يصل الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، الأحد، إلى فرنسا، ليبدأ الاثنين زيارة رسمية تستغرق يومين، لبحث أهم الملفات العربية والإقليمية وآفاق التعاون والعمل المشترك في مختلف الجوانب، فيما تسيطر مسألة الطاقة على الزيارة.
وستكون هذه أول زيارة دولة لابن زايد إلى أوروبا منذ توليه رئاسة الإمارات منتصف شهر أيار/ مايو الماضي، بعد وفاة أخيه غير الشقيق خليفة بن زايد آل نهيان.
وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إن ابن زايد كان يتصرف مثل الزعيم غير الرسمي لاتحاد الإمارات السبع الخليجية منذ عام 2014، عندما أصيب سلفه بجلطة دماغية، واضطر إلى الانسحاب من السلطة.
وفي تعليق، يشير فرانسوا توازي، الدبلوماسي السابق والمؤسس المشارك لمركز أبحاث كابمينا المتخصص في دول الخليج، إلى أن "اختيار محمد بن زايد لفرنسا في أول رحلة له إلى الخارج كرئيس يعطي هذه الرحلة بُعدًا رمزيًا كبيرًا، وهذا يشهد على قوة الشراكة الفرنسية الإماراتية، والتواطؤ الذي نشأ بينه وبين إيمانويل ماكرون".
وسيستقبل وزير الاقتصاد برونو لو مير يوم الأحد محمد بن زايد عند نزوله من الطائرة. وسيلتقي صباح الاثنين بوزير القوات المسلحة، سيباستيان ليكورنو، قبل لقاء وجهاً لوجه مع رئيس فرنسا ماكرون، في الإليزيه.
كما سيلتقي ابن زايد وماكرون مرة أخرى في المساء لتناول عشاء رسمي في جراند تريانون، في أراضي قصر فرساي. سيحضر حوالي مئة ضيف ومسؤولون وشخصيات من عالم الأعمال والثقافة والعلوم.
وسيغادر الزعيم الإماراتي باريس في اليوم التالي، رفقة رئيسة الدبلوماسية كاثرين كولونا إلى المطار، دون أن يلتقي برئيسة الوزراء إليزابيث بورن.
وقالت صحيفة "لوموند" إن الزيارة ستتجاهل ملف انتهاكات حقوق الإنسان في دولة الإمارات؛ من أجل أن تحصل فرنسا على صفقة نفط في ظل الأزمة العالمية بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، واصفة ابن زايد بـ"شريك فرنسا الضال والمثير للجدل".
واعتبرت أن اللقاء سيكون تكرارا لمأدبة غداء أيلول/ سبتمبر 2021 بين إيمانويل ماكرون ومحمد بن زايد في شاتو دو فونتينبلو. كما تتماشى الرحلة أيضًا مع تلك التي قام بها رئيس الدولة الفرنسي في دبي، في كانون الأول/ ديسمبر 2021. في ذلك الوقت، تم الإعلان عن بيع 80 طائرة من طراز رافال إلى الإمارات، بمبلغ يزيد على خمسة عشر مليار يورو.
وبحسب الصحيفة، اشتدت التبادلات بين باريس وأبو ظبي، التي بدأت في السبعينيات، عندما جعلها موقف فرنسا المتوازن نسبيًا من القضية الإسرائيلية الفلسطينية جذابة في نظر ملوك الخليج، في ظل رئاسة جاك شيراك، المعجب بالشيخ زايد الرئيس المؤسس لدولة الإمارات.
لكن في ظل الولاية الأولى لإيمانويل ماكرون، اتخذت هذه الشراكة بُعدًا لم يسبق له مثيل من قبل، حيث لم تصبح الإمارات عميلًا رائدًا للصناعة العسكرية الفرنسية فحسب، بل أصبحت أيضًا ركيزة عملها في العالم العربي الإسلامي.
وبحسب الصحيفة، وصلت الشراكة أحيانا إلى حد ارتكاب نفس الأخطاء، كما حدث عندما دعمت باريس خليفة حفتر في ليبيا، الذي قاد في 2019-2020 هجومًا كارثيًا ضد حكومة طرابلس المعترف بها دوليًا.
ويكرّس هذا الموقف الصمت التام من باريس على انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام الاستبدادي في أبو ظبي، داخليًا وفي عملياته العسكرية في الخارج، بحسب "لوموند".
في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، شكك الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، في تقرير، في مبيعات الأسلحة الفرنسية للإمارات، والتي يشتبه في أن بعضها استخدم في اليمن، ضمن التحالف المناهض للحوثيين بقيادة السعودية.
قال أنطوان مادلين من الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان: "أردنا أن نظهر مدى قرب العلاقات بين البلدين، إلى درجة أنهما تتحايلان على اللوائح الدولية المتعلقة بتجارة الأسلحة".
قبل يومين من وصول محمد بن زايد إلى باريس، نشرت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان رسالة مفتوحة للفت الانتباه إلى مصير المعارضين الإماراتيين المسجونين، بمن فيهم المعارض أحمد منصور، الموضوع في الحبس الانفرادي منذ عام 2017.
في المقابل، من المنتظر أن يتم الإعلان، الاثنين، عن اتفاق ثنائي يجري الانتهاء منه لتوريد الديزل من الإمارات إلى فرنسا. وفي الوقت نفسه، سيوقع البلدان اتفاقية إطارية بشأن شراكة طاقة استراتيجية، والتي ستتضمن مكونًا للطاقة، وآخر حول الطاقات المتجددة.
كما ينبغي عقد مجلس أعمال فرنسي إماراتي، برئاسة الرئيس التنفيذي لشركة توتال باتريك بوياني، وسلطان الجابر، رئيس شركة النفط الإماراتية أدنوك.
وسيتم التوقيع على اتفاقيات مختلفة في قطاعات الطاقة والنقل ومعالجة النفايات، كما سيتم وضع "شراكة طاقة إستراتيجية عالمية"، من أجل تحديد المشاريع الاستثمارية المشتركة في مجال الطاقة النووية أو احتجاز الكربون.
وفي تعليق على زيارة ابن زايد إلى باريس، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن مشاريع الطاقة الفرنسية لا تبرر تجاهل انتهاكات الإمارات فيما يخص حقوق الإنسان.
ورجحت المنظمة أن يعزز بحث إيمانويل ماكرون عن مصادر بديلة للإمداد العلاقات الوثيقة بالفعل بين فرنسا والإمارات، في سياق ارتفاع أسعار الطاقة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، بينما بذلت أبوظبي جهودًا كبيرة لتصوير نفسها على أنها تحترم الحقوق، فإن الواقع يبدو أكثر كآبة.
وقالت المنظمة في بيان: "في الإمارات، يتم القبض على النشطاء والمحامين والمدرسين والطلاب والأشخاص الذين يعتبرون منتقدين ومحاكمتهم واحتجازهم، ويتعرض العاملون في المنازل لانتهاكات خطيرة بموجب نظام الكفالة".
وأضافت: "لسنوات، قامت الإمارات بشكل منهجي بتكميم الأصوات المعارضة. بينما تروج حكومة الإمارات ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة للإصلاحات القانونية الأخيرة كخطوة إلى الأمام، تعزز القوانين الجديدة القمع الحكومي، وتحافظ على الأحكام الحالية، وتضيف أحكامًا جديدة تهدد بشكل خطير حرية التعبير وتكوين الجمعيات والاجتماع".
واعتبرت أن الإمارات لعبت الإمارات دورًا رائدًا في بعض النزاعات في الخارج، حيث كانت قواتها ومن تدعمهم من مسؤولين عن انتهاكات جسيمة في اليمن، حيث شاب العمليات العسكرية للتحالف بقيادة السعودية والإمارات أعمال وحشية، وألحقت أضرارًا جسيمة بالمدنيين.
وفي ليبيا، قتلت القوات الإماراتية مدنيين في ضربات جوية وطائرات من دون طيار غير مشروعة، وزودت القوات المحلية المسيئة بالأسلحة والذخيرة. على الرغم من ذلك، وفي كانون الأول/ ديسمبر 2021، سمحت فرنسا ببيع 80 طائرة مقاتلة من طراز رافال إلى الإمارات.
اقرأ أيضا: تذمّر وغضب شعبي نادر بالإمارات.. 3 أزمات كسرت حاجز الصمت
ودعت المنظمة ماكرون إلى الدفاع عن الحقوق التي تدعي فرنسا حمايتها، وإلى المطالبة بالإفراج عن النشطاء السلميين -بمن فيهم المدافع عن حقوق الإنسان المعتقل ظلماً أحمد منصور- وإلغاء نظام الكفالة، وإصلاح قانون العقوبات الجديد وقانون الجرائم الإلكترونية، يما يتماشى مع المعايير الدولية.
كما قالت إنه يجب على إيمانويل ماكرون أيضًا الضغط من أجل إجراء تحقيقات مستقلة في جرائم الحرب في ليبيا واليمن، وتعويض الضحايا المدنيين للانتهاكات الإماراتية.
واعتبرت المنظمة أن القضاء على هذه الانتهاكات الجسيمة لن يؤدي إلا إلى تشجيع سياسات الإمارات التعسفية في الداخل والخارج.
ماكرون يدعو وزراءه إلى الصمود بعد تراجعه في البرلمان
انتخاب مهاجرة يهودية لرئاسة برلمان فرنسا.. "صعود مفاجئ"
خيارات ماكرون بعد خسارته لأغلبية البرلمان.. "انتكاسة كبيرة"