قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ حادثة ضبط 287 مهاجرًا مصريًا بينهم أكثر من 90 طفلًا بأحد المخازن شرقي
ليبيا يجب أن تلفت الانتباه إلى ضرورة محاربة شبكات التهريب والاتجار بالبشر، إلى جانب نشر الوعي المجتمعي بخطورة طرق الهجرة، وعمليات الاستغلال والاضطهاد التي يتعرض لها
المهاجرون.
وذكر المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي له اليوم الثلاثاء، أرسل نسخة منه لـ
"عربي21"، أنّه تابع بقلق كبير مداهمة قوات تابعة لمديرية أمن طبرق شرقي ليبيا مخزنًا داخل إحدى المزارع جنوبي المدينة مساء الأحد 4 سبتمبر/ أيلول الجاري، حيث عثر عناصر الأمن على المهاجرين المحتجزين في وضع إنساني بائس، ونقلوهم إلى مركز النجدة في المدينة تمهيدًا لترحيلهم إلى مصر.
واطّلع المرصد الأورومتوسطي على إفادات صادمة نشرها موقع "ليبيا 24" المحلي، لعدد كبير من المهاجرين الذين كانوا محتجزين داخل المخزن، إذ قال البالغون منهم إنّهم دفعوا الأموال من أجل الوصول إلى ليبيا ومن ثم الهجرة منها إلى إيطاليا عبر البحر سعيًا للحصول على فرص عمل، فيما لم يكن بعض الأطفال المهاجرين على دراية بالوجهة التي سيذهبون إليها، أو حتى المخاطر التي قد تواجههم أثناء رحلة الهجرة.
وتتراوح أعمار المهاجرين ـ جميعهم مصريون ـ بين 12 عامًا و50 عامًا، وينحدرون من محافظات مختلفة منها أسيوط والمنيا والغربية. ووفق الإفادات، دفع بعض المهاجرين مبالغ وصلت إلى 170 ألف جنيه مصري (نحو 8800$) من أجل إتمام عملية التهريب والهجرة، حيث قال أحدهم إنّه باع جميع أملاكه لتأمين المبلغ أملًا في الهجرة والحصول على فرصة عمل في إيطاليا.
وحول خط سيرهم من مصر إلى ليبيا، بدا أنّ معظم المهاجرين لم يكونوا على دراية بالطرق التي سلكوها أو هويات الأشخاص الذين أشرفوا على عملية التهريب سواء في مصر أو ليبيا، إذ تنقلوا برًا بين عدة مركبات حتى وصلوا إلى الأراضي الليبية، ونُقلوا بعد ذلك إلى المخزن جنوبي مدينة طبرق، التي تبعد عن الحدود المصرية نحو 140 كم، وقال بعضهم إنّهم أُجبروا على المشي عشرات الكيلومترات سيرًا على الأقدام في بيئة صحراوية للوصول إلى المكان.
وتراوحت مدة مكوث المهاجرين في المخزن بين بضعة أيام و6 شهور، فيما قال بعضهم إنّهم تنقلوا بين 5 مخازن على الأقل خلال وجودهم في الأراضي الليبية.
واشتكى المهاجرون وعلى نحو خاص الأطفال، من المعاملة غير الإنسانية التي كانوا يخضعون لها داخل المخزن، إذ مارس المهربون بحقهم أشكالًا مختلفة من التعنيف الجسدي واللفظي، شملت الإهانة والإذلال والضرب والصعق بالكهرباء في بعض الحالات، ولم يكونوا يحصلون سوى على كمية قليلة ورديئة من الطعام والماء، علاوة على حرمانهم من التواصل مع العالم الخارجي من خلال مصادرة هواتفهم، بجانب أموالهم ومتعلقاتهم الشخصية.
ووفق تصريح لمسؤول أمني محلي، لم تعثر قوات الأمن على أي من المهربين في المخزن، وعثرت فقط على المهاجرين، ونقلتهم إلى مركز النجدة بطبرق، وسيتم ترحيلهم إلى مصر عبر منفذ السلوم الحدودي خلال اليومين المقبلين.
وقالت مسؤولة الإعلام في المرصد الأورومتوسطي "نور علوان": "من الصادم والمؤسف رؤية أطفال لم يتجاوزوا عامهم الثاني عشر في وضع معقد كهذا. في كل الأحوال، لا يمكن تحميلهم المسؤولية كونهم ما يزالون غير قادرين على اتخاذ القرارات وتقدير الأمور".
وأضافت أنّ "المسؤولية في هذه الحالة تقع على الأسرة بالدرجة الأولى، إذ ينبغي ألّا تشجع أو تساعد أطفالها على خوض مغامرة خطيرة قد يفقدون حياتهم فيها من أجل الحصول على فرص عمل ما يزال من المبكر عليهم الانخراط فيها لحداثة سنّهم".
وأكّدت أنّ "الدولة تتحمل أيضًا مسؤولية تشديد الرقابة على شبكات التهريب والاتجار بالبشر، وإحباط أي محاولات شبيهة سواء كانت تستهدف الأطفال أو البالغين، إلى جانب تكثيف الجهود لخلق فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة في البلاد".
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ مثل هؤلاء المهاجرين قد يكونون أكثر الفئات عرضة لجرائم الاتجار بالبشر، ويشمل ذلك العمل القسري، والاستغلال الجنسي، والاسترقاق، وسرقة الأعضاء.
وفي ديسمبر/ كانون أول 2021، نشر المرصد الأورومتوسطي تقريرًا مفصلًا وثّق فيه تعرض المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا لانتهاكات جسيمة بلغت حد المساس بحياتهم وسلامتهم البدنية والنفسية، إذ يخضعون لمنظومة متكاملة من الاستغلال والاضطهاد، بما في ذلك مقايضة حريّتهم بمبالغ مالية أو أعمال خدمية.
ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطات في ليبيا إلى تكثيف جهودها في محاربة عصابات التهريب والاتجار بالبشر، والعمل على تقديم العون والمساعدة للمهاجرين الذين يقعون ضحايا لتلك الأعمال الإجرامية، إلى جانب تحسين مرافق احتجاز المهاجرين الرسمية، ووقف جميع الممارسات غير القانونية بحقهم.
وحث المرصد الأورومتوسطي الحكومة المصرية واللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر على تكثيف جهودها لمحاربة وتفكيك شبكات الاتجار بالبشر، والتعاون مع منظمات المجتمع المدني العاملة في البلاد من أجل نشر الوعي بخطورة التعامل مع المهربين والمنخرطين في عمليات الاتجار بالبشر، وبيان العواقب التي تترتب على الأشخاص الذين يقعون ضحايا لتلك النشاطات المقلقة.
وتترتب على كل من ليبيا ومصر مسؤولية منع ومكافحة الاتجار بالبشر، بما يشمل اعتماد تدابير لمنع الاتجار ومعاقبة المتّجرين وحماية ضحايا الاتجار بوسائل مختلفة، وفقًا لبروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، والذي صدّقت عليه ليبيا في سبتمبر 2004، ومصر في آذار (مارس) 2004.