قبل أيام أعلنت دار الأوبرا المصرية عن تنظيم حفل للمطربة الفلسطينية الشابة ناى البرغوثى كان من المقرر تقديمه غدا الخميس إلا أن الحفل تم تأجيله لأن الفنانة لم تحصل على تأشيرة دخول.
قالت ناى على صفحاتها بمواقع التواصل الاجتماعى «أحبائى فى مصر، أم الدنيا… كما قرأتم، قررت دار الأوبرا فى مصر تأجيل حفلتى فى القاهرة والإسكندرية إلى موعد غير محدد بعد، وهذا بعد منعى فى مطار القاهرة من دخول مصر الحبيبة لأسباب لا أعرفها حتى الآن، رغم محاولاتى وبعد 8 ساعات انتظار. صُدِمت… حَزِنت… وانتابتنى مشاعر عديدة متضاربة، أهمها الفقدان… فقدان الفرصة للتواصل معكم/ن بعد طول انتظار».
بطريقتها الفريدة ولغتها العربية الرشيقة تابعت الفنانة التى درست فى مصر ولم تصل بعد إلى عامها الثلاثين: «لقد أعددْت لكم/ن برنامجا غنائيا وموسيقيا غنيا، مميزا، يليق بكم/ن، يليق بشعب مصر الشقيق ومكانة مصر فى قلب الأمة العربية. كم كنت أتحرق شوقا للقائكم/ن فى القاهرة والإسكندرية، فى مصر سيد درويش وعبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم وغيرهم/ن من العمالقة، ولكنى الآن مضطرة لأنتظر فرصة مستقبلية، آمل أن تكون قريبة، لأكون بينكم/ن وأشارككم/ن به».
وكفنانة فلسطينية تربت على قِيَم الصمود والكرامة، أعلنت رفضها التنازل عن الأمل. بدعم جمهورها وبقوة وعمق رسالتى الفنية والإنسانية، وقالت: أرفع رأسى عاليا لأعِدكم/ن: لنا لقاء ولو بعد حين».
والمتابع لقضية انتقال الفنانين والمبدعين العرب لن يصدمه ما تعرضت له «ناى» التى بقيت فى المطار لساعات طوال، فقد سبقها الكثير الذين مروا بهذا الموقف الذى لا يمكن وصفه.
ولعلنا نتذكر ما حدث مع الممثلين الفلسطينيين على سليمان وكمال الباشا قبل أقل من عامين فى إحدى دورات مهرجان الجونة السينمائى حيث لم تنجح إدارة المهرجان فى الحصول لهما على تأشيرتين وكان الأول بطلا لفيلم والثانى ضمن لائحة المكرمين.
شخصيا كنت أتمنى من وزارة الثقافة لو نجحت أولا فى تدبير أمر التأشيرة قبل الاعلان عن الحفل لكى لا تواجه ورطة من هذا النوع.
وللاسف لا احد يتدخل على صعيد رسمى لحماية حق الفنانين والأدباء العرب فى الانتقال من بلد عربى إلى بلد آخر وتزداد الطين بلة فى حالة الفنان السورى الذى تحول إلى هدف فى جميع المجالات. أما الفلسطينى فهو يعانى تاريخيا وواقعيا من هذا المنع، والبعض يتذكر ما كتبه محمود درويش عن محنة الفلسطينى فى المطارات كما جسدها فى قصيدته مطار أثينا وفى مقال بعنوان «فى المطار» حيث كتب: «أوقفونا هى أحد أشكال هويتنا، المطار العربى يعامل الفلسطينى كحامل الوباء
وما على الفلسطينى الا أن يبادر بتمييز نفسه ففى كل مطار، يخرج من طابور المسافرين ليقف فى طابوره الخاص ويعلن: أنا منهم، فحاكمونى..
يقول محمود درويش «يحدث هذا لان الفلسطينى مستباح وتلك هى أوامر التضامن الأخوى مع الفلسطينيين فكل فلسطينى مشبوه ومحروم من حق التشرد الحر فى وطنه العربى الكبير المفتوح بكرم لا حدود له مع السياح الاسرائيليين»،
ما كتبه درويش يعود إلى ثمانينيات القرن الماضى لكن واقعنا العربى تغير إلى الأسوأ، ولم تنجح كل أحاديثنا عن التضامن مع الشعب الفلسطينى فى وقف هذه الماسأة.
ويعرف المعنيون بالسياسات الثقافية الآثار الناجمة عن الحد من حرية انتقال الفنانين العرب وكيف أصبحت عائقا كبيرا أمام فرص التبادل الثقافى.
وقبل يومين شاركت فى ندوة مهمة عقدها المجلس القومى لحقوق الإنسان وأوضحت جانبا من هذه الجوانب وشجعنى على تناول هذه المسألة الطرح المتميز الذى قدمته الدكتورة منى الجرف الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى إشارتها المهمة حول عائد التبادل الثقافى الذى يضيف لأوزان القوى الناعمة أو القوى الذكية وانطلاقا من الإيمان بوزن مصر الثقافى ودورها،لن نمل من المطالبة بإعادة النظر فى مثل تلك الاجراءات التى تحرم ناى البرغوثى من التواصل مع جمهورها علما بأنها من محافظة رام الله والبيرة فى الضفة الغربية، أى لا تحمل جواز سفر إسرائيلى، كغيرها من الفنانين الذين أجبرت عائلاتهم على حمله لصمودها على أراضيها المحتلة فى العام 1948، ورفضها أن تغادر ديارها!!!!
لأجل مصر التى اعتادت أن تستقبل الجميع نأمل فى إعادة النظر فى قرار منع (ناى) من الدخول وأتمنى لو استطاعت الوزيرة الفنانة وعازفة الفلوت ــ وهى نفس الآلة التى تعزفها ناى ــ التدخل لتحصل المغنية الشابة على حقها فى الغناء وليس أى شىء آخر.
وكما أعلن صديقى الصحفى الفلسطينى يوسف الشايب فإن (على الجهات ذات العلاقة فى كل من فلسطين ومصر العمل على إيجاد حل جذرى فى تواصل التعاطى غير المبرر مع الفنانين الفلسطينيين فى المطارات والمعابر المصرية.. وإن كانت الجهات المصرية الداعية غير متأكدة من دخول الفنان الفلسطينى إلى مصر فعليها عدم دعوة أى مبدع فلسطينى، كى لا يتعرض لهذه الإهانات.. اتركوا الفلسطينيين فى ديارهم إن كنتم غير قادرين على تأمين دخولهم، وكما يقول نزار قبانى «فإن من بدأ المأساة ينهيها).
(الشروق المصرية)