قضايا وآراء

الاستبشار.. سنّة نبوية وضرورةٌ حياتية

1300x600
بعض أصدقائنا من شركاء الثورة المصرية ورفقاء الدرب إذا جلست إلى أحدهم حمَّلك بطاقة سلبية رهيبة، فهو لا يملُ الحديثَ عن السلبيات والإخفاقات وعمن لم يكونوا أهلا للمسؤوليات.

في كل مرة كنت أجلس معهم أشعر أن جوا من اليأس والقنوط قد عمّ المكان وامتلأت جوانبه بغيوم الكآبة.

صحيح أن النقد لتجاربنا ضروري ومهم جدا حتى نقف على الإيجابيات فننميها، ونقف على السلبيات ونحاول تجنبها في المستقبل، لكن المذموم أن نعيش أسرى داخل قوقعة تجربة فاشلة أو إخفاق مررنا به، والأشد قبحا أن نتحول إلى ماكينة متحركة لنشر القنوط والكآبة في كل من نجلس إليهم.

مثل هذه النماذج المصدرة للطاقة السلبية تصبح خطرا على الصف، لأنها تهده من الداخل من حيث لا يدرون، وتؤدي خدمة جليلة لأعدائنا وهم غافلون.

ليس مشكلة أن نخسر جولة أو أن ننهزم في معركة طالما عندنا العزم والإرادة على مواصلة الإعداد للجولة القادمة، لكن المشكلة الحقيقية تكمن فيمن لحقته هزيمة داخلية هدته من داخله وأكلت قواه وأوهنت عزيمته؛ فهو لا يستطيع أن يقاوم وليس عنده رغبة في تكرار محاولة المقاومة، فالهزيمة النفسية أكبر أنواع الهزائم وأشرها على الإطلاق.

وقد علمتنا التجارب التاريخية أن الخور النفسي يهزم أقوى الجيوش العسكرية وأعظمها عدة وأكثرها عتادا.

وحتى الجيل القرآني الفريد الذي تربى في أعظم الجامعات؛ رأينا أن بعضهم قد ألقى بالسيف من يده في إحدى الغزوات عندما أُشيع أن النبي قد قتل !!

وفي الأمور الحياتية فإن الدافع الذي يحمل الفرد على تحمّل مشاق الحياة وصعوبات العمل هو الأمل الذي يغمر قلبه واستبشاره بأنَّ الغد يحمل له مستقبلا مشرقا، أما إذا غلبه اليأس وعلته الكآبة وضاع منه الأمل في مستقبل أفضل، فإنه يفقد الرغبة في العمل ويفقد القدرة على تحمل صعوبات الحياة، ومع الوقت يتحول إلى شبحِ إنسان بائس يعيش بلا طموح وبلا أمل وبلا هدف.

ولقد كان منهج النبي عليه الصلاة والسلام يقوم علي بث روح الطمأنينة ونشر التفاؤل والاستبشار بين أصحابه حتي في أصعب المواقف وأشدها قساوة، وليس أدل على ذلك من يوم الخندق، حيث الفارق الكبير بين معسكر النبي عليه الصلاة والسلام وصحبه الكرام ومعسكر عدوهم الذي يفوقهم بأضعاف في العدد والعدة، حتى أنهم لا يستطيعون أن يبرزوا لعدوهم فقاموا بحفر الخندق، ورغم ما يعانونه من شدة جوع وشدة خوف يبشرهم النبي الكريم ليس بهزيمة قريش وحدها، وإنما بفتح بلاد كسرى وقيصر، الدولتين العظميين في ذلك الزمان.

الفارق شاسع والبون عظيم بين منهج النبي عليه الصلاة والسلام، وسلوك بعض رفقاء الثورة الذين تحولوا إلى ماكينات متحركة لنشر القنوط واليأس بين الصفوف. نحن نوقن بوعد ربنا وبشري نبينا بالنصر والتمكين والسيادة في الأرض، ونراها حقا آتيا لا ريب فيه.