"ليس سهلا ربما أن أغيّر الواقع، ولكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم".. كلمات قالتها شيرين أبو عاقلة وصارت طوال الساعات الأخيرة تتناقلها الصفحات والشاشات لتعرف الجميع بمدى خسارة القضية والعالم باغتيال شيرين، لكن هذه الكلمات استوقفتني أو لأقل وكأنها صفعتني لأستفيق مع نفسي فأواجهها.
لم تستطع شيرين -بل وآلاف غيرها من المقاومين وأصحاب القضية على اختلاف صفاتهم وأماكنهم- أن تغير واقع الأراضي المحتلة، أو أن تحرر القدس، أو أن توقف جرائم الصهاينة منذ احتلالهم فلسطين وتواطؤ العالم معهم وعلى مدار ما يقرب من الثمانين عاما مضت، ولكنها كانت صوتا يوصل الحقيقة والواقع لكل الدنيا، صوتا يدافع ويقاوم بقدر ما تمتلكه من طاقة وأدوات. استطاعت -وآخرون معها من صحافيين ومقاومين- أن تبقي فلسطين وقضيتها والقدس وجرائم الاحتلال قضية حيّة في ضمير الأمة ابتداءً، وتؤرق ضمائر الأحرار وتقضّ مضاجع العالم الذي يدّعي الحرية والعدالة والإنصاف.
صفعتني كلماتها لأراجع حالي، ومنذ شهور، حيث صرت تحت وطأة عجز التغيير -حتى في واقع وعقول أصحاب القضية- أؤثر الصمت، عدم الكتابة، عدم التعليق أو الحديث عما وصل إليه حال قضيتنا المصرية، حال البلد والمجتمع، حال المظلومين والمعتقلين والمطاردين في المنافي (الإجبارية أو الاختيارية).
سألت نفسي التي دفعتني للبحث عما يمكن عمله -على الحقيقة فعلا- لتغيير واقعنا المتردي وترك الكلام والوصف، ترك الكتابة والتوضيح عما أوصلنا لهذا، وعن المصارحة والأخطاء وبذل الجهد في الإقناع، فكل هذا كما شعرت لم يعد يجدي، فمن فهم قد فهم ومن أراد التغيير فليصنعه فقد تكلمنا بما يكفي.
سألت نفسي وأزمتنا لم يتخط عمرها تسع سنوات وبدأ قلب الحقائق، وتحويل المسارات، ويأس أصحاب القضية أنفسهم واستسلامهم، بل وتعالت أصوات دعوات الاستسلام والاعتراف بالأمر الواقع والتعايش معه. فليس للمهزوم أن يستمر في المعافرة، والتسليم بالهزيمة يستلزم الانسحاب والصمت لوقف الخسائر، فلربما اكتفى المجرم الظالم بما قام به وما سفك من دماء وأهدر من أرواح وأعمار، لربما اكتفى بما حصل عليه من غنائم وقبِلَ أن يصفح عن المظلومين ويعطيهم فرصة ليبقوا على قيد الحياة!
سألت نفسي: ماذا لو فعل أهل فلسطين -بل وكل مقاومي الأمة أصحاب القضية الفلسطينية- هذا الذي ينادي به الكثيرون الآن في حالتنا المصرية؟!
ماذا لو صمتوا وانسحبوا وسلموا منذ احتلت أراضيهم، وقتل أهلوهم وحرقت قراهم ومدنهم؟ ماذا لو توقفوا عن المقاومة، والكلام، والرفض؟ ماذا لو قبِلوا ترك بيوتهم فلا فائدة من البقاء تحت الاحتلال وهو الأقوى سلاحا وتدعمه اعترافاتٌ دولية خائنة وقراراتٌ أمميّة، ودعم مالي ولوجيستي ومخابراتي عالمي؟
ماذا لو لم يكن هناك من يعرّض نفسه للرصاص فقط لينقل لنا ما يحدث في القدس وجنين وغزة وطولكرم؟ ماذا لو لم يخرج أطفال الحجارة في فلسطين يقاومون فقط بحجارتهم أمام دبابات وطائرات وقاذفات الصهاينة، حتى استطاعوا وبعد سنوات طويلة أن يصنعوا سلاحهم ليقاوموا به؟
سألت نفسي وأسأل الجميع ممن يبحثون عن الحرية والعدل في وطني مصر ودفعوا ضريبة ذلك ماذا لو لم نستمر في المحاولة، في العمل في رفض الظلم ومقاومته، في البحث عن حلول وإن لم نملك الآن غير صوت أو قلم أو ربما فكرة؟
سألت: هل صمت من صمت أو انسحب واكتفى بالمشاهدة، قد أبعده عن مرمى الظلم؟ هل الابتعاد عن الاشتباك مع الأفكار والعمل العام والجهد المجتمعي في حزب أو إعلام أو حتى عمل خيري للبر أو المساعدة؛ استطاع حماية أصحابه من بطش النظام والاعتقال والمصادرة والمنع من السفر، بل وأحيانا القتل وفقد الحياة؟
هل انتظار رضا وعفو الظالم حقق في الواقع نتيجة حصل بها أصحابها على الأمان والراحة، فضلا عن الحصول على هذا العفو من الأساس؟!
ربما يكون اغتيال شيرين أبو عاقلة فرصة لنا لنعيد حساباتنا، نعيد تقييم واقعنا وأحوالنا. وهنا أقصد كل صاحب مبدأ أو قضية، كل متعاطف وموجوع من الظلم في فلسطين أو في مصر أو العالم، فرصة لتذكر أنفسنا بأنه إن لم نستطع -الآن- تغيير الواقع فليس أقل من أن نكون صوتا للحق إلى العالم٫ فلا تُنسى قضيتنا وتضيع بصمتِنا واستسلامنا٫ وتضيع معها دماء الشهداء وتضحيات الجميع؛ من قضى أو من بقي.
لماذا تركتم فارسة الحقيقة وحيدة؟
الإمارات.. انفصام الهوية وموت الضمير!!
الذكرى الأولى لمعركة سيف القدس.. عندما تربعت القدس على رأس أولويات المقاومة