قال
المعارض التشادي البارز ورئيس منصة قطر التفاوضية سابقا، بشير الخليل حمدي، إن
"انعقاد الحوار الوطني غير الشامل، وخروج مظاهرات مناهضة له، وإطلاق حكومة موازية
من داخل العاصمة أنجمينا لا يبشر بأي خير، وربما يؤدي إلى حملة اعتقالات واسعة".
ورأى
حمدي، في مقابلة مصورة مع "عربي21"، أن التطورات الأخيرة ستؤدي بالضرورة
إلى نشوب حرب شبيهة بحرب التسعة أشهر نهاية عام 1979 من القرن الماضي في العاصمة أنجمينا،
وهذا ما لا نتمناه على الإطلاق.
وكشف
حمدي، الذي يشغل منصب المنسق العام للمنسقية الوطنية من أجل التغيير والإصلاح "CNCR"، ومؤسس ورئيس الحركة الديمقراطية التصحيحية "MDR"، أن "هناك اتصالات غير رسمية بجهات إقليمية أو دولية للتفاوض
مُجددا مع النظام، لكن تلك الاتصالات لم تأخذ الطابع الرسمي حتى الآن".
يُذكر
أن تشاد شهدت اضطرابات وحربا أهلية أسفرت عن انهيار نظام حكم أول رئيس للبلاد، فرانسوا
تومبالباي، ثم قتله في العام 1975، لكن العنف استمر حتى عام 1979 الذي دخل فيه المتمردون
العاصمة أنجمينا وسيطروا عليها.
و"منصة
قطر التفاوضية" هي إحدى المنصات الثلاث التفاوضية التي تكونت بداية انطلاق المفاوضات
في العاصمة القطرية الدوحة، وتضم عددا من الحركات السياسية العسكرية برئاسة بشير الخليل
حمدي، لكنها انشطرت إلى نصفين حينما قاربت المفاوضات على نهايتها، حيث وقع جزء من حركات
المعارضة على الاتفاقية بكيفيتها الحالية وذهب إلى أنجمينا، وبقي الجزء الآخر رافضا
للتوقيع.
وكانت
الأطراف التشادية قد وقعت، قبل أيام، "اتفاق الدوحة للسلام"، تتويجا لمفاوضات
استضافتها قطر بين المجموعات التشادية، والمجلس العسكري الانتقالي الحاكم بمشاركة إقليمية
ودولية.
وتاليا
نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
ما أبعاد الاحتجاجات التي شهدتها تشاد يوم الجمعة الماضي؟
المظاهرات
لم تكن بالحجم المطلوب أو المأمول، لأن المنظمين خافوا أن يحمّلهم المجتمع الدولي فشل
ما يسمى "الحوار الوطني الشامل"، بينما المسؤول الحقيقي عن هذا الفشل هو
النظام المغتصب للسلطة.
هل تعتزمون التصعيد ضد المجلس العسكري الانتقالي خلال الفترة المقبلة؟
تصعيد
الوضع هو ناتج عن تصرفات النظام، نحن حملنا السلاح من أجل حماية الشعب واسترداد حقوقه
المهضومة، وإذا تصرف النظام بطريقة وحشية، وقمع المتظاهرين، واستمر في ظلمه للمواطنين
الكادحين، فالتصعيد سيكون حينها واجب علينا، ولن يكون إلا رد فعل للحالة التي يخلقها
النظام المستبد.
هل التغيير العسكري يمكن أن يكون حلا لتشاد؟
الحل
العسكري قد يكون هو الحل المثالي بالفعل. فعلى سبيل المثال قام الرائد الراحل في الجيش
البوركيني توماس سانكارا، والذي يُلقب بـ(تشي غيفارا أفريقيا)، بانقلاب عسكري في بوركينا
فاسو بعد نضال طويل وعظيم، ولقي تأييدا شعبيا واسعا، وما زال الكثيرون يتذكرون حسناته
حتى الآن، كما أن هناك اليوم رئيس المجلس العسكري الحاكم في مالي، أسيمي غويتا، كمثال
حي وآني. ومثل هؤلاء جاؤوا بانقلابات عسكرية ونضال ثوري كبير، وبالتالي فالمشكلة ليست
مشكلة الحل العسكري، بل المشكلة في الأشخاص الذين يرتبون للحل العسكري؛ فإذا كانوا
وطنيين ومناضلين من أجل قضايا حقيقية فسيكون الحل العسكري هو الحل السريع وربما الأنسب،
لأنه سيكون بلا تنازل أو مساومات.
والحل
العسكري ربما يصبح الحل الأفضل في تشاد، لأن مسؤولي النظام الحالي، وهم أنفسهم مسؤولو
النظام السابق، يقولون دائما إنهم جاءوا إلى السلطة عن طريق البندقية، وليس عبر الخطوط
الجوية الأفريقية، ومَن يريد السلطة عليه أن يأخذها بالقوة مثلهم؛ فهم لا يريدون التخلي
عن السلطة أو نقلها لغيرهم بأي صورة من الصور، حتى لو سالت أنهار من الدماء، وهذا الأمر
يقولونه في جميع المناسبات.
وحقيقة،
أن الواقع هو الذي يجبرنا على الحل العسكري، وإلا فلن يكون هذا خيارنا على الإطلاق، لأننا
سعينا وتمنينا أن يتمثل خيار حل الأزمة التشادية في السلام، واليد الممدودة للصلح،
والحل بالطرق السلمية، من أجل إرضاء جميع الأطراف.
هل باب التفاوض مغلق تماما مع الحكومة أم لا؟
باب
التفاوض مع السلطة الموجودة ليس مُغلقا بل مفتوح، لكن يجب أن ينطلق من قواعد سليمة
وصحيحة، ونحن وضعنا شروطا أساسية لكي ينبني عليها الحوار والمفاوضات الجادة، ولكن بعدما
أمضينا فترة في مفاوضات الدوحة صُدمنا بانقلاب الوفد الحكومي على الجهود التي بذلناها،
ومن هنا جاء الفشل، خاصة حينما تدخل عملاء الوفد الحكومي المفاوض، وقاموا بشراء ضمائر
وذمم الناس الذين ليست لهم أي مبادئ، ومن خلال اتباعهم أسلوب التهديد والترغيب، حتى
دخلت جهات أجنبية وفعلت ما فعلت، وفي نهاية الأمر قاموا بإفشال الحوار الذي بذلت فيه
قطر جهدا مشكورا وكانت نزيهة ومحايدة إلى حد كبير جدا.
ونشدّد
على أن قلوبنا مفتوحة وكل أيادينا ممدودة للصلح والحوار والمفاوضات الجادة، لكن بشرط
أن تكون مرضية للجميع وعلى قواعد وأسس سليمة، وهذه القواعد الخاصة بالتغيير هي التي
لأجلها حملنا السلاح، ونحن مستعدون للتحاور مُجددا في أي زمان أو مكان حال موافقة النظام
على تلك القواعد التي لن نتنازل عنها.
هل أنتم على تواصل الآن مع أطراف إقليمية أو دولية في هذا الصدد؟
هناك
اتصالات غير رسمية بجهات إقليمية أو دولية، وذلك من خلال بعض المعارف والصداقات والاستفسارات،
لكن لا توجد اتصالات رسمية أو مُحددة مع جهات معينة حتى الآن، لكن -حقيقة- هناك بوادر
وتساؤلات تأتينا من بعض الشخصيات في هذا الإطار الذي لم يأخذ الطابع الرسمي حتى الآن.
ما أبرز البنود الإيجابية في اتفاق الدوحة؟
كل النقاط
التي تم إعلانها في "اتفاق الدوحة" إيجابية أو على الأقل بالنسبة للذين قبلوها،
لكن السؤال الأهم والأخطر هنا: هل سيتم تنفيذها على أرض الواقع؟ فالمشكلة ليست في البنود
في حد ذاتها، بل في تنفيذها ومدى الالتزام بها، ومن ضمن الأسباب الرئيسية التي جعلتنا
لا نوقع على هذا الاتفاق عدم وجود ضامن للاتفاق، وفي البداية اتفقنا على أن تكون
قطر هي الوسيط الضامن بحكم تجاربها وسمعتها وتأثيرها على الساحة الدولية، ثم تقوم قطر
باختيار شركائها الدوليين كضامنين لهذا الاتفاق، لكن لم يوافق النظام على ذلك في نهاية
المطاف بزعم أن الضمانة ستكون ضمانة عامة من قِبل المجتمع الدولي، وهو ما يعني واقعيا
عدم وجود أي ضامن، بدليل عدم توقيع أي طرف إقليمي أو دولي على اتفاق الدوحة؛ فلم يوقع
أحد عليه سوى رئيس الوفد الحكومي وحركات المعارضة التي قبلت به، لكن الحركات الفاعلة
والمؤثرة على الأرض ترفض هذا الاتفاق.
ما مدى صحة ما تردد حول وساطة الرئيس السنغالي في إقناع الحركات التي لم توقع على اتفاق الدوحة من أجل المشاركة في الحوار الوطني الشامل؟
نعم،
سمعنا هذا الكلام الذي تداوله البعض، لكننا لا نستطيع تأكيد ذلك، والرئيس السنغالي
قال -أثناء زيارته للعاصمة التشادية أنجمينا- إنه يود إقناع الحركات الممانعة أو المقاطعة
لاتفاق الدوحة بحضور المؤتمر الوطني الشامل، لكن إلى الآن لم تصلنا أي اتصالات رسمية
من السنغال.
برأيكم، ما الذي سينتهي إليه "الحوار الوطني الشامل"؟
النتائج
دائما في مثل هذه الحوارات الكبيرة تكون نظريا إيجابية من حيث الصياغة والتحضير، لكن
الأزمة لم ولن تكون في النتائج المكتوبة والنظرية بل في التطبيق والتنفيذ، ولذا أرى
أن هذه النتائج ستكون في صالح النظام؛ إذ ستمنحه شرعية وتُمدد له البقاء في السلطة
ويضمن من خلالها الانتخابات المقبلة.
ما قراءتكم للسيناريوهات المحتمل حدوثها؟
السيناريوهات
المحتملة هي التي تحدد إلى أين تتجه الأوضاع مستقبلا؛ فنحن نرى أن انعقاد الحوار الوطني
غير الشامل من جهة، وخروج مظاهرات مناهضة له من جهة أخرى، وأيضا إطلاق حكومة موازية
من داخل العاصمة لا يبشر بأي خير، وربما يؤدي إلى انطلاق حملة اعتقالات واسعة، ما يؤدي
بالضرورة إلى نشوب حرب شبيهة بحرب التسعة أشهر نهاية عام 1979 من القرن الماضي في العاصمة
أنجمينا، وهذا ما لا نتمناه على الإطلاق.
معارض تشادي: "اتفاق الدوحة" يُمهد للحوار الوطني (فيديو)