ينتظر المواطن المصري بفارغ الصبر، الحصول على خطة واضحة من الحكومة، ترسم طرق الخروج والنجاة من الأزمة الاقتصادية الراهنة، باعتبارها الموكلة من جانبه للإدارة والقادرة على التصرف وحسن القرار، لكنه دائما يصاب بـ«خيبة أمل»، لأن ما يحصل عليه ليس أكثر من «روشتة مكررة»، لم تعد تصلح ــ من وجهة نظر البعض ــ لمعالجة اختلالات الاقتصاد.
فى الفترة الأخيرة، تحدث وزيران مهمان فى الحكومة
لشبكة «بلومبرج» الأمريكية، هما محمد معيط، وزير المالية، وهالة السعيد،
وزيرة التخطيط، بالإضافة إلى سامح شكرى، وزير الخارجية خلال إلقاء كلمة مصر
فى اجتماعات الأمم المتحدة، وطرح الوزراء الثلاثة رؤيتهم ــ التى تعبر
بالقطع عن وجهة نظر الدولة المصرية ــ للتغلب على الصعوبات والتحديات
الاقتصادية التى تواجهها البلاد، وكانت أبرز النقاط والحلول التي قدموها
كالآتي:
ــ الرغبة فى التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولى للحصول
على قرض جديد فى غضون شهر إلى شهرين، ليكون بمثابة رسالة طمأنة وثقة
للأسواق الدولية.
ــ محادثات مع اليابان بشأن قرض يصل إلى 500 مليون دولار سيتم توجيهه لمجالات مختلفة بما فى ذلك المشاريع الصديقة للبيئة.
ــ يوجد احتمال يتمثل فى اقتراض ما يصل إلى مليارى دولار عبر إصدار أول صكوك فى البلاد، أو سندات إسلامية.
ــ
مصر على علم أيضا بخطة محتملة من قبل صندوق النقد لتقديم تمويل طارئ للدول
التى تواجه صدمات فى أسعار الغذاء.. وإذا كنا مؤهلين لهذا، فسنستخدم
بالتأكيد مثل هذا التسهيل.
ــ مصر تهدف إلى جمع ما يصل إلى ستة مليارات دولار قبل منتصف العام المقبل عن طريق بيع حصص فى شركات مملوكة للدولة.
ــ
ضرورة تجاوب الدول المتقدمة مع مطلب إطلاق مبادرة عالمية بين الدول
الدائنة والمدينة، تهدف إلى مبادلة الديون وتحويل الجزء الأكبر منها إلى
مشروعات استثمارية مشتركة.
الملمح الأساسى للأفكار التى عرضها الوزراء
الثلاثة، أنها رؤى كلاسيكية قديمة ومعتادة تأتى من داخل الصندوق الذى نلجأ
إليه دائما، واختبرناها فى أوقات كثيرة، ولم تصل بنا إلى نتائج ملموسة تؤشر
إلى أننا على الطريق الصحيح، أو تسمح لنا برؤية ضوء فى آخر النفق.
لم
يقدم وزراء الحكومة حلولا مبتكرة وغير تقليدية لتجاوز عثرات الاقتصاد،
وركزوا بشكل أكبر على الحلول السهلة المتمثلة فى الاستدانة لتسديد فواتير
الديون القديمة، وغابت عنهم التصورات الحقيقية للنهوض بالاقتصاد وتنمية
الصادرات وتقليل الواردات وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والحقيقية،
التى توفر فرص عمل جديدة لملايين الشباب.
ربما يرى البعض أن ما طرحه
الوزراء الثلاثة، هو الحل الوحيد القابل للتنفيذ حاليا، من أجل عبور أزمة
خانقة تشكلت نتيجة ظروف لم يكن للحكومة دخل فيها، مثل تداعيات جائحة كورونا
والحرب الروسية الأوكرانية، وما نتج عنهما من ارتفاع كبير فى أسعار الوقود
والسلع الغذائية الأساسية ومستلزمات الإنتاج، وأن مصر التى شهدت منذ شهر
مارس الماضى، خروج 22 مليار دولار من سوق الدين المحلى ولم يكن لديها أى
تدفقات مالية كبيرة، تحتاج إلى مثل هذه الحلول السريعة وبشكل عاجل حتى
تستطيع عبور التحديات الاقتصادية التى تمثل خطرا حقيقيا على استقرار
الأوضاع فى البلاد.
هذا الكلام قد يكون صحيحا، إذا كان مجرد توجه عابر
فى لحظة زمنية محددة، ولعلاج أزمة طارئة فرضت نفسها على الجميع، لكننا هنا
فى مصر، ندرك ونعرف جيدا أن هذا التوجه العابر الذى تلجأ إليه بعض الدول فى
أوقات الأزمات الصعبة، هو النهج الدائم للحكومات المصرية المتعاقبة منذ
سنوات طويلة، وليس فى هذه المرحلة على وجه الخصوص، وإن كان هناك توسع كبير
فى الاستدانة خلال السنوات الأخيرة، للإنفاق على مشاريع غير مربحة على
المدى القصير.
المطلوب حقيقة هو ألا تتحول «الروشتة المكررة» لعلاج
اختلالات الاقتصاد إلى نهج سرمدى لا نهاية لها، ومن ثمة نقع فريسة لإدمان
الاستدانة، بدلا من البحث الجاد عن الآليات المطلوبة لدعم الصناعة الوطنية
وإزالة العقبات التى تواجهها، والتعامل الجاد مع مشاكل القطاع الخاص من أجل
إيجاد حلول جذرية لها، خصوصا مسألة توفير مستلزمات الإنتاج الضرورية
لدوران عجلة التصنيع المحلى، والإنصات بكثير من الاهتمام لصوت مجتمع
الأعمال خلال المؤتمر الاقتصادى المنتظر عقده فى الأسبوع الأخير من شهر
أكتوبر الجارى، حتى يتم تهيئة البيئة المناسبة للاستثمار فى مصر.
كذلك
يجب ترشيد الإنفاق الحكومى إلى الحد الأقصى، وتوجيه هذه الأموال نحو بناء
مشروعات تحقق عوائد اقتصادية كبيرة وتوفر فرص العمل لملايين الشباب، وتسمح
فى الوقت ذاته بزيادة حصيلة البلاد من العملات الأجنبية بدلا من البحث
المضنى عن قروض جديدة تضاعف من حجم الديون المتراكمة على الدولة المصرية.
(الشروق المصرية)