تعجّب مستعرب ياباني زائر، من كثرة ترديد النخبة السورية اسم
الديمقراطية، تجويدا وترتيلا، وكان يرى أن الديمقراطية ليست وصفة سحرية، وأن الديمقراطية قد تختزل إلى أصوات، وقد تمسخ إلى عرض مهرجاني، وقد تُزوّر.
وتشير الوقائع إلى أن الشعوب العربية والمسلمة كانت أسعد تحت حكم السلاطين والملوك، بدليل الحنين إلى أيامهم. وتوصف الديمقراطية عادة بأنها أفضل الوصفات السياسية وأنجعها، وهي كذلك، وقد منعت علينا، بل إن الأمر يتعدى المنع إلى أمر أشدُّ منه وأضرى.
يقول المفكر المصري عبد الوهاب المسيري: إن علف بقرة الديمقراطية مسروق من دول العالم الثالث ومنهوب منها، فحضارة الغرب مبنية على جماجم الشعوب المغلوبة وثرواتها المنهوبة. وتتفق على هذا الأمر أحكم النخبة العربية.
وكانت النخبة العربية وما تزال تكثر من نشيد فاسد، هو أن
الهند أكبر ديمقراطية في العالم، وتنسى أنها أظلم ديمقراطية في العالم. فهي وإن كانت دولة نووية وفيها أمهر المبرمجين، لكنها متخلفة اجتماعيا واقتصاديا، فهندوسيتها تمنع الديمقراطية. والهند مجتمع طبقي، وطبقاته متباعدة ومتنافرة، وإن الديمقراطية إحدى أركان الحضارة الحديثة وليست كلها. وإن الهنود
المسلمين ما دخلوا الإسلام إلا لأنه دين مساواة وطهارة، وقد دخل نصف الشعب الهندي الإسلام، فالباكستانيون والبنغال هم هنود.
النخبة العربية وما تزال تكثر من نشيد فاسد، هو أن الهند أكبر ديمقراطية في العالم، وتنسى أنها أظلم ديمقراطية في العالم. فهي وإن كانت دولة نووية وفيها أمهر المبرمجين، لكنها متخلفة اجتماعيا واقتصاديا، فهندوسيتها تمنع الديمقراطية
والهندي غير المسلم مظلوم ظلما شديدا، إنه مظلوم أكثر من المسلم المضطهد، والهندوسي محروم من أكل اللحوم والذي يتسبب حرمانه بأمراض، ونقص في البناء العضوي. لكن كيف سمح الغرب للهند بالبقرة الديمقراطية وحرم منها العرب؟ والجواب أنهم غشوهم بثور ديمقراطي بدلا من بقرة ديمقراطية، فما أن يظفر هندوس ناريندرا مودي الديمقراطيون بمسلم عابر حتى يقتصوا منهم بتهمة أكل لحم الإله الذي هرب من أعدائه فاختبأ في إهاب بقرة. وإن لطفوا بالمسلم طالبوه مثل جنود الأسد بكلمة العبودية لا إله إلا بشار الأسد، ويطلبون منهم قول: رام أكبر.
للهنود من البقرة الديمقراطية لبن التقديس وروث البركة، ولنا منها القرون.
الهندي ينتخب في أكبر ديمقراطية ويصوّت في الصناديق، ويختار الثيران، فمن يقدس البقرة يختار الثيران إلا من رحم ربك، صوت الهندي ليس سوى صوت في عدّاد الأصوات، فللهندي ميل شديد لعبادة الأقوياء والوسيمين، وعبادة الجمال تصرف عن تقديس الحق.
يقول خبراء في الشأن الهندي إن البرلمان الهندي سيخلو من المسلمين، لكنه بزعم الخبراء لن يجعل المنتخبين يتجاوزون الدستور العلماني، وينسون قاعدة: إن القوة هي الدستور، والقوة تعمي البصر.
سمح رعاة البقرة الديمقراطية بتصديرها للهند بعد أن قُسمت، لأنها بقرة لن تضر بمصالح الغرب، ولن ينافس لبنها لبن البقرة الغربية، لكنهم بخلوا بها على العرب، إلا العراق الذي أكرموه بالديمقراطية بعد أن قسموه مثل الهند
الذكور والإناث مظلومون في الهند، والكبار والصغار، والإناث في الهند واقعات تحت ظلم شديد، فملايين النساء محرومات، ليس من حق التعلم فحسب، وإنما من حق قضاء الحاجة، حتى أن ذلك يظهر عرضا في أفلامها، وهي أفلام ترفيه وتغريب وتخدير، بل إن مشهد المرحاض أحد مشاهد فيلم المليونير المتشرد، وهو مشهد طريف وبرهان، فصورة النجم الهندي أهم عند الطفل من النظافة، يخرج الطفل من حفرة القذارة حريصا على صورة النجم الهندي ويبيعها بدراهم معدودة!
وقد سمح رعاة البقرة الديمقراطية بتصديرها للهند بعد أن قُسمت، لأنها بقرة لن تضر بمصالح الغرب، ولن ينافس لبنها لبن البقرة الغربية، لكنهم بخلوا بها على العرب، إلا العراق الذي أكرموه بالديمقراطية بعد أن قسموه مثل الهند. وكانوا غزوا العراق بشبهة الأسلحة الكيماوية، وولَّوا أمر البقرة الديمقراطية شيعة إيران، هكذا قال "الفاتح" الكبير بول بريمر حاكم العراق إبان الغزو: لقد حكم السنّة ألف سنة وحان دور الشيعة!
لقد سمحوا للهندوس والشيعة بولاية البقرة الديمقراطية ورعايتها، وملّكوهم زمامها، لأنَّ نصيب المسلمين منها سيكون القرون.
تثبت الوقائع وفلتات اللسان الأمريكية والغربية أنهم لن يسمحوا للعرب بالديمقراطية، مثال ذلك ما جرى لانتخابات فلسطين التي انتخبت حماس، ومصر التي انتخبت الإخوان.
الحزب الهندي الحاكم حزب عنصري، ويخفف اللفظ إلى شعبوي في الأدبيات الصحافية، فنرى في صور الأخبار كيف تقوم الشرطة بتعذيب قادة المتظاهرين أو بقتلهم في الشوارع، أو تدمير بيوتهم كما تفعل الديمقراطية الإسرائيلية
وواقع الحال أنّ حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم يغذي العصبية الهندية، ويتغذى منها، فالعصبية شجرة سامة سريعة الثمار، بل إنّ الأمر أشد من حرمان العرب من لبن الديمقراطية، ويتعداه إلى جعل الشعوب المغلوبة بضاعة انتخابية وقربانا للصعود في مدارج الحكم، كما تفعل أمريكا بغزو العراق وأفغانستان وسواها، وكما تفعل إسرائيل كل سنتين، وكما تفعل الهند هذه الأيام. فالحزب الهندي الحاكم حزب عنصري، ويخفف اللفظ إلى شعبوي في الأدبيات الصحافية، فنرى في صور الأخبار كيف تقوم الشرطة بتعذيب قادة المتظاهرين أو بقتلهم في الشوارع، أو تدمير بيوتهم كما تفعل الديمقراطية الإسرائيلية.
وقد نظم بايدن مؤتمرا ديمقراطيا قبل فترة، فلم يدع من العرب سوى صنائعهم من العراقيين الذين أورثوهم الحكم إبان الغزو. وتتباهى إسرائيل بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأننا شعوب استبدادية، فهي تجري انتخابات دورية قبل موعدها بسنتين، وأحزابها تتنافس على أصوات شعبها بدماء الفلسطينيين، وأرضهم.
وتحظى دول ديكتاتورية استبدادية بصداقة أمريكا، على سوء
حقوق الإنسان فيها، فالمرء يعتقل بتغريدة في الدول الحليفة لأمريكا وإسرائيل.
بقرة الديمقراطية الغربية مفترسة ولها أنياب، والشعوب المستضعفة لها علف. ونحن بين أمرين: إما قرابين لبقرة الديمقراطية وإما نطح بقرون ثيران الاستبداد.