الكتاب: "دراسات نقدية في التاريخ الفلسطيني المعاصر"
الكاتب: خالد محمد صافي
الناشر: مكتبة الصيرفي للنشر والتوزيع، فلسطين، 2021م
عدد الصفحات: 285 صفحة.
يضم هذا الكتاب مجموعة من الدراسات البحثية النقدية التي أعدها الكاتب، التي استندت على سؤالين رئيسين طرحهما في مقدمة كتابه يخصان تاريخ فلسطين، الأول: كيف تمت إضاعة الوطن ـ فلسطين ـ في النصف الأول من القرن العشرين؟ والثاني: لماذا ما زال هناك فشل في استرداد الوطن؟
قدم صافي في دراسته قراءة نقدية تحليلية لأبعاد عدة، انعكست على القضية الفلسطينية كاتفاقية سايكس بيكو، ووعد بفلور، ووضع محاولة تقييمية للأداء الفلسطيني، وإشكاليات النظام السياسي الفلسطيني، وإعادة إصلاح وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، كما حاول الكاتب التحليق في الآفاق العربية، والإقليمية والدولية في محاولة لمعرفة مواقفها وأدوارها تجاه القضية الفلسطينية، وينبه الكاتب على "ضرورة قراءة وفهم كل دراسة في سياقها التاريخي الزمني حدثاً وكتابة" (ص3).
رؤية نحو إصلاح وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية
مثل وجود منظمة التحرير الفلسطينية أهم منجز من منجزات الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، التي تبلورت وتطورت عبر عملية صراع تاريخية جعلت من منظمة التحرير الفلسطينية الوطن المعنوي الجامع، والناظم لنضالات الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، فما بين التفعيل والإصلاح لمنظمة التحرير، وضع الكاتب تأصيلا مفاهيميا لطرحه، وعن هذا يقول: "هناك الحديث عن تفعيل، وهذا يعني الإبقاء على المؤسسات القائمة، ولكن تفعيل آدائها الذي انتابه التراجع والخمول، وعدم الكفاءة، وهناك حديث عن الإصلاح أي الإبقاء على الجسم القائم مع إدخال تعديلات هنا وهناك، أي عبر إدخال تعديل جذري، وهناك الحديث عن إعادة بناء، وهنا لا بد من الحرص، من أن إعادة البناء، هدم لبناء قائم، وإعادة البناء مكانه..." (ص33).
ويضيف: "هناك حديث عن مصطلح تطوير، وهو ذو إشكالية حيث يعني تطوير ما هو قائم دون إحداث توسع أفقي، وما نريده من منظمة التحرير هو توسع رأسي وأفقي استجابة للمتغيرات" (ص34).
إن الإصلاح يجب أن يكون عميقاً، وليس جذرياً حتى يصل إلى مفهوم إعادة البناء؛ لأن ذلك يعني هدم القائم وإحلال جسم محله، ثم يأتي التفعيل بعد عملية الإصلاح أي أن المطلوب والملح الآن، هو الإصلاح أولاً ثم التفعيل.
"هناك مراجعات فكرية سياسية قد حدثت في حركة المقاومة الإسلامية حماس، فبعد أن كانت تنأى عن الدخول في منظمة التحرير الفلسطينية.. فإن قيادة حركة حماس، وبالرغم من عدم إلغاء الميثاق أصبح لديها رؤية سياسية لا تنسجم مع مواد ميثاق الحركة، ويعود إلى تجربتها وبراغماتيتها وما طرأ عليها من مستجدات محلية وعربية ودولية".
اقترح الكاتب ضرورة القيام بعملية نقدية جريئة لأداء منظمة التحرير سلباً وإيجاباً حيث تساعد هذه العملية ـ التي يجب ألا تكون جلداً للذات ـ في تحديد عناصر الضعف من المكون والآداء، ومن ثم إصلاح المنظمة منطلقين من تشخيص سليم للواقع السياسي القائم، بحيث يتم ضم فصائل جديدة لم يكن لها وجود وتمثيل في المنظمة، والأخذ بعين الاعتبار الخريطة السياسية الفلسطينية القائمة، والمستجدات الحادثة على قوة أو ضعف الفصائل شعبياً، وقوة حضورها وأدائها النضالي السياسي والعسكري (ص35).
يقر صافي بوجود مساعي من حركة "حماس" للمشاركة في منظمة التحرير "هناك مراجعات فكرية سياسية قد حدثت في حركة المقاومة الإسلامية حماس، فبعد أن كانت تنأى عن الدخول في منظمة التحرير الفلسطينية.. فإن قيادة حركة حماس، وبالرغم من عدم إلغاء الميثاق أصبح لديها رؤية سياسية لا تنسجم مع مواد ميثاق الحركة، ويعود إلى تجربتها وبراغماتيتها وما طرأ عليها من مستجدات محلية وعربية ودولية" ( ص36).
تطرق الكاتب في دراسة خاصة إلى مشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين، حيث طرح فيها المشاريع الدولية للتوطين واستعرض مشاريع التوطين الإسرائيلية، إذ شكلت قضية اللاجئين الفلسطينيين لب الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ومحور العديد من القرارات الدولية، وفي مقدمتها قرار رقم (194) الصادر عن الجمعية العامة عام 1948م.
على الرغم من قرار قبول إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة، قد اشُترط تطبيق إسرائيل لقرار رقم (181) الخاص بالتقسيم، وقيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة يهودية، وتنفيذ قرار رقم (194) الخاص باللاجئين، فإن إسرائيل لم تطبق أي منهما "شهد الموقف الإسرائيلي تشدداً وتصلباً، إزاء عودة اللاجئين الفلسطينيين، المنطلق من الفكر الصهيوني، واستراتيجيته الداعية لتهجير الفلسطينيين من ديارهم، وإحلال المهاجرين الصهاينة الوافدين الى البلاد والحفاظ على الطابع العنصري اليهودي للدولة" (ص106).
يؤكد الكاتب في طرحه أن المشاريع الدولية بمجملها، انصبت بدرجة كبيرة على لاجئي قطاع غزة، وذلك بسبب طبيعة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الحادة التي كان يعانيها لاجئو القطاع، الذي استوعب أضعاف عدد سكانه الأصليين، ضعف موارده وإمكاناته الاقتصادية"( ص114)، ثم إن أغلبها قُدم من الولايات المتحدة أو بدعم منها، وهدفت إلى طمس قضية اللاجئين، ومعظمها كان مخالفاً للشرعية الدولية، وتحاول الالتفاف عليها، كخطة ماك جي، ومشاريع جونستون، وجون فوستر دالاس، بل إنها ركزت على البعد الإنشائي الاجتماعي الاقتصادي، وتجاهلت البعد الوطني والسياسي، وجميعها تصب في صالح إسرائيل لمساعدتها في تجاوز قضية اللاجئين، والمؤسف حقاً أن بعضها وجد صدى وتجاوبا من بعض الدول العربية، وتعاطياً من قبل جامعة الدول العربية (ص108).
إن بداية الإرهاصات الأولى للتطبيع، وتقبل دولة الكيان الصهيوني في الوطن العربي والتعايش معه، وأن تلك الاتصالات قد وجدت قبل إقامة الكيان نفسه"، بل أإها تساوقت واقعياً مع المشروع الصهيوني منذ بداية عشرينيات القرن الماضي،
أما مشاريع التوطين الإسرائيلية فبعضها قدم قبل 1967م، وكانت موجهة بشكل أساسي إلى التخلص من فلسطينيي الداخل، الذين أسماهم الكاتب بالأقلية العربية، وهو مصطلح مرفوض فهم ليسوا بأقلية، ولكنهم أصحاب الأرض التي أقيمت عليها دولة بوجودهم عليها، وبقوا صامدين على أرضهم وممتلكاتهم ورفضوا التفريض بحقوقهم، ويمثلون اليوم هاجسا كبيرا لدولة الاحتلال لا يمكن تجاوزه سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، ومن أمثلة تلك المشاريع: خطة يوحنان عام 1950م، عملية حفرفيرت 1953م، وخطة لجنة دانتيل 1956م، خطة شارون، مشروع أشكول، وهدفت تلك المشاريع إلى الاستيلاء على أراضي فلسطينيي الداخل، واستيعاب مهاجرين يهود عليها لإبقائها دولة لليهود فقط!
هناك مشاريع إسرائيلية للتوطين قدمت بعد عام 1967م، هدفت إلى جعل التوطين أمراً واقعاً على ضوء انتصارها في حرب عام 1967م، وقيامها باحتلال ما تبقى من فلسطين التاريخية، حيث اعتقدت إسرائيل أن بإمكانها فرض رؤيتها على الأرض في ظل الهزيمة العربية المدوية، ومن تلك المشاريع: ألون، ديان، لجنة بروعو، رعنان فايتس، دوف زاكين بن بورات، وأغلب تلك المشاريع أعدت بجهود خبراء، وبتكليف من الحكومة، ولم تأت عرضاً أو نتيجة اجتهادات فردية (ًص120).
تلك المشاريع وضعت حلاً للقضية من المنظور الأمني الإسرائيلي، وليس الحل السياسي لعودة اللاجئين إلى حدود ما قبل عام 1967م، بل العودة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وتفريغ سكان المخيمات، وتوزيعهم على قرى ومدن يذوبون فيها (ص 121). يقول الكاتب: "المحاولات الإسرائيلية لم تتوقف، وتحاول فرض رؤيتها بأن التوطين هو الخيار الأكثر واقعية، وهي تستغل بذلك الواقع الفلسطيني المتأزم، وتراجع الخطاب الرسمي لفص رؤيتها وخطابها" (ص121) .
الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية 1918- 1924م
يعد الرئيس الأمريكي ودرولسون أحد الرؤساء الأكثر تأثراً بالصهيونية، حيث نشأ في بيئة دينية، وكان أبوه أحد رجال الكنيسة الإنجيلية المسيحية، وشعر بأنه يخدم الرب، بتحقيقه البرنامج الصهيوني، وإعادة الشعب اليهودي إلى الأرض المقدسية، وأيد وعد بلفور، وعندما تأكدت هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية 1918م قال: "أعتقد أن الأمم المتحدة قد قررت وضع حجر الأساس للدولة اليهودية في فلسطين، بتأييد تام من حكومتنا وشعبنا"، مما يعني أن الرئيس الأمريكي قد خالف هنا أحد أهم مبادئه التي أعلنها" لكل شعب الحق في تقرير مصيره" (ص172).
مع وصول لجنة كنج كرين إلى فلسطين عام 1919م، التي أوصت باستقلال سوريا وأنصفت الشعب الفلسطيني قام الرئيس الأمريكي بحجب تقرير اللجنة لمدة ثلاث سنوات التي اقترحت اللجنة في تقريرها منح حق تقرير المصير للفلسطينيين"، واحتفظ الرئيس ولسون سراً بمحتويات التقرير إلى ما بعد اجراء الترتيبات السياسية التي أدخلت عدو بلفور في صك الانتداب البريطاني على فلسطين" (ص175).
المصالحة الفلسطينية
سلط الكاتب الضوء فيها على الدور العربي في محاولة تحقيق المصالحة الفلسطينية، وإنهاء حالة الصدع، والانقسام لشطري الوطن على كافة الصعد الرأسية، والأفقية في النظام السياسي والمجتمعي الفلسطيني.
فقد سعت دول عربية عديدة إلى رأب الصدع بين الطرفين، وأوكلت ملف تحقيق المصالحة لجمهور مصر العربية بسبب ثقلها العربي، وعلاقاتها التاريخية والجيوسياسية مع قطاع غزة، وعن الدور المصري الأهم في مجال المصالحة الفلسطينية يشير الكاتب: "انفتحت حركة حماس على النظام المصري الجديد، وتم اتخاذ اجراءات لتخفيف الحصار على قطاع غزة، فنشطت حركة تجارة الانفاق وتضاعفت، وتم فتح معبر رفح بشكل يومي..." ولكن الأهم من ذلك زيادة التعاون على المستوى السياسي، الذي رأت فيه من شأنه تفكيك الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض على حكم حماس في غزة (ص226).
نقد تاريخي لبدء ملامح التطبيع في الوطن العربي عام 2019م
رفض الكاتب ربط ظهور مصطلح التطبيع في السنوات الأخيرة، وأرجع بدايات التطبيع العربي ـ الإسرائيلي إلى عقود مضت، وعد أن البعد العربي بعداً رئيسا في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ولذلك أصر على ابقاء مصطلح الصراع العربي ـ الإسرائيلي، على اعتبار أن المشروع الصهيوني مشروع قومي معاد ومناف للمشروع القومي العربي (ص237).
يجد المتتبع لمسيرة التطبيع في العالم العربي، أن بداية تقبل الآخر والتعايش مع وجوده قد بدأت قبل فترة طويلة من العلاقات الرسمية العربية الإسرائيلية، وقبل فترة طويلة من توقيع اتفاقيات السلام مع الكيان "إن بداية الإرهاصات الأولى للتطبيع، وتقبل دولة الكيان الصهيوني في الوطن العربي والتعايش معه، وأن تلك الاتصالات قد وجدت قبل إقامة الكيان نفسه"، بل أإها تساوقت واقعياً مع المشروع الصهيوني منذ بداية عشرينيات القرن الماضي، وعلى لسان الكاتب سليمان بشير صاحب كتاب جذور الوصاية الأردنية " أن الملك عبد الله قد وقع اتفاقيات تقاسم فلسطين مع الحركة الصهيونية في فبراير عام 1948م، حيث وقع ذلك رئيس وزراءه توفيق أبو الهدى، وقائد جيشه جلوب باشا من لندن، أن الملك عبد الله الذي عين من قبل جامعة الدول العربية قائداً عاماً للجيوش العربية قد دخل فلسطين طامعاً، وليس محرراً في حرب عام 1948م وأن ذلك ساهم في حدوث النكبة" (ص238).
الخطوة التونسية كانت المفاجئة للفلسطينيين والعرب في فترة الستينيات، حيث أعلن عن مشروع الحبيب بورقيبة للاعتراف بإسرائيل، والتفاوض معها ضمن المبدأ البورقيبي للتحرير المرحلي" خذ طالب"، وذلك بعد زيارته فلسطين خلال مؤتمر أريحا عام 1964م، أعلن عن مشروعه للأمة مع إسرائيل،
على الجانب الآخر شهد عام 1949م، مشاورات سرية بين الكيان وبين النظام السوري بقيادة حسين الزعيم، الذي أبدى موافقته على المشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بمنطقة الجزيرة، ولكن حدوث انقلاب سامي الحناوي أفشل الخطوة (239).
ولكن الخطوة التونسية كانت المفاجئة للفلسطينيين والعرب في فترة الستينيات، حيث أعلن عن مشروع الحبيب بورقيبة للاعتراف بإسرائيل، والتفاوض معها ضمن المبدأ البورقيبي للتحرير المرحلي" خذ طالب"، وذلك بعد زيارته فلسطين خلال مؤتمر أريحا عام 1964م، أعلن عن مشروعه للأمة مع إسرائيل، يقوم على المرحلية لضمان نجاح المشروع الوطني الفلسطيني، وبين أن سياسة المراحل لا تعني التخلي عن الهدف الاستراتيجي، وطالب العرب بالاعتراف بإسرائيل كأمر واقع، ولام كلاً من الفلسطينيين والعرب عدم قبول قرار التقسيم(ص239)
جاءت اتفاقية كامب ديفيد1979م كخطوة مصرية متسارعة، رفضتها الدول العربية وأعلن مقاطعتها للنظام المصري، ومع ذلك فإن الأنظمة العربية قد وافقت في سبتمبر عام 1982م، في قمة فاس على مشروع ولي العهد السعودي الأمير فهد للسلام مع الكيان الصهيوني، الذي شكل أول مشروع للسلام العربي مع الكيان الصهيوني، وتم فيه تبنى خيار السلام، واسقاط خيار الحرب، وشكل ذلك أرضية للمشاريع العربية، التي استندت على مبدأ الأرض مقابل السلام، وعلى الاعتراف الضمني العربي بإسرائيل مقابل الانسحاب إلى حدود عام 1967م، وقيام دولة فلسطينية (ص242 ).
الدراسة بمجملها تستحق القراءة والمطالعة لما فيها من طروحات مغايرة، قدمها الكاتب في قالب تاريخي وسياسي اتسم بالنقد والتحليل.
المفكرون الشموليون لا يعول عليهم للخروج من الغيبوبة الثقافية
الخط المغربي.. مستودع الجمال الأمازيغي الفظّ
العلاقات الأردنية ـ الفلسطينية.. تاريخها وواقعها ومستقبلها