حكومة الظل
لم يعد في القوس منزع ولا بد وحتما وأن يتصدر بعض نفر من النخب الحقيقية
لإنقاذ
مصر من ورطتها التي تعيشها والتي سيدفع ثمنها أجيال مقبلة. فاقتصاد البلاد
ينهار، وعادة ما تتم مقارنته باقتصاد سريلانكا حاليا وتشيلي في الثمانينيات، وخدمة
الديون وفوائدها تلتهم وسوف تلتهم أي عائدات للتنمية، كما يلتهم التضخم موارد
المواطن المصري البسيط والذي لا يتعدى دخله السنوي 25 ألف جنيه سنويا، أي ما يقارب
1190 دولار بسعر الدولار الرسمي الحالي ($=21 جنيها)، ورغم أنه من المتوقع زيادة
دخل الفرد إلى 28 ألف جنيه سنويا، إلا أن تخفيض قيمة الجنيه وتعويمه التدريجي يجعل
الزيادة وكأن لم تكن.
الدخل السنوي للمواطن المصري ربما لا يصل إلى راتب أحد القضاة أو
المستشارين شهريا، بل لا أبالغ إذا قلت إنه لا يساوي دخل إعلامي من إعلاميي السلطة
في اليوم، ومع ذلك فالسلطة الحاكمة تواصل استفزاز مشاعر المصريين البسطاء وتشتري
طائرة رئاسية ضخمة حديثة ومجهزة لتحمل طاقم الرئاسة وقبيلة الحكم إلى السماء إن
ضاقت بهم الأرض، وسعرها كما نشر في الصحف العالمية يصل إلى نصف مليار دولار.
ورغم ما في الأمر من قبح ولا مبالاة بالواقع المر الذي يعيشه المصريون،
وجدنا مصطفى بكري، أحد رجال النظام، يبرر الموقف بأن الطائرة الحالية اصبحت
قديمة ومستهلكة وبأن سعرها أقل من نصف ما نشر وأنها بالتقسيط المريح، ولكنه لم
يقل لنا من سيسدد قيمة الطائرة؛ هل هو رأس النظام أم أنها من دم الشعب؟ أو ربما
نسمع عن رواية جديدة تقول بأن الطائرة أهديت اليه من أحد رجال الاعمال الخليجيين،
كل شيء وارد.
السلطة الحاكمة تواصل استفزاز مشاعر المصريين البسطاء وتشتري طائرة رئاسية ضخمة حديثة ومجهزة لتحمل طاقم الرئاسة وقبيلة الحكم إلى السماء إن ضاقت بهم الأرض، وسعرها كما نشر في الصحف العالمية يصل إلى نصف مليار دولار
بلد يباع فيها كل شيء بثمن بخس حتى أجود مصانعه وأعرق شركاته وآخرها
شركة فحم
الكوك ذات الصيت والسمعة وذات الأرباح العالية، كما بيعت أجمل مواقع مصر الجغرافية
وباتت في حوزة غير المصريين الذين لا يملك غالبيتهم قوت يومهم ولا مكان يعالجون
فيها ذويهم أو يعلّمون فيه أطفالهم..
نصف مليار دولار يعني عشرة مليارات جنيه، يعني إنشاء عشرة مستشفيات سعة كل واحد
منها مائة سرير في عشر محافظات؛ في الصعيد والوجه البحري والوادي الجديد، أو إنشاء
ضعف هذا الرقم من الجامعات والمدارس أو المراكز العلمية المتخصصة، أو إنشاء وتشغيل
مصانع تنتج للتصدير بعد أن كدنا لا نستطيع الاستيراد بسبب شح الدولار في السوق.
بعد أشهر قليلة تحل ذكرى مرور عشر سنوات على الانقلاب الأسود الذي
لم يبق ولم يذر، فلا سياسة تبشر بقرب التغيير ولا أوضاع اجتماعية تتحسن لكي نقول
إن مصر تتقدم أو في طريقها إلى التقدم، وحتى شعارات الجنرال كلها ذهبت أدراج
الرياح ولم نر الجمهورية الجديدة ولا بلد تانية في 2020 كما وعد، وكل ما نراه هو
توقف أو شبه توقف لمشروع العاصمة الإدارية بعد أن قفز قادة المشروع من القارب كما
قفز طارق عامر من مركب البنك المركزي مؤخرا.
المعارضة المصرية حالها لا يسر عدوا ولا حبيبا، وعليها أن تستفيق وأن تخرج
من عباءة الأحلام الفردية لتصنع قارب نجاة يسع الجميع، يعلن عن مشروعه الحقيقي
للتغيير. وهذا في رأيي لن يتم إلا من خلال الإعلان الفوري عن حكومة الظل التي سبق
وأن ذكرت في
المقال السابق المهام التي سوف تقوم بها. ولا أعتقد أن الأمر
سهل أو يسير في ظل تجريف الواقع السياسي وفي ظل التآمر المفضوح على المعارضة
السياسية والمنافذ الإعلامية ورموزها، كما أن نجاح مثل هذه الفكرة لن يتم في
المنظور القريب جدا، بل سيأخذ وقتا حتى يتبلور ويصبح أمرا واقعيا يؤمن به الشعب
ويعلن تأييده له، حتى يصبح بديلا سياسيا للوضع والنظام الكارثي الراهن.
المعارضة المصرية حالها لا يسر عدوا ولا حبيبا، وعليها أن تستفيق وأن تخرج من عباءة الأحلام الفردية لتصنع قارب نجاة يسع الجميع، يعلن عن مشروعه الحقيقي للتغيير
وحتى تنجح الفكرة أعود وأكرر بأن وصفة حكومة الظل ليست وصفة شخصية ولا تفصيلا
لشخص أو مجموعة أشخاص لكي يقوموا بالقفز عليها، بل يجب أن تكون على مقاس ما يطلبه
الشعب وما يتطلبه الواقع بعيدا عن المحاصصة أو البريق الإعلامي.
لا شك أن تحديات جساما ستقف حجر عثرة في وجه هذه الحكومة، وستقوم أجهزة
البروباجندا الإعلامية أو ما يعرف بإعلام السامسونج بتوزيع اتهامات الخيانة
والعمالة، وسيظهر غير واحد على الشاشة موجها سؤاله الشهير للقائمين على هذه
الحكومة: لماذا لا تعارضون من مصر؟ صحيح لما لا تعارضون من داخل سجون مصر؟.. لكن
كل هذا لا يجب أن يحبط الإرادة ويمنع الجميع من المضي قدما في طريق الإعلان عن هذه
الحكومة، وعليها أن تبدأ بعرض برنامجها على الرأي العام وينقسم إلى قسمين أساسيين:
1- كيفية معالجة آثار العدوان الذي تم على الوطن والدولة والشعب، وهذا هو
برنامج المرحلة الانتقالية.
2- كيفية بناء الدولة التي نرجوها ويرجوها كل مواطن حر نبيل شارك في ثورة
25 يناير، ولا زالت تلك الثورة تمثل له الحلم الذي يسعى لتحقيقه.
وضع تصورات لمعالجة آثار العشرية السوداء هو أول ما ينبغي الالتفات إليه ومنحه الكثير من الجهد والوقت، وخصوصا معالجة حالة اللا مبالاة الناتجة عن انكسار هيبة المواطن وضياع كرامته في وطنه.
إن وضع تصورات لمعالجة آثار العشرية السوداء هو أول ما ينبغي
الالتفات إليه ومنحه الكثير من الجهد والوقت، وخصوصا معالجة حالة اللا مبالاة
الناتجة عن انكسار هيبة المواطن وضياع كرامته في وطنه. لقد تحولت الغالبية إلى أشباح
أو شبه موتى يتمنون لو يموتون من فرط ما يحدث لهم ليل نهار من إهانة وقلة تقدير؛
ليس فقط في أقسام الشرطة ولكن في رحلة البحث عن أكل العيش.
المشروع الاستراتيجي لبناء دولة مؤسسات حقيقية تتعاون ولا تتعارك، تتنافس
في خدمة الوطن والمواطن ولا تتحول إلى مشاريع وعزب خاصة على النحو الذي نعيشه
اليوم، وفي اللحظة التي سيشعر فيها المواطن بأنه صاحب البلد وليس مجرد مولود فيها،
في تلك اللحظة سيتغير وجه مصر؛ لأن الشعور الحقيقي بالانتماء يحدث عندما يشعر
المواطن بأنه صاحب البلد وليس مجرد وافد أو عابر سبيل.
وكما نتمنى عودة المواطن إلى أحضان الوطن، نتمنى أيضا أن يعود الوطن إلى
أحضان ملاكه الأصليين.