واكب جميع مراحل تأسيس دولة الإمارات، وبقي ملازما لوالده الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مهمته لتحسين حياة القبائل في المنطقة وإقامة سلطة الدولة.
يقول المقربون منه إنه كان مستمعا جيدا، يمتاز بالدماثة والتواضع في تعامله مع الآخرين مما أكسبه محبة المواطنين واحترامهم، وهو هادئ الطباع وقارئ للتاريخ محب للشعر والأدب.
كان دقيقا في مواعيده وكان يلتزم ببرنامج عمل يومي صارم.
وبدا إعلان وفاته مفاجئا فهو شبه غائب عن المشهد الإعلامي منذ نحو عشر سنوات بسبب المرض.
الشيخ خليفة بن زايد، حاكم الإمارات العربية المتحدة، المولود عام 1948 في مدينة العين التابعة لإمارة أبو ظبي، هو الابن البكر لمؤسس دولة الإمارات الشيخ زايد آل نهيان، وتلقى الشيخ خليفة تعليمه الأساسي بمدينة العين، في المدرسة النهيانية التي أنشأها والده.
وكان أول منصب رسمي شغله هو ممثل حاكم أبو ظبي في المنطقة الشرقية ورئيس المحاكم فيها، عام 1966 وعمره لم يتجاوز آنذاك 19 عاما.
ثم ما لبث أن أصبح وليا لعهد والده عام 1969.
تولى الشيخ خليفة رئاسة أول مجلس وزراء لإمارة أبو ظبي عام 1971، بالإضافة إلى حقيبتي الدفاع والمالية، وكان من ضمن مهامه الإشراف على قوة دفاع الإمارة، التي كانت نواة جيش الإمارات العربية المتحدة. ثم أصبح نائبا لرئيس مجلس الوزراء الاتحادي عام 1974 وبعدها وفي نفس العام، وبعد إلغاء مجلس الوزراء المحلي، أصبح خليفة أول رئيس للمجلس التنفيذي الذي حل محل مجلس وزراء الإمارة.
وبعد رحيل والده الشيخ زايد عام 2004 أصبح الشيخ خليفة رئيسا لدولة الإمارات العربية المتحدة، وحاكما لإمارة أبو ظبي.
يسجل للشيخ خليفة جملة من الإنجازات التي شهدتها الإمارات في عهده وحتى في حياة والده، فقد أدخل تعديلا على أسلوب اختيار أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، حيث أصبح نصف أعضاء المجلس الأربعين منتخبين من طرف هيئات انتخابية منذ عام 2006، بينما ظلت عضوية النصف الآخر تتم بالتعيين.
كما أشرف على مشاريع التطوير والتحديث التي شهدتها البلاد، وتولّى الإشراف على مفاوضات المشاركة النفطية التي أعادت صياغة السياسة النفطية ووضعت الأسس لعلاقة أكثر عدلا مع الشركات النفطية، ومتابعة لهذا الدور تولى رئاسة المجلس الأعلى للبترول، وهو المنصب الذي شغله حتى وفاته، كما أسس وترأس جهاز أبو ظبي للاستثمار الذي يشرف على إدارة الاستثمارات المالية للإمارة.
وأعطى الشيخ خليفة أهمية كبيرة لمشاريع تطوير وتحديث البنية التحتية ومرافق الخدمات المختلفة، وعمل على بناء جهاز إداري حديث. وشهدت الإمارات تقدما اقتصاديا هائلا، مصحوبا بنفوذ دبلوماسي كبير تحت حكم خليفة.
ويحسب له أيضا أنه منح المرأة الإماراتية الحق بإعطاء أولادها الجنسية عند بلوغهم سن الرشد في حال زواجها من أجنبي، كما دخلت في عهده أول امرأة في عضوية المجلس الوطني الاتحادي. تمسك الشيخ خليفة بمواقف والده التاريخية من القضية الفلسطينية، فأيد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وطالب أن يكون هذا الانسحاب خطوة للانسحاب من كافة الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، لتمكين الشعب الفلسطيني من بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
كما أطلق الشيخ خليفة مبادرة الإمارات في بناء مدينة في رفح على أنقاض إحدى المستعمرات الإسرائيلية والتي ساهمت في تخفيف المعاناة عن أبناء الشعب الفلسطيني إلى جانب المشاريع العديدة السابقة التي قامت بها الدولة في فلسطين المحتلة.
ومنذ عام 2011 غاب الشيخ خليفة عن المشهد الإعلامي لبلاده، ولم يكشف عن أسباب غيابه طيلة هذه المدة، وكان يباشر مهام محدودة في المناسبات العامة وكنوع من البرتوكول.
لكن لم تلبث أن أعلنت الإمارات عام 2014 عن إصابة الشيخ خليفة بوعكة صحية شديدة نتيجة إصابته بجلطة، ليختفي بعدها بشكل دائم ويبدأ في رحلة علاج طويلة حيث سافر أكثر من مرة لعدة عواصم أوروبية لأجل العلاج.
وأصبح شقيقه محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي هو الحاكم الفعلي للإمارات في ظل غيابه.
وتقول تقارير غربية إنه يعتبر رابع أغنى الحكام في العالم.
وجرى العرف في البلاد أن يتولى ولي عهد إمارة أبو ظبي المنصب الذي يشغله محمد بن زايد، وليس نائب رئيس الدولة وهو حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، كما حدث مع الشيخ الراحل خليفة بن زايد نفسه عام 2004.
وبموجب الدستور، سيشغل نائب الرئيس ورئيس الوزراء الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، منصب الرئيس حتى يجتمع المجلس الاتحادي الذي يضم حكام الإمارات السبع في غضون 30 يوما لانتخاب رئيس جديد.
ولم يعرف من سيتولى من أبناء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس البلاد منصب ولي عهد أبو ظبي الذي يشغله محمد بن زايد حاليا.
ومع مواراة جثمان الشيخ خليفة الثرى في مقبرة البطين في أبو ظبي، سيكون الشيخ محمد بن زايد، حاكما علنيا للإمارات العربية بعد أن كان حاكما فعليا لكن في ظل شقيقه الغائب، وربما يجري تغيرات جوهرية على شكل العلاقة بين الإمارات المشكلة للاتحاد، كما أن مسيرة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة الفجة والمستفزة ستدفن إرث المؤسس الشيخ زايد العروبي.