نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا أشارت فيه إلى فرض الغرب العقوبات الاقتصادية على روسيا لإجبارها على الانسحاب من أوكرانيا، لكن ما حدث العكس، والأمور لم تسر وفق الخطة.
وأوضحت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، أنه تم فرض العقوبات على فلاديمير بوتين، ليس لأنها كانت تعتبر الخيار الأفضل، ولكن لأنها كانت أفضل من مسارين آخرين متاحين للعمل: عدم القيام بأي شيء أو التورط عسكريا.
وتم فرض المجموعة الأولى من التدابير الاقتصادية فور الغزو، عندما كان من المفترض أن تستسلم أوكرانيا في غضون أيام. لكن ذلك لم يحدث، فكانت النتيجة أن العقوبات - رغم أنها لا تزال غير كاملة - تم تكثيفها تدريجيا.
على الرغم من ذلك، لا يوجد مؤشرات فورية على انسحاب روسيا من أوكرانيا وهذا ليس مفاجئا، لأن العقوبات كان لها تأثير ضار في زيادة تكلفة صادرات النفط والغاز الروسية، مما أدى إلى تعزيز ميزانها التجاري بشكل كبير وتمويل مجهودها الحربي.
في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2022، يمكن لبوتين أن يتباهى بفائض في الحساب الجاري قدره 96 مليار دولار -، أكثر من ثلاثة أضعاف الرقم للفترة نفسها من عام 2021.
اقرأ أيضا: إيكونوميست: حرب بوتين في أوكرانيا تؤذن بعهد نووي جديد
عندما أعلن الاتحاد الأوروبي حظره الجزئي على صادرات النفط الروسية في وقت سابق من هذا الأسبوع، ارتفعت تكلفة النفط الخام في الأسواق العالمية، مما قدم للكرملين مكاسب مالية أخرى غير متوقعة. لا تجد روسيا صعوبة في إيجاد أسواق بديلة لطاقتها، حيث ارتفعت صادرات النفط والغاز إلى الصين في نيسان/ أبريل بأكثر من 50% على أساس سنوي.
هذا لا يعني أن العقوبات خالية من المتاعب بالنسبة لروسيا. ويقدر صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد سينكمش بنسبة 8.5% هذا العام مع انهيار الواردات من الغرب. تمتلك روسيا مخزونات من السلع الأساسية للحفاظ على استمرارية اقتصادها، ولكن بمرور الوقت ستُستنفد.
لكن أوروبا تفطم نفسها تدريجيا عن اعتمادها على الطاقة الروسية، ومن ثم تم تجنب أزمة مالية فورية لبوتين. إن الروبل - بفضل ضوابط رأس المال والفائض التجاري الصحي - قوي. لدى الكرملين الوقت للعثور على مصادر بديلة لقطع الغيار والمكونات من الدول الراغبة في الالتفاف على العقوبات الغربية.
عندما التقت القوى العالمية الوازنة في دافوس الأسبوع الماضي، كانت الرسالة العامة هي إدانة العدوان الروسي وتجديد الالتزام بالوقوف بقوة وراء أوكرانيا. لكن سرا، كان هناك قلق بشأن التكاليف الاقتصادية لحرب طويلة الأمد.
هذه المخاوف لها ما يبررها تماما. أعطى الغزو الروسي لأوكرانيا دفعة إضافية لتصاعد الأسعار القوي أصلا. يبلغ معدل التضخم السنوي في المملكة المتحدة 9% - وهو أعلى مستوى له منذ 40 عاما - وقد سجلت أسعار البنزين مستوى قياسيا، ومن المتوقع أن يرتفع سقف أسعار الطاقة بمقدار 700-800 جنيه إسترليني سنويا في تشرين الأول/ أكتوبر. أحدث حزمة دعم من "ريشي سوناك" للتعامل مع أزمة تكلفة المعيشة، كانت الثالثة من قبل وزير المالية في غضون أربعة أشهر - وسيكون هناك المزيد في وقت لاحق من العام.
نتيجة للحرب، تواجه الاقتصادات الغربية فترة من النمو البطيء أو السلبي وتضخم متصاعد - عودة إلى الركود التضخمي في السبعينيات. تشعر البنوك المركزية - بما في ذلك بنك إنجلترا - أنه يتعين عليها الاستجابة للتضخم الذي يقترب من رقمين عن طريق رفع أسعار الفائدة. من المتوقع أن ترتفع نسبة البطالة. تواجه الدول الأوروبية الأخرى المشاكل نفسها، إن لم يكن أكثر من ذلك، لأن معظمها يعتمد على الغاز الروسي أكثر من المملكة المتحدة.
اقرأ أيضا: ذي هيل: إدارة بايدن تواجه أزمة روسيا وإيران وارتفاع النفط
تختلف المشاكل التي تواجه البلدان الفقيرة في العالم من حيث الحجم. بالنسبة لبعضهم، لا تكمن المشكلة في الركود التضخمي، بل المجاعة، نتيجة لإغلاق إمدادات القمح من موانئ أوكرانيا على البحر الأسود.
وكما قال ديفيد بيسلي، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي: "في الوقت الحالي، صوامع الحبوب في أوكرانيا ممتلئة. في الوقت نفسه، يسير 44 مليون شخص حول العالم نحو المجاعة".
في كل المنظمات متعددة الأطراف - صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة - تتزايد المخاوف من وقوع كارثة إنسانية. الموقف بسيط؛ ما لم تكن الدول النامية مصدرة للطاقة نفسها، فإنها تواجه ضربة ثلاثية تؤدي فيها أزمات الوقود والغذاء إلى أزمات مالية. في مواجهة خيار إطعام سكانها أو الدفع لدائنيها الدوليين، ستختار الحكومات الخيار الأول. كانت سريلانكا أول دولة تخلفت عن سداد ديونها منذ الغزو الروسي، لكن من غير المرجح أن تكون الأخيرة. يبدو العالم أقرب إلى أزمة ديون كاملة من أي وقت مضى منذ التسعينيات.
لقد تمت إدانة بوتين بحق بسبب استخدام الطعام كسلاح، لكن استعداده للقيام بذلك لا ينبغي أن يكون مفاجئا. منذ البداية، كان الرئيس الروسي يلعب لعبة طويلة، في انتظار تصدع التحالف الدولي ضده. ويعتقد الكرملين أن عتبة روسيا للألم الاقتصادي أعلى من عتبة الغرب، وربما تكون على حق في ذلك.
إذا كانت هناك حاجة إلى دليل على أن العقوبات لا تجدي نفعا، فإن قرار الرئيس جو بايدن بتزويد أوكرانيا بأنظمة صاروخية متطورة يوفر ذلك. الأمل هو أن تحقق التكنولوجيا العسكرية الحديثة من الولايات المتحدة ما فشل حظر الطاقة والاستيلاء على الأصول الروسية حتى الآن في تحقيقه؛ إجبار بوتين على سحب قواته.
الهزيمة الكاملة لبوتين في ساحة المعركة هي إحدى الطرق التي يمكن أن تنتهي بها الحرب، على الرغم من أن الأمور لا تبدو على الأرجح على هذا النحو. هناك نتائج أخرى محتملة، أحدها أن ينجح الحصار الاقتصادي في نهاية المطاف، حيث تضطر العقوبات الأكثر صرامة روسيا على التراجع. والآخر هو تسوية تفاوضية.
لن يستسلم بوتين دون قيد أو شرط، وإمكانية حدوث أضرار جانبية خطيرة من الحرب الاقتصادية واضحة: انخفاض مستويات المعيشة في البلدان المتقدمة ومجاعة وأعمال شغب بسبب الغذاء وأزمة ديون في العالم النامي.
إن الفظائع التي ارتكبتها القوات الروسية تعني أنه من الصعب حاليا قبول المساومة مع الكرملين، لكن الواقع الاقتصادي يشير إلى شيء واحد فقط؛ سيتم إبرام صفقة عاجلا أم آجلا.
WSJ: الانقسامات الغربية تحرم أوكرانيا من الأسلحة الثقيلة
على خطى أبراموفيتش.. الأوليغارش الروس يعرضون سداد العقوبات
صحيفة روسية: كيف تحاول أمريكا حشد آسيا الوسطى ضد روسيا؟