قالت
صحيفة "نيويورك تايمز" إن الدستور الذي صوت عليه التونسيون أمس سيوسع من
سلطات الرئيس قيس سعيد الذي قام خلال العام الماضي بتهميش فروع الحكم، والحكم منفردا.
وسيكرس
الدستور، وفق تقرير للصحيفة ترجمته "عربي21"، حال تمريره، الخطوات التي اتخذها
الرئيس في العام الماضي وتحويلها إلى قانون، وسيتحول إلى منبع السلطة في البلاد ويشكل
الحكومات ويعين القضاة ويقدم مشاريع قوانين.
ويرى
النقاد لخطوات الرئيس أن تغيرات كهذه تعني نهاية النظام الديمقراطي التونسي الذي أنشئ
بعد الإطاحة بالديكتاتورية قبل عقد، عندما أشعل التونسيون في بلدة صغيرة انتفاضات
في كل أنحاء الشرق الأوسط. وسيعيد الدستور الجديد تونس إلى النظام الرئاسي، بنفس الطريقة
التي حكم فيها الديكتاتور زين العابدين بن علي البلاد، الحاكم المستبد الذي أطاحت به
ثورة الربيع العربي عام 2011.
وبرر
سعيّد التغيرات بأنها ضرورية لمكافحة الفساد وإنهاء الشلل في النظام السياسي.
وحثت
الأحزاب السياسية أنصارها على مقاطعة الاستفتاء.
وقالت
الصحيفة إن تونس هي الدولة الوحيدة من دول الربيع العربي التي نجحت في بناء ديمقراطية
وإن كانت هشة وعاجزة. واستطاعت تنظيم ثلاثة انتخابات حرة ونزيهة وصادقت على دستور شامل
حظي بالإعجاب، وأنشأت مؤسسات مستقلة لحماية حرية التعبير والصحافة. إلا أن تونس فشلت
بعد الثورة بتوسيع الفرص الاقتصادية والقضاء على الفساد.
وترى
الصحيفة أن مرحلة ما بعد الثورة انتهت على ما يبدو، فقد قسم دستور عام 2014 السلطات
بين البرلمان ورئيس الوزراء والرئيس، وذلك منعا لظهور الديكتاتورية.
وفي
الوقت الذي أبقى فيه الدستور الجديد على معظم الدستور السابق وبنود الحريات والحقوق،
فإنه منح البرلمان موقعا ثانويا، وأعطى الرئيس وحده حق تعيين رئيس الوزراء والحكومة
والقضاة، ولم يعد للبرلمان قوة لسحب الثقة من الرئيس. ويحق له أن يعلن عن حالة الطوارئ
بدون تحديد المدة أو المراقبة، ولا يوجد بند ينص على إزاحته عن السلطة.
وتقول
الصحيفة إن انتصار سعيّد لن يكون مفاجئا لأن نقاده يشيرون إلى سيطرته على هيئة الانتخابات
المستقلة سابقا واللجنة التي صاغت الدستور، ولأن المشاركة في الاستفتاء ليست محددة بنسب.
وقال
كل من عارضوا الدستور الجديد إن كل العملية مصممة لخدمة هدف سعيّد. ومنع المسؤولون المحليون
عددا من التظاهرات المعارضة للاستفتاء بذرائع أمنية، وصادق الوزراء الذين عينهم سعيّد
على المسودة وحث الرئيس الناس مرتين على المشاركة بـ نعم. وخصصت مؤسسة التلفزة والإذاعة
التي تمول من المال العام تغطية واسعة لمؤيدي الاستفتاء واستبعدت المعارضة. وردت قوات
أمن سعيّد على تظاهرات المئات نهاية الأسبوع برش غاز الفلفل على المتظاهرين واعتقال
الكثيرين منهم.
واستبعد
استفتاء تموز/ يوليو التونسيين الذين خرجوا لقضاء العطلات. وقال رئيس حزب آفاق تونس،
فاضل عبد الكافي: "الناس الذين يدفعون بـ نعم، كل الإدارة والقوى المؤيدة لسعيّد منظمة
بشكل جيد، أما الطرف الآخر المستعد لقول لا، فهو ليس موجودا".
وحزب
آفاق تونس كان من أحزاب قلة قررت المشاركة في الاستفتاء. و"عندما يدفع الرئيس
الشعب للتصويت وتغطى كل المدينة بإعلانات التصويت بـ نعم، فهذا وضع غير منصف".
وتزامن
التصويت مع تحرك سعيد لعزل رئيس الوزراء وتعليق البرلمان ردا كما قال في حينه على الأوضاع
الاقتصادية والرد الفاشل على انتشار كوفيد-19.
وقبل
عام، صفق التونسيون فرحا وتدفقت الجموع على العاصمة مرحبة بسعيّد كمنقذ وأن سيطرته على
السلطة ضرورية لمعالجة البلاد من الفساد والنظام السياسي العاجز. وبعد عام، فإن سكان
تونس يبدون في تموز/ يوليو كأنهم في حالة نوم وغير مهتمين ولا يستمعون كثيرا لنداءات سعيد بالذهاب
إلى صناديق الاقتراع. وكان الحر الشديد مانعا لترك منازلهم، أو مغادرة شواطئ البحر
التي يقضون عليها عطلاتهم، وشغلهم ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأجور المتدنية في
وقت تنزلق فيه البلاد نحو الدمار، عن الاهتمام بالتصويت.
اقرأ أيضا: انتهاء الاقتراع بتونس.. ونسبة المشاركة 27.5 بالمئة (شاهد)
وقال
أمين غالي، مدير مركز الكواكبي للتحول الديمقراطي في تونس: "نناقش هناك مصير الأمة
إلا أن الكثير من الناس فقدوا الثقة بكل العملية"، وأضاف أن كل شيء كان يصب في
صالح سعيد بالفترة التي سبقت الاستفتاء "وهذا تلاعب".
وترى
الصحيفة أن مشاركة متدنية تعكس خيبة أمل بسعيد.
وحث سعيد المواطنين على المشاركة لتصحيح مسار الثورة، كما وعدهم عندما استولى على السلطة،
إلا أن الكثيرين من الذين هتفوا للحرية والكرامة والفرص رأوا خلال العام الماضي القليل
ليتناسب مع هذه الآمال.
وخسر
سعيد الدعم الكبير الذي حظي به العام الماضي، ذلك أنه منح الأولوية للإصلاحات السياسية
بدلا من معالجة الاقتصاد المتداعي وحتى بعد غزو روسيا لأوكرانيا الذي أدى إلى ارتفاع حاد
في الأسعار ومعاناة الكثير من التونسيين. ودعم الكثير من الناشطين السياسيين ومنظمات
المجتمع المدني والنقابات العمالية والأحزاب السياسية تحركه العام الماضي، إلا أنه
خسر دعمهم بعدما بدأ يحكم من خلال الأوامر الرئاسية واعتقال المعارضين وتعيين شلته
في المؤسسات المستقلة سابقا بما فيها هيئة الانتخابات.
ووجدت
دراسة مسحية دولية أن الدعم لسعيد تراجع بنسبة 20 نقطة ما بين تشرين الثاني/ نوفمبر
وأيار/ مايو.
ونظم
الاستطلاع قبل دعوة المعارضة لمقاطعة الاستفتاء ووجد أن نسبة 30% من السكان لن تشارك
فيه. وظهرت الإشارة الأولى عن عدم اهتمام التونسيين بما يقوم به سعيد، في آذار/ مارس
عندما لم تشارك سوى نسبة 5% من السكان في الاستبيان الوطني على الإنترنت بشأن الأولويات
الوطنية.
ولم
يرتدع سعيد حين أعلن عن تشكيل لجنة لكتابة الدستور، رغم أن بعض من وردت أسماؤهم قالوا
إنهم لم يوافقوا على المشاركة، فيما أعرب عدد من مؤيدي سعيد السابقين أنها ليست شاملة.
لكن اللجنة أعدت مسودة في عدة أسابيع، خلافا لدستور 2014 الذي أعدت مسودته الأولى بعد
نقاشات استمرت عامين. وفي أيار/ مايو قالت لجنة البندقية، وهو مجلس استشاري أوروبي مكون
من خبراء في القانون الدستوري إن صياغة الدستور لم تكن شرعية ولا موثوقة، ورد سعيد
بالهجوم على المجموعة وطرد أفرادها من تونس.
وبعد
مراجعة المسودة خرج سعيد في نهاية حزيران/ يونيو بنسخة منحته سلطات أوسع من النسخة
التي قدمت إليه. وحذر الخبير الذي عينه سعيد لرئاسة العملية الصادق بلعيد من أن النسخة
المعدلة "تعبد الطريق إلى ديكتاتورية مشينة".
وحتى
بدستور جديد فإن المأزق الذي يواجه إصلاحات سعيد وشرعيته وفشله في حل المشاكل الاقتصادية
يعني أن تونس ستظل غارقة في الأزمات. ويرى غوردون غري، من مركز التقدم الأمريكي والذي
عمل سفيرا في تونس ما بين 2009 و2012، أن "هذا يبدو كمشروع يرضي غروره، وماذا بعد؟"،
"ما هو العقد الاجتماعي الذي يعرضه سعيد؟ وبالأساس، لا حقوق ولا نمو اقتصاديا وهو
أمر غير جذاب، والكيفية التي سيرد فيها التونسيون هي السؤال".
هيئة بريطانية تغلق ملف تبرعات قطرية للأمير تشارلز
FT: الاقتصاد التونسي يعاني ضربة أخرى من حرب أوكرانيا
"لوموند": دستور تونس الجديد يقطع العلاقة جذريا مع البرلمان