بعد خسارة
روسيا مدينة ليمان الاستراتيجية التابعة لمقاطعة دونيتسك شرق
أوكرانيا، إلى ذلك فقد أقر المتحدث باسم الانفصاليين في مقاطعة لوغانسك (شرقي
أوكرانيا) أمس الاثنين بأن القوات الأوكرانية استطاعت اجتياز حدود المقاطعة في
محور ليسيتشانسك، فقد أعلنت القوات الأوكرانية تقدمها لاستعادة "مدن المثلث".
(سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك وروبيجني)، وهي أهم مدن مقاطعة لوغانسك. وقد اعترفت
وزارة الدفاع الروسية بيانها الأخير أمس الاثنين، بأن القوات الأوكرانية استطاعت
اختراق دفاعاتها على محوري زولوتايا بالكا وألكسندروفكا.
فقد بدأت
الأوراق تختلط، والمعادلات تتغير، وبدأت المعطيات تأخذ شكلا جديدا
لصالح أوكرانيا، وهو ما أثر سلبا على النظرة للقوة الروسية، ورفع من معنويات الجيش
الأوكراني على ما تكبدته الأخيرة من خسائر في الأرواح. وقد اعترفت روسيا السبت الفائت
بخسارة مدينة ليمان التي حاصرتها القوات الأوكرانية قبل أيام من استعادتها، في حين
دعا الرئيس الشيشاني
رمضان قديروف موسكو لاستخدام
أسلحة نووية صغيرة في أوكرانيا
بعد ما أسماها "الهزيمة".
وإذا نظرنا بعمق إلى مجريات الحرب منذ بدايتها حتى اليوم، سنرى بشكل ملحوظ تطورات
ميدانية واضحة لصالح أوكرانيا؛ إذ يكفي أن الجيش الروسي عجز عن التقدم في كثير من
الجبهات، ولم يستطع إحداث اختراقات جديدة أكثر من تلك التي أحدثها في الشهرين
الأولين من الحرب التي مضى عليها حتى الآن نحو ثمانية شهور، ناهيك عن عدد القتلى
والجرحى والمعدات العسكرية الذي تكبدته القوات الروسية.
شكلت هذه الانتهاكات للأراضي الأوكرانية تهديدا جيوسياسيا إقليميا، كان لا بد من ردعه بشتى الوسائل الممكنة حتى لا يتكرر مع حدود دول أخرى تحيط بروسيا، إذا هي استسهلت الأمر، علما بأن روسيا لم تلحق الأذى بأوكرانيا وحسب، بل ألحقته بنفسها وبحلفائها على حد سواء
وقد شكلت هذه الانتهاكات للأراضي الأوكرانية تهديدا جيوسياسيا إقليميا، كان لا
بد من ردعه بشتى الوسائل الممكنة حتى لا يتكرر مع حدود دول أخرى تحيط بروسيا، إذا
هي استسهلت الأمر، علما بأن روسيا لم تلحق الأذى بأوكرانيا وحسب، بل ألحقته بنفسها
وبحلفائها على حد سواء، ووضعت كثيرا من الدول في حالة حرج إزاء التعاطي مع الأزمة وحيرة
الاصطفاف، ناهيك عن خسارتها لعلاقات مهمة مع بعض دول أوروبا بنتها عبر سنين طويلة..
لقد تورطت روسيا في أوكرانيا ورطة كبيرة، وكان قرار شن الحرب على أوكرانيا أغبى
قرار يتخذه بوتين منذ تولى السلطة..
سيناريوهات:
إزاء جملة الأحداث التي مرت منذ بداية الحرب في 24 شباط/ فبراير2022
يمكن وضع سيناريوهات لما ستؤول إليه الأمور من بعد، ذلك أن الحرب توشك أن تضع
أوزارها، كما يخيل لي، ذلك أن استمرارها ليس من مصلحة روسيا، والحال تقتضي تدخل
طرف كتركيا في لحظة ما لتوافق روسيا على وقف الحرب بشروط لن يتم قبولها من قبل
أوكرانيا وحلفائها، وشيئا فشيئا سيصار إلى أحد السيناريوهات التالية:
الأول: وهو الأكثر احتمالا أن يتم حدوث انقلاب قد يكون دمويا على بوتين، لأن الحرب
قد تطول في ظل عقوبات قاسية تزداد يوما بعد يوم، وبسبب عدد القتلى والاستنزاف
الاقتصادي للحرب. فروسيا تنفق على الحرب المليارات التي يصعب تعويضها، بسبب العقوبات
الاقتصادية، والتي لم يظهر أثرها ثرأبعد
بشكل مؤثر، لكن سرعان ما ستعاني روسيا منها، لا سيما أن الصين بدأت تغير موقفها من
الحرب، وربما كانت الأمل الوحيد الذي عول عليه بوتين لتقديم قروض لبلاده، وربما
بعض أنواع الأسلحة. وفي حين يتناقص مخزون روسيا من الأسلحة فإن مخزون أوكرانيا هو
مخزون دول حلف الأطلسي مجتمعة، وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا
وإيطاليا، وهي الدول الأقوى في الحلف، والتي بدأت تزود أوكرانيا بأسلحة حديثة
ومؤثرة في الحرب.
في حين يتناقص مخزون روسيا من الأسلحة فإن مخزون أوكرانيا هو مخزون دول حلف الأطلسي مجتمعة، وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وهي الدول الأقوى في الحلف، والتي بدأت تزود أوكرانيا بأسلحة حديثة ومؤثرة في الحرب
الثاني: أن يوافق بوتين على شروط أوكرانيا وحلف الأطلسي بالخروج من كل الأراضي
الأوكرانية التي احتلها، وهو احتمال ضعيف، لكنه ممكن. لا سيما في ظل اختلال
الموازين، والانهيار الاقتصادي القادم حتما؛ فحاليا بوتين
يحارب الناتو، وليس
أوكرانيا فحسب؛ فلولا أسلحة الناتو لسقطت كييف منذ فترة طويلة.
الثالث: أن يقوم بوتين باستخدام سلاح نووي تكتيكي (قنابل قليلة الأثر، تدمر مناطق
جغرافية محدودة)؛ بما يجعل احتمال الرد من قبل الناتو قائما، بقنابل من ذات الحجم،
وهو ما قد يؤدي شيئا فشيئا إلى حرب نووية تنتهي بهزيمة مذلة لروسيا وفناء نصف سكان
الأرض على الأقل. ويصبح هذا الاحتمال ممكنا في حال وصول بوتين إلى حالة إحباط
شديدة، إذا ما استمرت انتصارات الجيش الأوكراني.
الرابع: أن يستخدم بوتين سياسة الأرض المحروقة بدلا من الأسلحة النووية التكتيكية،
وهو أيضا ما قد ترد عليه أوكرانيا بصواريخ أرض أرض فتاكة تزودها بها الولايات
المتحدة؛ قادرة على ضرب العمق الروسي، مما قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة. وهو أمر
غير مستبعد، خصوصا إذا انضمت أوكرانيا لحلف الناتو الذي يعطي الحق في الدفاع عن
أوكرانيا بشكل مباشر وعلني، وربما كان الطلب العاجل الذي تقدمت به أوكرانيا قبل
أيام للانضمام لحلف الناتو جاء بدفع من أحد أعضاء الناتو، وليس بمبادرة أحادية من زيلينسكي،
مع أن طلب الانضمام تم رفضه من قبل الولايات المتحدة على لسان مستشار الأمن القومي
جيك سوليفان الذي رأى أن الوقت غير مناسب لقبول عضوية أوكرانيا في الحلف، مؤكدا
على استمرار ضخ المساعدات العسكرية لها.
ربما كان الطلب العاجل الذي تقدمت به أوكرانيا قبل أيام للانضمام لحلف الناتو جاء بدفع من أحد أعضاء الناتو، وليس بمبادرة أحادية من زيلينسكي، مع أن طلب الانضمام تم رفضه من قبل الولايات المتحدة على لسان مستشار الأمن القومي جيك سوليفان الذي رأى أن الوقت غير مناسب لقبول عضوية أوكرانيا في الحلف، مؤكدا على استمرار ضخ المساعدات العسكرية لها
الخامس: أن تتوقف الحرب من خلال هدنة طويلة، على أن تبدأ مفاوضات بين البلدين، تؤول
في النهاية إلى خروج روسيا من كل الأراضي الأوكرانية، مع احتمال أن توافق أوكرانيا
على طلب محتمل من روسيا بأن تظل دونيتسك وخيرسون وزابوريجيا ولوغانسك مناطق معزولة
السلا، وتأجيل المفاوضات حول شبه جزيرة القرم.
السادس: أن تكتفي روسيا بما حققته من الاستيلاء على الأقاليم سابقة الذكر وأن تعلن عن
تحقيق أهدافها، لا سيما وقد أمنت حدودها من جهتي الشرق والجنوب باحتلال الأقاليم
المحاذية لها لتجعل منها قواعد متقدمة لأي حرب يمكن أن تنشب بين الدولتين مستقبلا،
وهو ما لن تقبل به أوكرانيا، وستستمر المناوشات طويلا، بما يشبه حرب الاستنزاف إلى
أن توافق روسيا على التحكيم الدولي الذي سيعيد هذه الأقاليم لأوكرانيا؛ وهو ما
يعني هزيمة دبلوماسية وعسكرية في آن معا.
في النهاية ستخرج روسيا من المناطق التي احتلتها مؤخرا، وستظل شبه جزيرة القرم
محل خلاف، وسيظل الرئيس الأوكراني زيلينسكي مصرا على تحريرها بأي ثمن مهما طال
الزمن؛ فقد أثبت صلابة وتحديا استثنائيا لروسيا، وهو يقارعها بطريقة غاية في العناد والإصرار مع فارق القوة بين
الدولتين، حتى لكأنك تحس بأنه عسكري مخضرم خاض الكثير من الحروب، ولولا مواقفه غير
المبدئية من القضية الفلسطينية لصفقنا له طويلا.