كتبت صحيفة La Repubblica الإيطالية في عددها الصادر يوم الاثنين 11 تشرين الأول (أكتوبر) 1999، أن جهاز الاستعلامات العسكرية الإيطالية SISMI هو الذي دبّر انقلاب بن علي على بورقيبة يوم 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 1987، وذلك حسب تصريح للأميرال Fulvio Martini مدير الجهاز المذكور بين عامي 1984 و1991.
وأضافت الصحيفة بأن الرئيس الإيطالي آنذاك Bettino Craxi ووزير خارجيته Giulio Andreotti هما اللذان وجها الأمر بتنفيذ الانقلاب.
كما ذكرت بأن الضحية الوحيدة في عملية الانقلاب هو رئيس مخابرات دولة أوروبية (فرنسا) لم تستسغ حكومتها الحل الإيطالي !
انقلاب قيس سعيد في 25 تموز (يوليو) 2021 في تونس يختلف هذه المرة نوعيا عن ذلك الذي نفذه الجنرال الدكتاتور بن علي من عدة نواح.
وسنهتم في هذا المقال بمعالجة نقطة الاختلاف المتعلقة بالقوى المدبرة والآمرة.
تجدر الاشارة بادئ ذي بدء إلى أن انقلاب 25 تموز (يوليو) ذو خلفية مزدوجة تقاطعت فيها مصالح حيوية وأهداف كبرى متباينة لجهتين متعاديتين ولكنهما تلتقيان تكتيكيا وظرفيا ضد عدوّ مشترك هو الإسلام السني الثوري ـ الديمقراطي (استمعوا للمداخلة الأخيرة للصادق بلعيد حول العمق التاريخي والثقافي للصراع حول تونس) :
1 ـ الحلف الإمبريالي الأطلسي بقيادة فرنسية ـ إيطالية (ويتبع هذا الحلف كل من إسرائيل والإمارات ومصر والسعودية والجزائر باعتبارها أطرافا حليفة أو مرتهنة لهذا المركز)،
2 ـ المحور العقائدي الإيراني ـ السوري (المدعوم روسيا). تتكون عقائدية هذا المحور من الإيديولوجيتين الشيعية ـ الفارسية بالنسبة لإيران والبعثية ـ العلوية بالنسبة لسوريا.
انقلاب 25 تموز (يوليو) ذو خلفية مزدوجة تقاطعت فيها مصالح حيوية وأهداف كبرى متباينة لجهتين متعاديتين ولكنهما تلتقيان تكتيكيا وظرفيا ضد عدوّ مشترك هو الإسلام السني الثوري ـ الديمقراطي.
هذا الالتقاء المصلحي ضد عدوّ مشترك (الإسلام السني ـ الديمقراطي) يفسّر التحالف الظرفي بين القيادات العسكرية التونسية (الموالية والمدعومة أطلسيًا) من جهة والقيادات والأحزاب السياسية (الموالية والمدعومة إيرانيا وسوريا والمتمثلة أساسا في الرئيس الحالي ووزير داخليته وداعميه من فلول حركة الشعب والتيار الشعبي والوطد وأذرعهم النقابية المتغلغلة في أجهزة الدولة والإعلام الرسمي) من جهة أخرى.
لن يعمّر تحالف الشرّ هذا، في نظري، طويلا ولن تتأخر القوى الأطلسية صاحبة القرار عن توجيه أوامرها لوكلائها وموظفيها في تونس بالتخلص قريبا من طابور المحور الإيراني ـ السوري.
قد يحدث ذلك إما بعزل الرئيس بُعيْد الاستفتاء أو بالإبقاء عليه ضعيفا معزولا ودون أي حزام سياسي لحاجة إلى شعبيته أو بالأحرى شعبويته خلال الأشهر والسنوات المقبلة حتى إتمام مهمة تدجين ما تبقى من أجهزة الدولة والمجتمع المدني (الأحزاب والجمعيات والنقابات) تمريرا لمشاريع ومخططات حراس الامبريالية العالمية الثلاثة (الناتو ـ البنك الدولي ـ صندوق النقد الدولي)
اللاعب الوحيد الذي بإمكانه خلط الأوراق وبعثرة حسابات جميع النافذين هو تركيا التي وإن انتمت عسكريا إلى منظمة الحلف الأطلسي (الناتو) فإنها بدأت في استرجاع قدراتها الفردانية الإمبراطورية ومجدها العثماني وأصبحت لها مصالح وأطماع بل كلمة ونفوذ في مجال حيوي ليست تونس بعيدة عنه!
غير أن تركيا لن تتحرك في اتجاه مناصرة الديمقراطية التونسية إلا بقدر توحد الديمقراطيين التونسيين ضد الانقلاب وبما يخدم مصالحها الأمنية والاقتصادية في المنطقة ويعزز حضورها المتزايد ومقبوليتها الرسمية والشعبية في كل من ليبيا والجزائر.
هل يعود قطار تونس إلى سكة الديمقراطية؟
في أسباب تدهور دور الاتحاد العام التونسي للشغل
الفذلكة الدستورية بين تونس وسوريا