لم يكن قرار عودة تصدير النفط بإرادة ليبية خالصة، ذلك أن جبهة طبرق ـ الرجمة ترغب في أن توظف أوراقها بكفاءة في المنعطف الذي تمر به البلاد اليوم، وورقة النفط هي الورقة الرابحة بالنسبة لعقيلة صالح وخليفة حفتر.
ولقد كان دور السفير والمبعوث الأمريكي الخاص لليبيا بارزا في فتح النفط وذلك بالضغط على جبهة طبرق ـ الرجمة، صحيح أن عقيلة وحفتر تحصلا على وعود بإدارة التسوية السياسية بشكل لا يصادم مصالحهما، لكن يدرك عقيلة وخليفة أن التوقيت بالنسبة لإغلاق النفط كان خطأ، والآن الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي توجه أو سياسة تربك استراتيجيتها في مواجهة الروس في أوكرانيا، وبالتالي كان من المتوقع أن لا تطول أزمة النفط والمتوقع أيضا أن لا يكون هامش المناورة كبير لمن أرادوا توظيف ملف الطاقة في النزاع الراهن في هذا الظرف بالذات.
لا أخفي استغرابي من حديث السفير والمبعوث الخاص نورلاند عن آلية إدارة عائدات النفط الليبي والتي تم بحثها، بحسب تصريحاته الأخيرة، من قبل مجموعة العمل الإقتصادي التي تضم عددا من الدول المعنية والمتورطة في الأزمة الليبية، وقوله بأنه تفاجأ من القرار المنفرد للمؤسسة الوطنية للنفط بتحويل إيرادات النفط إلى المصرف المركزي، بعد أن تحفظت عليها المؤسسة لأسابيع بطلب من مجلس النواب، وأن واشنطن غير راضية عن عودة تدفق الإيرادات إلى المركزي الليبي والتي كانت ضمن صفقة بين المؤسسة والمركزي وذلك مقابل إفراج المركزي عن 2.6 مليار دولار ضمن ميزانية مؤسسة النفط، فأن يقع ما وقع بدون دعم أو علم الإدارة الأمريكية وهي التي تلعب دورا حيويا ومؤثرا فيما يتعلق بالمصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط فهذا مرجوح وليس راجحا، والشواهد على ثقل الإدارة الأمريكية في هذا الملف ظاهر منذ الانقسام السياسي العام 2014م.
نخلص من النتيجة التي يقود إليها تتبع شواهد عدة إلى القول بأن نورلاند لعب دورا في تهيئة الظروف لعودة تدفق الخام الليبي إلى الأسواق العالمية، وهذا ما يقدح في حديثه عن السيادة الليبية وأنها أحد الركائز الثلاث التي يجعلها منطلق سياسته في التعامل مع الأزمة الليبية، ومعلوم المشاورات والمباحثات التي أشرفت عليها الإدارة الأمريكية وضمت محافظ المصرف المركزي ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط خلال الأسابيع الماضية، وبالتالي يصبح تصريح السفير الأمريكي بعدم علمه وعدم رضاه عن الاتفاق بين المركزي والمؤسسة محل استغراب.
تصريحات نورلاند بشأن الصفقة بين المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط تعني أن صنع الله رمى قرار مجلس النواب عرض الحائط، وأنه والصديق الكبير يتصرفان باستقلالية تامة وصلاحيات واسعة، وفي حال أن ما وقع كان خلافا للرغبة والتخطيط الأمريكي، وهو ما استبعده، فإننا مقبلون على ساحة جديدة للنزاع محورها المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط.
برأيي إن تحفظ نورلاند في تصريحاته الأخيرة لم يكن بخصوص جوهر الصفقة، فهو أعرب عن رغبته في التأني حتى يتم مناقشة الاتفاق، ويدرك نورلاند أن أي نقاش ضمن المجموعة الإقتصادية الدولية أو داخل المنتظم السياسي الليبي لن يحقق ما تحرص واشنطن على تحقيقه وهو عودة الإنتاج الليبي إلى سابق مستواه للإسهام في تهدئة التوتر في سوق النفط العالمي وعدم التشويش على استراتيجية الولايات المتحدة في مواجهة روسيا في حربها على أوكرانيا.
نورلاند مطلع على الواقع السيئ للبنية التحتية لقطاع النفط الليبي والصعوبات الفنية التي تواجهها صناعة البترول في ليبيا والتي تقف حجر عثرة أمام زيادة إنتاج الخام الليبي، وسيكون من المنطقي أن يدعم نورلاند مطالب المؤسسة خاصة وأن طلباتها تأتي في سياق مستحقاتها ضمن الميزانية العامة وتلبي خطة مواجهة تحديات كبيرة، بل إنه أشار إلى أن الاستثمار في البنية التحتية لقطاع النفط كانت من ضمن ما ناقشته مجموعة العمل الاقتتصادي في تونس في مطلع نيسان/ أبريل الماضي واعتبرته من الأولويات التي ينبغي أن تتضمنها آلية إدارة الإيرادات النفطية الليبية.
تصريحات نورلاند بشأن الصفقة بين المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط تعني أن صنع الله رمى قرار مجلس النواب عرض الحائط، وأنه والصديق الكبير يتصرفان باستقلالية تامة وصلاحيات واسعة، وفي حال أن ما وقع كان خلافا للرغبة والتخطيط الأمريكي، وهو ما استبعده، فإننا مقبلون على ساحة جديدة للنزاع محورها المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط.
حكومة باشاغا في سرت.. تحدٍّ أم فرصة؟
نزاع أعضاء مجلس الأمن حول ليبيا وتداعياته
ادبيبة وباشاغا.. تدافع الداخل واستقطاب الخارج