة الرئيسية لتهريب الكبتاغون من سوريا. يُباع "كوكايين الفقراء"، الذي يحظى بشعبية كبيرة بين الشباب السعودي، بما لا يقل عن عشرة أضعاف سعره (حوالي 15 يورو للقرص الواحد).

سوريا دولة مخدرات

اتخذت ظاهرة تهريب وإنتاج المخدرات أبعادًا واسعة النطاق لدرجة أن الخبراء أضحوا يصفون سوريا "بدولة المخدرات". أصبحت تجارة المخدرات مصدرًا رئيسيًا للدخل في بلد انهار اقتصاده تحت وطأة الحرب والعقوبات.

أشار تقرير نشره مركز البحوث والتحليل التشغيلي (COAR) في سنة 2021: "على الرغم من أن تهريب الكبتاغون كان من بين مصادر تمويل الجماعات المسلحة المعارضة للدولة، إلا أن إحكام نظام الأسد وحلفائه الإقليميين سيطرتهم على البلاد سمح لهم بأن يصبحوا المستفيدين الرئيسيين من تجارة المخدرات". 

وأوردت الصحيفة أنه صودرت منذ سنة 2017 كميات كبيرة من هذا العقار في دول مجاورة على غرار العراق والأردن ولبنان وتركيا وفي موانئ في إيطاليا واليونان. بناءً على الكميات التي تم الكشف عنها في سنة 2021، يُقدر معهد "نيولاينز" الأمريكي في دراسة نُشرت في نيسان/ أبريل القيمة المحتملة لصادرات المخدرات السورية بأكثر من 5.7 مليارات دولار.

 

والجدير بالذكر أن معظم المعامل الإنتاجية تقع في مناطق تخضع لسيطرة النظام من حلب إلى السويداء مرورا بدمشق وحمص. وأشار خبير سوري طلب عدم الكشف عن هويته إلى أن "المنتجات الصيدلانية والكيميائية مستوردة في معظمها من لبنان وتحضّر في سوريا في مختبرات صغيرة. كما يوجد كبتاغون وحشيش لبناني بجودة أفضل يمر عبر سوريا". وحسب هذا الخبير، فإن حزب الله - حليف نظام الأسد - يسيطر مع وسطاء على إنتاج المخدرات في لبنان ومرور البضائع والمواد الخام إلى سوريا. وفق مركز البحوث والتحليل التشغيلي "طورت الحركة الشيعية اللبنانية هذه الخبرة منذ حرب 2006 ضد إسرائيل، من خلال التعاون مع القوات الإيرانية".

 

في سوريا، يقال إن الفرقة الرابعة، وهي وحدة من النخبة العسكرية تضم حوالي 80 ألف عنصر بقيادة ماهر الأسد، متورطة في هذه التجارة- علما بأن ماهر الأسد هو الشقيق الأصغر للرئيس السوري وله علاقات وثيقة مع إيران وحزب الله. ويوضح الخبير ذاته: "تقوم الفرقة الرابعة بالتغطية على تحركات المنتجين السوريين من خلال رجال أعمال مرتبطين بماهر الأسد يملكون استثمارات في السعودية".

أوردت الصحيفة أن هذه الفرقة تتولى مهمة مراقبة النقل عبر البلاد. ويضيف الخبير أن حرس الحدود والاستخبارات العسكرية يساعدون المهربين على الحدود، ويعتقد أن "بشار الأسد لا يحصل بالضرورة على أموال بيع الكبتاغون وإنما يترك هذه المساحة لماهر ليدفع لرجاله"، مشيرا إلى أن "النظام لا يستطيع الاستغناء عن تهريب المخدرات". 

 

اقرأ أيضا: هل يمكن للتقارب العربي مع نظام الأسد أن يوقف تدفق المخدرات؟

مهربون أكثر إصرارا

تحرص السلطات الأردنية على عدم الكشف علانية عن بعض المسؤولين عن عمليات التهريب في صلب عشيرة الأسد. وحسب بعض الفيديوهات، سارع الأردن إلى طرح المسألة على دمشق فور استعادة العلاقات بين البلدين في صيف 2021.

 

ذكرت الصحيفة أن تهريب الكبتاغون كان محور الاتصالات التي جرت في أيلول/ سبتمبر 2021 مع مدير مكتب الأمن الوطني السوري علي مملوك، ثم في كل اجتماع أمني على الحدود. يقول مصدر مطلع: "رد السوريون بأنهم فوجئوا وأنهم سيتحركون لوقف ذلك. مع كل محاولة للتواصل، تحسن الوضع لمدة أسبوع إلى أسبوعين قبل أن يتدهور مرة أخرى مما يثبت أنه حتى عندما تكون الإرادة موجودة، فليس لديهم سيطرة كاملة".

وأفادت الصحيفة بأن المهربين، الذين يرافقهم أحيانا رجال مسلحون ببنادق آلية، أظهروا أنهم أكثر إصرارًا. فقد دفع مقتل ضابط أردني في تبادل لإطلاق النار في منتصف كانون الثاني/ يناير عمان إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة. والآن، لدى حرس الحدود أوامر بإطلاق النار على أي شخص يدخل المنطقة المحرمة الحدودية. 

 

في الأثناء، لم يتوقف تهريب المخدرات وتم ضبط أكثر من 17 ألف عبوة من الحشيش و16 مليون حبة كبتاغون في الربع الأول من هذا العام، أي أكثر من ثلث إجمالي المحجوز في سنة 2021 وفقا للجيش. ويشير ضابط أردني إلى أن "هناك أكثر من 160 شبكة داخل سوريا، لكن لا يمكن تحديدها جميعا". 

لمحة على التقارب بين عمان ودمشق

حسب مصدر سوري مقرب من المعارضة "لا يغير موت المهربين شيئًا لأن من يشرف على عمليات التهريب ليس هؤلاء المهربين الذين ليس لديهم ما يخسرونه بسبب كثرة البطالة وقلة سبل العيش في سوريا".

وأضافت الصحيفة أن أولئك الذين يحملون البضائع سيرا على الأقدام، حوالي 35 كيلوغراما من الكبتاغون في حقيبة الظهر، يكسبون ما يقارب 10000 دولار. إنهم يعتمدون على التضاريس الوعرة وينتظرون أن تسوء الأحوال الجوية - ضباب أو عاصفة رملية - لتجنب الكاميرات.

ويضيف المصدر السوري: "هناك تكتيك آخر يتمثل في حشو سيارة رباعية الدفع بمخدرات ذات نوعية رديئة واستخدامها كطعم للأردنيين من أجل تهريب منتجات أفضل على طريق آخر. ويمكن لهذه المركبات أن تحمل ما يصل إلى طنين من هذه المواد".

ونبّهت الصحيفة إلى أن استمرار هذه التجارة يُلقي بظلاله على التقارب بين عمان ودمشق. يندد النائب خلدون حينا، رئيس لجنة الشؤون الخارجية النيابية، وكله أسى على الوضع: "نطلب منهم محاربة هذا التهريب إنه تهديد لأمننا القومي. 50 بالمئة من الشباب الأردني عاطلون عن العمل والبعض معرضون لخطر الانضمام إلى تجارة المخدرات".

 

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)