يحتل السلوك السياسي للأحزاب
العربية في الداخل الفلسطيني، منذ انتخابات الكنيست في العام 2015، حيزاً سلبياً
في العمل السياسي الفلسطيني في المناطق المحتلة عام 48، بالرغم من كل الادعاءات
والمزاعم التي تضمنها خطاب الأحزاب العربية المنضوية تحت لائحة القائمة المشتركة
آنذاك، والتي نقضها السلوك المشين لبعض الأحزاب ورموزها بالتوصية على وزير الحرب
بيني غانتس من قبل أيمن عودة، الأمين العام للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة،
والمتزعم للقائمة العربية المشتركة، مع منصور عباس، نائب نائب رئيس الحركة الإسلامية-
الشق الجنوبي، وصولاً لتحضير الحملة الأخيرة للانتخابات القادمة في تشرين الثاني/
نوفمبر القادم، وما رافقها من انكشاف حملة الطعن والغدر بحزب التجمع الوطني
الديمقراطي، بالالتفاف على ما تم الاتفاق عليه مع ممثل التجمع سامي أبو شحادة.
والتسريبات الصوتية التي كُشف
عنها عقب تقديم اللوائح الانتخاب، تنم عن الانحدار الكبير الذي وصلت إليه بعض
القوى والشخصيات الممثلة للمجتمع الفلسطيني عام 48، خصوصاً بعد الارتياح الصهيوني
لخطوة محاولة شطب التجمع والذي عبر عنه د. دورون متسا، الباحث المسؤول عن الدراسات
المتعلقة بـ"العرب في إسرائيل" في "معهد أبحاث الأمن القومي"
في جامعة تل أبيب، ورأى في مقال نشره في موقع يديعوت أحرنوت أن "إقصاء التجمع
الوطني الديمقراطي عن القائمة المشتركة، بواسطة الجبهة الديمقراطية للسلام
والمساواة والحركة العربية للتغيير، يمثل "انتصارا كبيرا" للمشروع
الصهيوني، ويكرس "الخط الحديدي الفاصل" بين الرغبة الصهيونية في إشراك
العرب في النظام السياسي للدفع بالاندماج الاقتصادي في إسرائيل، في الوقت الذي يتم
فيه إبعادهم عن عملية تشكيل وتحديد ما وصفها بـ"الأجندة القومية" لدولة
إسرائيل، وذلك في إشارة إلى عقيدة "الجدار الحديدي" لجابوتينسكي. كما
أكد أن النائبين أيمن عودة وأحمد الطيبي "يحاولان اللحاق" بنهج منصور
عباس "البراغماتي النفعي" الذي يتجنب القضايا السياسية ويشدد على
القضايا الاقتصادية والاجتماعية ويعترف بإسرائيل دولة يهودية".
محاولات البعض في الجبهة
الديمقراطية للسلام والمساواة والحركة العربية للتغيير، والحركة الإسلامية الشق
الجنوبي، أن يقدم نفسه كمن يطرح مفهوماً آخر من حيث الشكل بالتحالفات، لكنه من حيث
الجوهر، يمثل انعكاساً لمفهومها السلبي، بل امتداداً ومكملاً لحملة الإقصاء والشطب
الصهيوني لحزب التجمع الوطني، وحرباً على برنامجه السياسي ووجوده، بعد سلسلة طويلة
من حملة الشيطنة والتهم الملفقة التي لوحق بها الحزب ومؤسسوه وممثلوه في الكنيست
على التوالي منذ تعاقبهم على هذا المنبر كممثلين للهوية الوطنية الفلسطينية، وكرموز
نجحت في تفكيك زيف المواطنة الإسرائيلية وفضح ديمقراطية "يهودية الدولة"،
في الوقت الذي تسعى فيه بعض الأحزاب العربية ورموزها للعودة تحت عباءة المؤسسة
الصهيونية، من خلال حصر إشراك صوت أصحاب الأرض الأصلانيين في الخطاب المطلبي
اليومي الخدمي واللحاق بـ"النهج البراغماتي النفعي"، بعيداً عن القضايا
السياسية التي تمس الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة عام 48.
وذلك ليس بعيداً عمن قبل
بالمفهوم الإسرائيلي لـ"المواطنة"، وتحديد وحصر الهوية وفق ما ترتأيه
قوانين المؤسسة الصهيونية لسكان البلاد وأصحابها التاريخيين، مفهوم أصبح للبعض
نبراساً للتوجهات الإسرائيلية في هذا المضمار، وفي عناوين التحالف الانتخابي كوديعة
مسالمة للأحزاب المتأسرلة سراً.
والحقيقة أن الشارع الفلسطيني
داخل الخط الأخضر في المثلث والجليل والنقب، خبِر المقترحات والمشاريع الانتخابية
الصادرة عن جهات مدعومة من المؤسسة الصهيونية على حساب أرضهم وهويتهم وتاريخهم
ووجودهم، وعندما نجحت القائمة المشتركة، في الانتخابات الأخيرة للكنيست 2019، انتهج
قادة القائمة العربية المشتركة (منصور عباس بالتناوب مع أيمن عودة) المراوغة
والتضليل في أعقاب تشكيل حكومة بديلة لحكومة نتنياهو بالإنضمام للائتلاف الحكومي
بزعامة نفتالي بينيت، وإلقاء المسؤولية على "المخربين" في إشارة للأسرى
الفلسطينيين في المعتقلات الصهيونية، فالبعض لم يعد يمتلك براعة جدية في التخلص من
الخطاب والسلوك المأسرل لبرنامجه ومشروعه المحكوم بضوابط ومحددات صهيونية.
وبالعودة لهذه الضوابط، لا بد
من التأكيد على أنها لم تكن وليدة الانتخابات وتعاقب التنافس على التمثيل العربي
في الكنيست فحسب، إنما تبلورت في سياق الحرب المخاضة على حزب التجمع منذ نشأته قبل
ربع قرن، والذي غرد خارج سرب الأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني، وشكل صداعا
وقلقا مستمرا للمؤسسة الصهيونية بالطروحات التي قدمها عن المؤسسة الصهيونية
باعتبارها مشروعاً استعمارياً قام على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني، سكان البلاد الأصليين
وأصحابها التاريخيين إلى الأبد.
كثرت محاولة المؤسسة
الصهيونية لاستيعاب حزب التجمع وتشويهه منذ البداية، وسنّ آرئييل شارون قانونه
الشهير ضد المؤسس (بشارة)، ثم تعرض معظم قادة التجمع ونشطائه لملاحقات سياسية ولتلفيق
تهم أمنية. ويبرز اليوم خصوم التجمع في القائمة المشتركة في خطوة "الإقصاء"
غير بعيدين عن الأهداف الصهيونية، التي لن يكتب لها النجاح لإخراس الصوت العربي
المعبر فعلاً لا قولاً عن هوية ووجود أصلاني في معركة الحفاظ على الهوية الوطنية
والسياسية لأصحاب الأرض. ولأن التجمع يحمل منطقاً وسلوكا وبرنامجاً واضحا في هذا
الأمر من حيث العوامل المصيرية الحاسمة التي تحيط بعمله وبرامجه، لم يكن أمر
التآمر عليه عفوياً أو حزبياً يدخل في باب التنافس، بقدر ما يشكل هذا الأمر أيضاً
نقطة انطلاق جديدة وجدية للتجمع، سيلعب دوراً مهماً ويقع على عاتقه سواء أعاد
شوكته في حلق الكنيست أم انتظر.
أخيراً، تحصين التجربة يقتضي
تصليب شوكة حزب التجمع الوطني الديمقراطي، قبل الانتخابات وبعدها، لمواجهة معركة الشطب
والأسرلة والتصهين، التي تجعل من العمل الحزبي والسياسي لممثلي الأقلية العربية
الفلسطينية فوق أرضهم التاريخية غير قادر على صون وحماية وجودهم الطبيعي، والتصرف
كأصحاب أرض أصلانيين لا يتوسلون مواطنة وخدمات وحقوق ممن سلبهم أرضهم ويحاول عبرنة
وطمس تاريخهم.
وهذا هو الفرق بين من يعتمد
البراغماتية النفعية في العلاقة مع المستعمر، وبين من يعمل على خلق حركة شعبية
وسياسية فاعلة بهوية عربية وطنية تجعل من ترسيخ ثقافتها وسياستها في طورها النضالي
عملية كفاح مستمر ضد المستعمر، لا تقبل المساومة والمرواغة على "تمثيل"
برلماني تنظر له مكاناً لإشهار شوكتها ولتحصين وجودها، وهي له في الشارع والمدينة
والقرية والحاكورة.