احتفل أبو علي بوتين مبكراً بضم الأقاليم الأوكرانية الأربعة
إلى أحضان روسيا، وجيشه يعاني من تباريح الهزائم المتتالية، وغالباً ما يستر المنهزمون
هزائمهم بزينة الحفلات وقرع الطبول، فالصخب يستر الأنين كما تستر أوراق التين
العورة.
ومن ضروب الغناء في المقابر احتفال الأسد بحرب تشرين
التحريرية التي خسر فيها السوريون أرضاً وكرامة، وهي الحرب التي انتصب بائع
الجولان بها دكتاتوراً "إلى الأبد". أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
في خطبة "الجمعة السعيدة"، ضمّ مقاطعات لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا
إلى روسيا الشاسعة، مرسلاً بها رسالة من تحت النار إلى الغرب إعلاما بحدود روسيا
الجديدة، مفادها أنه منذ الآن سيحارب دفاعاً عن أرض أجداده، والحرب قائمةٌ على قدم
وساق، وهي بين كرّ وفرّ، الفرّ أكثر.
الأرض تتمدد بالحروب وتتقلص بالمعارك. وصف بوتين الأرض
المضمومة -والضمّ أقوى من الفتح في حركات الإعراب العسكري- بأنها أرض أجداده..
القوة أوثق وثيقةٍ ملكية على الأرض.
التقارير الإخبارية القادمة من ميدان المعارك عن الجيش
الروسي المقدام تذكّر ببطولات جيش أبي شحاطة السوري، عند ذكر فرار عشرات الآلاف من
الشباب الروس من الحرب، بعد إعلان بوتين التعبئة، حتى أنَّ مغنياً شهيراً انتحر، ليس
خوفاً من الموت بنار الحرب، وإنما حتى لا يضطر إلى القتل، فقال المغني: بيدي لا
بيدك يا بوتين.
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطبة "الجمعة السعيدة"، ضمّ مقاطعات لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا إلى روسيا الشاسعة، مرسلاً بها رسالة من تحت النار إلى الغرب إعلاما بحدود روسيا الجديدة، مفادها أنه منذ الآن سيحارب دفاعاً عن أرض أجداده، والحرب قائمةٌ على قدم وساق
وكان بوتين بعد خساراته المتتالية قد دعا إلى التجنيد
الإجباري،
ففرّ الشباب إلى الحدود، خفافاً وثقالاً، برّاً وجوّاً، غير متحيزين إلى
فئة ولا متحرفين لقتال، فكيف يؤمل نصر من جيش يحارب بجنود مكرهين سيقوا إليها سوقاً؟
إنّ أسباب هزائم بوتين أنه لم يعد للحرب عدتها العسكرية
والعقائدية، ولم يوطئ لها المواطئ ويثكّن لها الثكنات.. انظر إلى أمريكا أيها
القارئ، في قارتها البعيدة وراء أعالي البحار وأخافض الأرض، كيف تحيّنت لغزو
العراق، فحاصرته حتى استوى على سوقه، ثم أردفت الحصار، فناءت عليه بكل الأسلحة
الثقيلة. وكانت قد استغلت احتلال الكويت، فدعت للثبور وعظائم الأمور حرصاً على
شرعة الأمم المتحدة وحدود الدول، إلا دولة إسرائيل، فلكل قاعدة "غاي". وسوى
ذلك كان لها في العراق جيوش من الموالين يقاربون نصف الشعب العراقي من كرد وشيعة،
بمثابة طلائع المشاة. ثم إنها اختارت للحرب دولة إسلامية لا تدين بدين الغرب، زعمت
أن رئيسها يدّخر أسلحة كيماوية وتدمير شامل، فحاربت العراق تجويعاً وحصاراً.
كان بوتين قد اتهم أوكرانيا بصناعة أسلحة جرثومية أيضاً،
لكنه لم يحسن ديباجة الحرب كما فعلت أمريكا، ولم يؤلب العالم بالتحالفات كما فعلت
أمريكا التي جنّدت كل دول الأرض تقريباً.
الغرور بالقوة واحد من أسباب الحروب، سوى الطمع والغيرة
الحضارية، وهناك سبب أمريكي وإسرائيلي للحرب، وهو الانتخابات، ولم يكن بوتين يحتاج
إلى أضحية الانتخابات، فهو يفوز فيها من غير نصَب وعذاب. المختصر أن بوتين ساق
أسباباً للحرب على أوكرانيا لم يقنع بها شعبه حتى يقنع بها العالم، وبرهان ذلك
هروب عشرات آلاف الروس من الجندية الروسية، فكشف بوتين ضعف الوطنية الروسية.
انتصارات روسيا القديمة والكبيرة في حروبها مع فرنسا وألمانيا مردّها أمران، أولهما أن الشعب كان يدافع عن أرضه، والثاني هو الطبيعة القاسية للأرض، آزرتها قسوة المناخ، فاجتمعتا ضد الغازي، وهو ما حصل لأوكرانيا هذه المرة. فروسيا غازية، وعالقة في سبخات أوكرانيا وغاباتها
إن انتصارات روسيا القديمة والكبيرة في حروبها مع فرنسا
وألمانيا مردّها أمران، أولهما أن الشعب كان يدافع عن أرضه، والثاني هو الطبيعة القاسية
للأرض، آزرتها قسوة المناخ، فاجتمعتا ضد الغازي، وهو ما حصل لأوكرانيا هذه المرة.
فروسيا غازية، وعالقة في سبخات أوكرانيا وغاباتها، التي غاص فيها الجيش الألماني
في الحرب العالمية الثانية.
الحاصل أن السوريين على الوجه الأخص قد سعدوا بخسائر
عدوهم اللدود الذي
جرب في سوريا 320 نوعاً من السلاح، من غير خصومة أو عداوة أو
ثأر، سوى زعم بوتين أن الشيشان يحاربون في سوريا، أو خوفه على روسيا من انتشار الأصولية
في دولة تبعد عنه آلاف الأميال.
وجد السوريون من يثأر لهم من الروس، فرأينا بوتين صاحب
مشية السرطان، يتواضع، فيجلس مع مرؤوسيه على طاولات حميمة غير طاولات نهر المسيسبي،
ويسحب كثيراً من عتاده من سوريا، ويخطب بالدين والأخلاق ولاهوت الثورة والحرب ضد الإمبريالية
العالمية. كما أنه بات يكرر أكاذيب الإعلام السوري، فيجمّل انكساراته العسكرية، فيصفها
بأنها انسحابات أو يعزوها إلى الحرب مع ثلاث وخمسين دولة، كما كان الإعلام السوري
يفعل بردّ
خسائره إلى اجتماع بضع وثمانين دولة عليه.
وتثير صور العساكر الروس المسربّة من خطوط المعركة
الشفقة والسخرية معاً، فهم لا يجدون ما يستدفئون به من البرد سوى الفودكا، ولا
يجدون ما يأكلونه من الجوع سوى معلبات طعام منتهية الصلاحية. وأظهرت تقارير تسليح المجندين
الجدد بأسلحة صدئة، وسخرية ضباطهم منهم وقولهم إنهم سيكونون ذخائر مدفعية. وبرزت
مشاهد تعفيش للعسكر الروسي من بيوت المدنيين الأوكران، وأخرى لقبور جماعية قيل
إنها لمدنيين أوكران، جاء في ذكر أسباب قتلهم أنّ المدنيين عرفوا بأمكنة تمركزهم
الخفيّة.. الجهل يقتل لكن العلم أقتل أحيانا.
وجد السوريون من يثأر لهم من الروس، فرأينا بوتين صاحب مشية السرطان، يتواضع، فيجلس مع مرؤوسيه على طاولات حميمة غير طاولات نهر المسيسبي، ويسحب كثيراً من عتاده من سوريا، ويخطب بالدين والأخلاق ولاهوت الثورة والحرب ضد الإمبريالية العالمية. كما أنه بات يكرر أكاذيب الإعلام السوري، فيجمّل انكساراته العسكرية
يبقى أن حظ النازحين الروس والنازحين الأوكرانيين أوفر
من حظ النازحين السوريين، فالدول المجاورة ترحب بالنازحين الروس، وهم جنود غالباً،
وتشجعهم على الانشقاق والهرب إضعافاً للجيش الروسي، أما ترحيبهم بعائلات الأوكران فمردّه
العطف الديني.
لم يحسن بوتين الاستفادة من تجارب روسيا القديمة وخبرات
الأمم وقراءة التاريخ، ولم يُجد استعمال وسائل الفن والسينما بسبب ضعف صناعة الإعلام
والسينما وسواهما من وسائل التواصل في روسيا. ثم إن شبكة الإنترنت أمريكية، فروسيا
دولة عظمى بالسلاح، ودولة عالم ثالث بالمعيشة، لذلك سارع إلى ضم ما اقتضمه بعد
سبعة أشهر، وذلك لطف منه.
يقرّ كثيرون أن أمريكا خدعت العالم ومكرت بشعبها أيضاً، فأقنعته
بالحرب العراقية والحرب الأفغانية، وصنعت أفلاماً تمجد الأمريكي الذي ترك أهله
ومدنه العامرة من أجل تحرير العراقيين من الظلم والدكتاتورية. مثال ذلك فيلم خزانة
الألم الذي حاز على الأوسكار وغيرها، وخلبت ألباب طائفة من العراقيين جلّهم من الشيعة
والأكراد آزروا حربه وناصروه.
تهديد "فتوة" روسيا باستعمال القنبلة النووية هو تهديد اليائس، وقد أرخص لنفسه بها، باستعمال أمريكا لها في الحرب العالمية الثانية مع أنها ستضرّه قبل أن تضرَّ أعداءه. وكانت أمريكا قد ألقت قنبلتين في أرض اليابان البعيدة عنها، ولم يكن سوى هاتين القنبلتين النوويتين وقتها
ولم نر أوكرانياً يحمد الغزو حتى في الأقاليم الحدودية
التي زعم الإعلام الروسي أن سكانها يعانون من النازية الأوكرانية، كما أن أمريكا
أمدّت جندها بأحسن الغذاء والشراب، ووفرت لهم أحسن وسائل الترفيه في الصحراء، حتى
إنها نقلت بالطائرات أطنانا من الآيس كريم من الولايات المتحدة، فالجندي الأمريكي
جندي أحسن تدريباً وتعبئة من الجندي الروسي.
إن تهديد "فتوة" روسيا
باستعمال القنبلة
النووية هو تهديد اليائس، وقد أرخص لنفسه بها، باستعمال أمريكا لها في الحرب
العالمية الثانية مع أنها ستضرّه قبل أن تضرَّ أعداءه. وكانت أمريكا قد ألقت قنبلتين
في أرض اليابان البعيدة عنها، ولم يكن سوى هاتين القنبلتين النوويتين وقتها،
وكان للقنبلتين اسمان طريفان، هما: الولد الصغير والرجل البدين، وأنهتا حرباً
عالمية وصفت بالثانية ترتيبا. ويهدد بوتين بالثالثة، وسيعرض بلاده لقنابل نووية لم
تكن منتشرة في الحرب العالمية الثانية كما هي شائعة الآن.
لا يُعرف ما يكون اسم القنبلة التي أفتى له الشيخ
رمضان
قديروف بقذفها على الجيران، فقد خسر الرجل كثيرا من مقاتليه الذين دُفعوا إلى
الصفوف الأولى، ولم يبق في القرى الشيشانية سوى الثكالى.
twitter.com/OmarImaromar