تثار تساؤلات حول خسائر مصر والسودان، والأضرار المائية والاقتصادية والسياسية، من تنفيذ أديس أبابا توجهاتها الأحادية ودون اتفاق مع دولتي المصب، بعد تأكيد خبراء في المياه والسدود أن إثيوبيا بدأت التخزين الثالث لبحيرة سد النهضة، استنادا إلى آخر صور للأقمار الصناعية.
وأكد أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا في جامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، أن إثيوبيا بدأت 11 تموز/ يوليو الجاري، الملء الثالث، مشيرا إلى الأضرار الكبيرة التي تلحق بمصر والسودان نتيجة قرار إثيوبيا الملء الثالث دون اتفاق مع دولتي المصب.
ووسط صمت مصري مطبق، وتراجع في التنسيق بين القاهرة والخرطوم، تثار المخاوف الشعبية من تبعات الملء الثالث، ومواصلة إثيوبيا إجراءاتها دون اتفاق مع دولتي المصب، والتي تهدد حياة أكثر من 140 مليون نسمة، وتقتطع من حصتي مصر والسودان التاريخية من المياه (55 و18 مليار متر مكعب).
ومع قرار إثيوبيا ملء بحيرة سد النهضة منفردة في تموز/ يوليو 2020، وتنفيذ الملء الثاني في ذات الشهر لعام 2021، بل وتشغيل التوربين رقم 10 لتوليد الكهرباء في 20 شباط/ فبراير 2022، تباينت ردود فعل النظام المصري بين الإعلان عن أن مياه النيل خط أحمر، وبين عدم اتخاذ أي خطوات عملية لوقف انفراد إثيوبيا بالقرار.
اقرأ أيضا: وزير سابق: مصر على وشك التحطم.. وهذا ما يجب فعله
وفي مقابل التعنت الإثيوبي، لجأت القاهرة إلى حلول لتقليل مخاطر السد الإثيوبي، وذلك عبر مشروعات تحلية مياه البحر، وإعادة تدوير مياه الصرف الزراعي والصحي، ومشروع تبطين الترع، وغيرها من التوجهات التي تكلف الدولة مليارات الجنيهات.
"ملامح الأزمة"
وعلى مدار أكثر من عقد، تبني إثيوبيا سدا على حوض النيل الأزرق، أهم روافد مياه نهر النيل الموسمية، وذلك بقرار منفرد يخالف الاتفاقيات الدولية بين دول حوض النيل، فيما لم تفلح أي مفاوضات ثلاثية وبمشاركات دولية (أفريقية وأوروبية وأمريكية)، ولقاءات قادة على أعلى مستوى، في وقف الجموح الإثيوبي.
وتتمثل الأزمة الآن، بعد أن أصبح السد واقعا، في رفض إثيوبيا توقيع اتفاق ملزم لها يعطي مصر والسودان حقهما في الحفاظ على الأمن المائي، والمشاركة في إدارة السد، ووضع خروج المياه وقت ضعف الفيضان، وكذلك عدد سنوات الملء، بما لا يؤثر على حصتي القاهرة والخرطوم، اللتين تعتمدان بشكل كلي على مياه النيل في الزراعة والصناعة وحاجة شعبيهما من المياه.
وتتذرع أديس أبابا بتوقيع رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، إلى جانب الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير، اتفاقية مبادئ حوض النيل آذار/ مارس 2015 مع رئيس الوزراء الإثيوبي السابق مليس زيناوي، والتي أتمت بمقتضاها أعمال السد، ومنحتها حق الاقتراض من مؤسسات ودول لتمويل البناء.
ومع تأزم موقف التفاوض بين الأطراف الثلاثة، ورفض إثيوبيا التوقيع على اتفاقية برعاية أمريكية شباط/ فبراير 2020، ورغم وعود سعودية وإماراتية بالتدخل لدى إثيوبيا، إلى جانب تراخي المواقف المصرية والسودانية، تسير إثيوبيا خطوات بعد خطوات في إنهاء السد، ما يثير التساؤلات حول ما قد يلحق بالقاهرة والخرطوم من خسائر وأضرار.
"فقدان المكانة"
وفي تقديره لخسائر لمصر والسودان كنتيجة للملء الأحادي للعام الثالث على التوالي لسد النهضة، تحدث الخبير المصري في الشؤون الأفريقية، الدكتور مصطفى الجمال، عن خسائر سياسية واستراتيجية وفقدان للمكانة الدولية للقاهرة والخرطوم.
عضو مجلس إدارة مركز البحوث العربي والأفريقي، قال لـ"عربي21"، إن "الخسارة الأساسية لمصر هي أن تفقد وزنها الاستراتيجي"، مضيفا: "وأصبح لدى إثيوبيا ورقة ضغط شديدة جدا على الحكومة والدولة المصرية".
وعن خسائر السودان في هذا الإطار، يعتقد الجمال أن "الأمر يسرهم (مبسوطين)، ويظنون أن السد سيحميهم من أزمات الفيضانات كل عام"، موضحا أن الأشقاء في الخرطوم "لم يدركوا بعد أنه أصبح بيد إثيوبيا ورقة ضغط شديدة عليهم إذا لم يراعو مطامح السياسة الإثيوبية".
وخلص الخبير المصري للتأكيد على أن الملء الثالث وما يتبعه من خسائر سياسية واستراتيجية لدولتي المصب "ستتبعه نتائج، منها تشجيع دول أخرى في حوض النيل على التآمر على حصة مصر والسودان المائية".
"عواقب جمة"
وفي رؤيته، قال الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية، عباس محمد صالح، لـ"عربي21": "إن نقص كميات المياه الواردة لدولتي المصب سيكون أول الآثار المتوقعة للسد في المدى المنظور".
وأضاف: "وبالتالي ستصبح التداعيات أكثر وضوحا خلال السنوات القليلة المقبلة، وقطعا أي نقص في المياه والقدرة على ضمان الأمن الغذائي خلال المراحل المقبلة، ستترتب عليه عواقب سياسية واجتماعية واقتصادية جمة".
وعن كيفية استغلال هذه الأضرار في جذب الدعم الدولي لمصر والسودان في هذا الملف، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي أن "الوقت قد فات على دولتي المصب لاستخدام الآليات الدبلوماسية الدولية، أو العمل على تعبئتها حاليا".
اقرأ أيضا: خبير مائي: إثيوبيا بدأت بالملء الثالث لسد النهضة (صور)
وأوضح أن "اهتمام المجتمع الدولي يتركز حاليا على تعزيز الاستقرار الدولي بعد اندلاع النزاع في أوكرانيا، ومن ثم تركيز الغرب على احتواء روسيا، ليتراجع الاهتمام ببقية الأزمات الأخرى في أجندة السياسة الدولية والإقليمية، ومنها سد النهضة".
ويعتقد صالح أن "المجتمع الدولي لن يهتم أو يعبأ بهذه الأضرار، وهذا ما قصدته بأن دولتي المصب ليس في مقدورهما تعبئة دعم دولي في هذا الصدد".
"خسائر بالجملة"
وعن كيفية استغلال أضرار التخزين الثالث لسد النهضة على مصر والسودان لإثارة الملف دوليا وحشد الدعم العالمي للقاهرة والخرطوم، أكد الدكتور عباس شراقي، لـ"عربي21"، أن كل ما يكتبه عن الإثيوبي يصل المسؤولين في مصر، ملمحا لإمكانية استخدامه للضغط على إثيوبيا.
وأشار إلى ما كتبه عبر صفحته بـ"فيسبوك"، في هذ الإطار، وحديثه عن وجود أضرار مائية واقتصادية، تتمثل بخسارة مصر لمياه التخزين هذه، التي لو استغلت بالزراعة لجاءت بعائد قدره مليار دولار لكل مليار متر مكعب.
ولفت كذلك إلى خسارة مصر من تحديد مساحة الأرز بـ1.1 مليون فدان، والتكاليف الباهظة بعشرات المليارات من الجنيهات لإنشاء محطات معالجة المياه، وتبطين الترع، وتطوير الري الحقلي، والتوسع في الصوب الزراعية، وغيرها.
وألمح إلى أن خسارة السودان تتمثل في ارتباك تشغيل السدود، ومستقبلا قلة الإنتاج الزراعي نتيجة حجز الطمي بسد النهضة، وارتفاع منسوب المياه الجوفية، وزيادة التكلفة الإنتاجية للمحاصيل الزراعية للتوسع باستخدام الأسمدة.
وعن الأضرار السياسية، أكد شراقي أنها تتمثل في استمرار إثيوبيا فرض سياسة الأمر الواقع باتخاذ قرارات أحادية، وخرقها للمرة الرابعة للاتفاقيات الموقعة مع مصر أعوام (1891، 1902، 1906، 1925، 1993) والأعراف الدولية، وإعلان مبادئ سد النهضة 2015.
وأضاف أن "الطريقة الإثيوبية قد تشجع دول منابع النيل الأخرى في اتباع نفس الأسلوب عند إنشاء سدود على روافد نهر النيل، إلى جانب حرج المسؤولين في مصر والسودان أمام شعبيهما".
هل تصمت القاهرة على حرق الاحتلال 20 جنديا مصريا عام 67
معاناة العائدين لغزة عبر مصر لا تنتهي.. تسهيلات غير حقيقية
مصدر لـ"عربي21": تأجيل انطلاق "الحوار الوطني" بمصر