اقتصاد عربي

هل خدعت حكومة مصر المودعين بشهادات ادخار عوائدها 18%؟

المودعون تلقوا خبرا غير سار بوقف تداول تلك الشهادات وإصدار أخرى بقيمة 14 بالمئة لمدة 3 سنوات- جيتي
أثار قرار أكبر بنكين حكوميين في مصر الاثنين الماضي، بإيقاف شهادة الادخار بقيمة 18 بالمئة واستبدالها بأخرى أقل عائد، رغم أنها شهدت إقبالا كبيرا من المصريين وجمع البنكان منها 750 مليار جنيه (41.4 مليار دولار) في شهرين، لغطا في الشارع المصري وتغيرا مقلقا في خريطة شهادات الادخار بالبنوك الحكومية.

بنكا "الأهلي" و"مصر"، كانا قد طرحا شهادات ادخار بعائد 18 في المئة ثابت شهريا لمدة عام واحد، لسحب جزء من السيولة من الأسواق لكبح جماح التضخم، وذلك بعد رفع البنك المركزي المصري الفائدة على الإيداع والاقتراض 100 نقطة أساس، في 21 آذار/ مارس الماضي، إثر رفع الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة.

تلك الشهادات جذبت آلاف المصريين الذين تكدسوا أمام البنكين طوال شهرين كاملين، لإيداع أموالهم وفقا لشهادة الادخار الجديدة التي لاقت دعاية واسعة من الإعلام الموالي للنظام، وبلغت حصيلتها مبلغ 515 مليار جنيه لدى البنك الأهلي و240 مليار جنيه لدى بنك مصر (الدولار 18.65 جنيها مصريا).

إلا أن أصحاب المدخرات من المصريين تلقوا خبرا غير سار بوقف تداول تلك الشهادات وإصدار أخرى بقيمة 14 بالمئة لمدة 3 سنوات، وذلك رغم رفع البنك المركزي في 19 أيار/ مايو الماضي لسعر الفائدة للمرة الثانية في 2022، وبنسبة 2 بالمئة، بينما كان متوقعا طرح شهادات بعائد 20 بالمئة، أو استمرار شهادات الـ18 بالمئة.

ورفعت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، سعر الفائدة على الإقراض لأجل ليلة واحدة إلى 12.25 بالمئة من 10.25 بالمئة، وزادت سعر الإيداع لليلة واحدة إلى 11.25 بالمئة من 9.25 بالمئة في محاولة لامتصاص موجة التضخم الذي وصل نسبة قياسية في نيسان/ أبريل الماضي (14.9 بالمئة).

ولكن، في مفارقة أعلن "بنك ناصر الاجتماعي" (حكومي) الثلاثاء الماضي، طرح شهادة ادخار ذات أجل 3 سنوات أيضا ولكن بعائد يصل إلى 15 بالمئة سنويا هي الأعلى على مستوى البنوك المصرية.

مراقبون، رأوا أن قرار وقف شهادة الـ18 بالمئة، وطرح شهادة جديدة بـ 14 بالمئة، فيه الكثير من الخداع للمصريين، مؤكدين أن ودائعهم ستخسر، والدخل الحقيقي وليس الدفتري أو القوة الشرائية للمبلغ المودع قبل وبعد فترة الإيداع سوف ينخفض.


ولكن على الجانب الآخر، يرى مراقبون، أن شهادة الـ14 بالمئة أفضل من شهادة الـ18 بالمئة، لأن الجديدة لمدة 3 سنوات بينما الأخرى لمدة عام واحد.

"خداع للمصريين"

وفي قراءته لدلالات وقف شهادات الاستثمار 18 بالمئة بعد إصدارها بشهرين رغم رفعها سعر الفائدة 2 بالمئة، قال الخبير الاقتصادي الدكتور علي عبد العزيز: "ظهرت شهادات الـ 18 بالمئة بعد رفع البنك المركزي الفائدة 100 نقطة أساس في 21 آذار/ مارس الماضي، بعد رفع الفيدرالي الأمريكي الفائدة 25 نقطة أساس".

الأكاديمي المصري، أضاف في حديثه لـ"عربي21": "وما يقوله البنك المركزي أن هدف الشهادات هو محاولة للسيطرة على التضخم والذي وصل 12.1 بالمئة آذار/ مارس الماضي و14.9 بالمئة نيسان/ أبريل الماضي، وذلك من خلال جذب السيولة من السوق وبالتالي ينخفض الطلب".

واستدرك: "ولكن قد يكون للشهادات أهداف أخرى غير معلنة مثل منع الدولرة، وجذب أموال المغتربين، وإخراج ما يكتنزه المصريون من دولار خوفا على قيمة أموالهم".

وتابع: "وبالتالي بعد وصول مبلغ الاستثمار في الشهادات إلى 750 مليار جنيه فيبدو أن الشهادات استنفدت ما لدى المستهدفين من دولار، أو أن السوق أدرك الفخ وهو أن التضخم سيزداد خلال شهور بنسبة أكبر من فائدة الـ 18 بالمئة، أو أن أثر الشهادات على الاستثمار المباشر وغير المباشر بدأ يظهر بقوة".

ولفت إلى أن "ما حدث بالبورصة نموذج لذلك؛ حيث انخفض المؤشر الرئيسي بنسبة 8.13 بالمئة أيار/ مايو الماضي، وانخفض حجم التداول إلى 48.3 مليار جنيه مقارنة بـ86.7 مليار جنيه خلال نيسان/ إبريل الماضي، وخسرت القيمة السوقية ما يقارب 50 مليار جنيه".

عبد العزيز، أوضح أنه "وبالتالي توقفت الشهادات على خلاف التوقعات بعد رفع فائدة المركزي 2 بالمئة في أيار/ مايو الماضي، وهو ما يؤكد وجهة النظر بأن الهدف غير معلن وفيما يبدو أنه استُنفد".

وأكد أن هذا "أيضا ما دفع البنوك لطرح شهادات الـ 14 بالمئة لأن السوق المحلي لن يأتي بأكثر من ذلك من الدولار، بالإضافة إلى كبر حجم السيولة المسحوبة من السوق، وفي نفس الوقت رسالة طمأنة على غير الحقيقة، ومحاولة لتغيير التوقعات بضرورة رفع الفائدة والدولار خلال أسابيع وشهور قادمة".

الخبير والأكاديمي المصري، قال إن "ما يحدث هو خداع للمصريين؛ لأن الفائدة الحقيقية في ظل شهادات الـ 18 بالمئة لا تتجاوز 3 بالمئة، وبالتالي انخفاض الفائدة عن 18 بالمئة في ظل ثبات معدلات التضخم متعددة الأسباب الداخلية كسعر الصرف".

وتابع: "ووقف الاعتمادات المستندية والخارجية بسبب اضطرابات سلاسل التوريد والحرب في أوكرانيا، وفي ظل النظرة المستقبلية السلبية المتوقعة من وكالة (موديز) لهو أمر يؤكد خداع البنك المركزي والبنوك للمواطنين".

وأوضح أن ذلك "من خلال سرقة أموالهم بأوراق الجنيه التي ستنخفض بشدة أمام الدولار، ولن ينجو من هذه الخديعة إلا من أمن قيمة أمواله خلال هذه الفترة بالذهب والدولار".

"أدت غرضها"

الباحث والمحلل الاقتصادي محمد نصر الحويطي، قال إن "وقف شهادة الـ18 بالمئة يأتي بعدما جمعت البنوك قدرا كبيرا من المدخرات وحققت الغرض من طرحها وهو تقليل نسب التضخم، ولذا أتوقع بشكل كبير أن تكون بيانات التضخم خلال أيار/ مايو الماضي أقل منها في نيسان/ أبريل الماضي".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أنهم "يرون أن شهادة الـ18 بالمئة أدت غرضها، كما أن الفائدة تم رفعها على الودائع والقروض بنسبة 2 بالمئة فطبيعي أن بنكي مصر والأهلي ولديهما شهادة سابقة بقيمة 11 بالمئة لمدة 3 سنوات أن يطرحا شهادة جديدة".

وتابع: "إذا كانت الفائدة أصبحت 12.25 بالمئة للإقراض و11.75 بالمئة للودائع فلن يُبقي البنك على شهادة بـ11 بالمئة بعد 3 سنوات وطبيعي أن يرفعها أو يوقفها ويطرح شهادة وسطية تكون أعلى من سعر الفائدة، لذا طرح شهادة 13.5 و14 بالمئة لمدة 3 سنوات، وطرح بنك ناصر شهادة بـ15 بالمئة".

وأكد أنه "ما كان ليرفع شهادة الـ18 بالمئة إلى 20 بالمئة، وقد أدت غرضها بجمع 750 مليار جنيه، وكان هناك إقبال كبير عليها فلماذا يرفعها"، لافتا إلى أن ما يثار عن "خسائر المصريين من القرار غير حقيقي بل إنهم كسبوا ولم يخسروا، وشهادة 14 بالمئة في 3 سنوات أفضل من 18 بالمئة التي تنتهي العام القادم، والله أعلم كيف ستتغير الأحداث العالمية".