بالرغم
من أن دعوة
الحوار الوطني التي أطلقها رأس النظام
المصري عبد الفتاح السيسي أواخر نيسان/
أبريل الماضي ولدت ميتة؛ لاقتصارها على فئة محدودة من أنصار النظام، ولاستبعاد
القضايا المهمة من النقاش، إلا أن مجرد إطلاق الدعوة -وعلى عكس ما أراد مطلقها-
حركت الكثير من المياه الراكدة في بحيرة السياسة المصرية، وأصبح الأمر كمن حضر
عفريتا ولا يستطيع صرفه.
من
مظاهر ذلك الحراك اجتماعات وبيانات لأحزاب وقوى وسياسية في الداخل كانت في حالة
تجميد طيلة السنوات الماضية، حتى انصرف عنها غالبية أعضائها، ونسيها عموم الشعب.
لقد استعادت مقرات تلك الأحزاب بعض حيويتها، وشهدت العديد منها لقاءات تنسيقية
لتحديد الموقف من ذلك الحوار. وقد أصدرت بعض الأحزاب المنضوية تحت مظلة الحركة
المدنية الديمقراطية بيانا يوم 8 أيار/ مايو الماضي متضمنا شروطها للمشاركة في
الحوار، وهي الشروط أو المطالب التي ظلت تؤكد عليها بين الحين والآخر حتى الآن.
كما
جرت الانتخابات الداخلية لحزب الدستور (أسسه محمد البرادعي عام 2012) وفازت برئاسة
الحزب السيدة جميلة إسماعيل وقائمتها، في مواجهة الصحفي خالد داوود، وبدا التصويت
في جانب منه تصويتا على الموقف من الحوار الوطني نفسه، والأمر هنا ليس بين رافض أو
مؤيد للمشاركة، ولكن بين
فريق متماه مع النظام، جعل نفسه بوقا له يكرر رؤيته
واستثناءاته من الحوار، يقوده الصحفي خالد داوود، وفريق آخر لديه تحفظات على
الحوار تقوده الإعلامية جميلة إسماعيل، وهو أقرب لروح بيان الحركة المدنية الصادر
في 8 أيار/ مايو، وقد انتصر ناخبو الحزب لهذا الفريق الأخير.
اجتماعات وبيانات لأحزاب وقوى وسياسية في الداخل كانت في حالة تجميد طيلة السنوات الماضية، حتى انصرف عنها غالبية أعضائها، ونسيها عموم الشعب. لقد استعادت مقرات تلك الأحزاب بعض حيويتها، وشهدت العديد منها لقاءات تنسيقية لتحديد الموقف من ذلك الحوار
كما
أن حزب الكرامة أبرز الأحزاب الناصرية شهد أزمة داخلية على خلفية التعامل مع
تطورات الحوار الوطني، وتسببت تلك الأزمة في إعلان رئيس الحزب، النائب البرلماني
السابق أحمد طنطاوي، استقالته (لا تزال تحت الدراسة من مؤسسات الحزب).
وعبرت
بعض
القوى السياسية في الداخل عن ضجرها من رفض السلطات المصرية الوفاء بتعهداتها
لتلك القوى بالإفراج عن قوائم كبرى من المعتقلين السياسيين، والاكتفاء بإطلاق سراح
أعداد محدودة جدا (عشرات الحالات من بين 60 ألف معتقل)، وألمحت بعض الأحزاب لاحتمال
انسحابها من الحوار الذي ولد ميتا، وأكد موته منسقه العام ضياء رشوان
بتصريحاته
الأخيرة حول عدم شموله لتعديل الدستور أو تغيير الوزارة أو حل البرلمان أو
الانتخابات المبكرة.. إلخ..
لم
تقتصر تأثيرات دعوة الحوار على الداخل بل انتقلت إلى الخارج، حيث وجه عدد من قادة
القوى
المعارضة المصرية المقيمين في الخارج يوم أمس السبت (23 تموز/ يوليو) دعوة
لحوار شعبي عبر ثلاثة مسارات: سياسي، واقتصادي، واجتماعي، وتحدد يوم السابع من آب/
أغسطس لانطلاق فعاليات المحور السياسي للحوار، على أن يتبعه المحوران الآخران في
الأسبوعين التاليين.
ما
يميز هذا الحوار هو شموله لكل من يريد المشاركة من كل القوى والتيارات السياسية
والمجتمعية حسب المسئولين عنه، وكذا شموله لكل الموضوعات التي يريد المتحاورون
مناقشتها، على عكس الوضع بالنسبة للحوار الذي دعا له السيسي والذي
استثنى فئات
كثيرة، كما استثنى الموضوعات الحساسة. كما أن هذا الحوار يتمتع بميزة الحرية
الواسعة خارج مصر وهو ما يفتقده حوار الداخل، لكن مشكلته الأساسية في تفرق
المشاركين عبر الأمصار، وإن كان للتكنولوجيا دور في تذليل هذه العقبة.
دعوة
الحوار الشعبي أطلقها معارضون ينتمون لخلفيات سياسية متنوعة، ليبرالية ويسارية
وإسلامية ومستقلة، ومن أبرزهم الدكتور أيمن نور، المرشح الرئاسي السابق ورئيس
اتحاد القوى الوطنية المصرية، والدكتور ممدوح حمزة، الخبير الاستشاري والمعارض اليساري
البارز، والدكتور محمود وهبة، رجل الأعمال ومؤسس مجموعة تكنوقراط مصر، وغيرهم.
معيار نجاح هذه الحوارات هو قدرتها على جمع خبراء وساسة ونشطاء مصريين في الخارج (وربما الداخل) لم يجتمعوا في عمل مشترك من قبل؛ بسبب خلافاتهم الأيديولوجية العميقة، وبقايا الاستقطاب السياسي بعد ثورة يناير، ومن ثم قدرة هؤلاء المعارضين على الحوار، وتقديم سياسات بديلة للسياسات الحالية، وبالمحصلة تقديم بديل مدني ديمقراطي مقنع للشعب المصري وللعالم
وستناقش
جلسات تلك الحوارات العديد من القضايا المهمة حسب الإعلان الرسمي، منها الإصلاح
السياسي والدستوري والقضائي والحقوقي، والعدالة الانتقالية، بما فيها أوضاع
السجناء السياسيين والمهجرين، والمدرجين على قوائم الإرهاب بما يشمله ذلك من
مصادرة الأموال والممتلكات، وحرية الإعلام والتعبير، والتظاهر، ومواجهة الإرهاب،
واستعادة المسار الديمقراطي، وأزمة الديون الداخلية والخارجية، والمشروعات
الاستعراضية، ومواجهة الفساد، وضمانات حسن توزيع الثروة، ووضع الاقتصاد العسكري،
وأزمة المياه وقضية سد النهضة، والتنازل عن الأراضي والثروات المصرية، وأوضاع
الصحة والإسكان والمرافق، والطاقة والنقل والزراعة والصناعة، والتعليم والبحث
العلمي، ومشاكل الشباب والمرأة.
ليس
متوقعا من الحوار الشعبي الذي أطلقه قادة معارضون في الخارج أن يقدم حلولا متكاملة
للمشاكل والأزمات المصرية، بسبب غياب الكثير من المعلومات التي تحتكرها السلطة
وتعدها أسرارا عليا، ولكن معيار نجاح هذه الحوارات هو قدرتها على جمع خبراء وساسة ونشطاء
مصريين في الخارج (وربما الداخل) لم يجتمعوا في عمل مشترك من قبل؛ بسبب خلافاتهم
الأيديولوجية العميقة، وبقايا الاستقطاب السياسي بعد ثورة يناير، ومن ثم قدرة
هؤلاء المعارضين على الحوار، وتقديم سياسات بديلة للسياسات الحالية، وبالمحصلة تقديم
بديل مدني ديمقراطي مقنع للشعب المصري وللعالم.
وكما
أن الحوار الوطني في الداخل هو جولة أولى سيلحقها جولات أخرى لم يخطط لها النظام
ولكنه سيضطر إليها، فإن الحوار الشعبي الذي أطلقه قادة معارضون سيكون جولة أولى تعقبها
جولات أخرى أكثر تطورا وأكثر فائدة.
twitter.com/kotbelaraby