نشرت
صحيفة "
نيويورك تايمز" الأمريكية مقال رأي لكاتب العمود روس دوثات، تحدث فيه
عن التهديد النووي الذي ربما أصبح الآن أقرب من أي وقت مضى بعد التصريحات الأخيرة للرئيس
الروسي، فلاديمير
بوتين، بشأن تصعيد الحرب في أوكرانيا، واستخدام أسلحة الدمار الشامل.
وقال
الكاتب، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إنه على مدى ما يقارب ثمانية عقود، ارتبط احتمال اندلاع حرب نووية بحسابات استراتيجية معقّدة لا تتجزأ عن أنظمة القيادة
والسيطرة، وتخضع لمناورات حربية شاملة. لكن كل تحليل أو محاولة للتنبؤ باستخدام الأسلحة
النووية يعود إلى نقطة غير قابلة للقياس، ألا وهي: كيف سيختار الممثل البشري التصرف
في اللحظة الحاسمة؟
يرى
الكاتب أن هذه المعضلة تستحق التأمل؛ لأن العالم ربما يكون الآن أقرب من أي وقت مضى
إلى استخدام الأسلحة النووية، ويعتمد ذلك على الحالات العقلية غير المعروفة للديكتاتور
الروسي بوتين.
يمكن
القول إن خطاب فلاديمير بوتين هذا الأسبوع، الذي أعلن فيه عن تعبئة واسعة النطاق في
حربه ضد أوكرانيا، قد جعل الخطر النووي أقرب قليلًا، وجعله يُعمّق الصراع التقليدي.
لكن التهديد النووي لطالما ارتبط باليأس الروسي في الخروج منتصرين من هذا الصراع، وهو
ما أكدته الخطوة الأخيرة التي اتخذها بوتين. ومن شأن هذه السياسة، التي لا تحظى بتأييد
شعبي، جعل حكومة بوتين أكثر عرضة للخطر داخليًا مما كانت عليه من بداية الحرب حتى هذه
اللحظة، بينما لا تعد بأي يقين من النجاح العسكري. في أحسن الأحوال، قد تساعد التعبئة
روسيا على التمسك بانتصاراتها المحدودة والمكلفة للغاية. وفي أسوأ الأحوال، سوف تدفع
المجندين البائسين أكثر نحو جبهة منهارة.
وأشار
الكاتب إلى أن خطاب التعبئة كان صريحًا في وعده بأنه لن يُسمح ببساطة بالانهيار الكامل،
حتى لو كان ذلك يتطلب استخدام الأسلحة النووية، وبذلك يعلن بوتين بشكل أساسي أن روسيا
تنوي استيعاب أوكرانيا داخل نطاقها من خلال تنظيم استفتاءات في المناطق المحتلة منها.
وبوعده بالدفاع عن الأراضي الروسية "بكل الوسائل المتاحة لنا"، يتعهد بوتين
بالدفاع عن الانتصارات بضربات نووية تكتيكية على الأقل.
يخلق
هذا الوضع ديناميكيات محفوفة بالمخاطر؛ نظرًا لعدم توازن قوى الترويع، حيث تهدد القوى
النووية العظمى بعضها البعض بانتقام شامل، بينما الخطر الأكبر يكمن في سوء التقدير
أو الحادث البسيط الذي أوصلنا إلى الهاوية عدة مرات في الماضي. بدلاً من ذلك، لدينا
صراع نشط وحرب ساخنة، حيث تحاول قوة غير نووية تحقيق نصر باستخدام القوى التقليدية، بينما يحاول الجانب الآخر رسم خط أحمر للانتشار النووي. بعبارة أخرى، إذا استمرت الحرب
في مسارها الحالي، فسيواجه الطرف الآخر خيارًا فوريًا بين الخيار النووي والهزيمة.
أوضح
الكاتب أن أقرب مثال من الحرب الباردة لما يحدث حاليا رغبة فيدل كاسترو في استخدام
الأسلحة النووية السوفيتية للدفاع عن نظامه ضد الغزو، أو طلب دوغلاس ماك آرثر الإذن
باستخدام الأسلحة النووية لمنع الهزيمة الصريحة في الحرب الكورية. وكلاهما مثال مشابه للحالة الحالية، إذ لم يكن الاستخدام المزمع للأسلحة النووية في إطار تبادل الهجمات، بل تدخلًا تكتيكيًا لمنع الهزيمة المتوقعة.
ولعل
الاستثناء في هذه الحالة هو أن صانعي القرار الرئيسيين، بوتين ودائرته الداخلية، يتعرضان
للتهديد الفوري، متمثلًا في خطر الإطاحة بهم، من خلال إمكانية التعرض لهزيمة تقليدية
في حرب أوكرانيا، أكثر من تعرض الولايات المتحدة للتهديد من احتمال الهزيمة في كوريا، أو تعرض الاتحاد السوفيتي للتهديد من خلال احتمال الإطاحة بكاسترو.
وحسب
الكاتب، هذا لا يعني أننا يجب أن نتوقع من بوتين استخدام الأسلحة النووية. فالتهور
التاريخي العالمي لمثل هذا القرار له عواقبه التي يحتمل أن تدمر النظام، إمكانية التصعيد
إلى حرب صريحة مع الناتو، والتخلي التام عن روسيا من قبل أصدقائها المتبقين، والانهيار
الكامل لاقتصادها.
مع ذلك،
لا يمكن المراهنة على الحرب النووية بالطريقة التي نراهن بها على النتائج الأخرى. لنفترض
أن هناك فرصة 20 بالمئة "فقط" لكسر المحرمات النووية؛ سيظل هذا رقمًا مرعبًا
وليس مطمئنًا. وبينما كان داعمو أوكرانيا في الغرب الذين يميلون حاليًا إلى التقليل
من المخاطر النووية محقين كثيرًا بشأن هذه الحرب، فإن أكثر ما كانوا محقين بشأنه هو
أن بوتين مقامر متهور تحرّكه دوافع أيديولوجية. ماذا يعني ذلك بالنسبة للخطر النووي؟
أخبارًا سيئة.
تطرق
الكاتب أيضا لنقطة مهمة، وهي أن الدعم الأمريكي لأوكرانيا جيد وضروري، إلا أنه ستأتي
لحظة تتباين عندها أهداف أوكرانيا ومصالح الولايات المتحدة، وهو ما تفعله التقدمات
العسكرية الأوكرانية والتهديدات النووية الروسية، وهي اللحظة التي يريد عندها الأوكرانيون
المضي قدما، بينما يطلب الأمريكيون التفاوض وضبط النفس.
ويتفهم
الكاتب استعداد كييف لقبول درجة غير عادية من المخاطر النووية قد تصل حد امتصاص ضربة
نووية في سبيل ضمان سلامتها الإقليمية. وفي معركة من أجل الحرية، يريد الأوكرانيون
أن ينظر أطفالهم إلى الوراء ويقولوا إنه في أعظم أزمة كان آباؤهم شجعانا. ومثلما تبين
أن رعب ريغان من الحرب النووية كان حاسمًا لإرثه، فإن سياسات جو بايدن -الناجحة حتى
الآن- لن تُقيّم على أساس ما تحققه للأوكرانيين المحاصرين فقط، وإنما على أساس سلام
العالم بأسره.