نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا أعده بينويت فوكون، قال فيه إن الطبقة المتوسطة في إيران آخذة بالتقلص، لأول مرة منذ عقود؛ نتيجة للعقوبات الأمريكية والفساد وسوء إدارة الاقتصاد.
وقال إن الاحتجاجات التي شلت إيران لثلاثة أسابيع، بدأت بسبب حجاب، لكنها حركة واسعة تغذيها الطبقة المتوسطة الغاضبة من انهيار الاقتصاد.
وأضاف في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أن الطبقة المتوسطة في الحواضر الإيرانية هي التي تقود التظاهرات في عدد من المدن منذ وفاة مهسا أميني، في 16 أيلول/ سبتمبر، وهي فتاة عمرها 22 عاما احتجزتها شرطة الأخلاق لخرقها قانون الزي في البلاد.
وتم تنظيم الاحتجاجات عبر تناقل الأخبار والتعليمات الشفوية، ووسعت مداها منصات التواصل الاجتماعي، وتحولت الشكاوى من حقوق المرأة إلى مطالب بإنهاء نظام الحكم، الذي يسيطر على كل مجالات الحياة في البلاد.
اقرأ أيضا: مقتل 63 شخصا جنوب إيران.. والاحتجاجات مستمرة
وعلق مصطفى باكزاد، رجل الأعمال في طهران، الذي يقدم النصح للشركات الأجنبية حول استراتيجيتها التجارية، بأن "ثالوث المرأة والتكنولوجيا والفقر هي الوقود وراء التظاهرات".
وقال: "يشعر الناس أن حياتهم ضاعت حرفيا ضمن القيود التي يواجهونها".
وأشارت الصحيفة إلى أن الطبقة المتوسطة وفرت الاستقرار للجمهورية في مرحلة ما بعد ثورة 1979، ومثلت العجلة الاقتصادية وسط العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الأخرى؛ بسبب برنامجها النووي وتكنولوجيا الصواريخ الباليستية ودعمها للإرهاب في المنطقة.
واستمرت الطبقة الوسطى بالنمو على مدى العقود الأربعة منذ الثورة، وشكلت نسبة 60% من سكان البلد، وبنظام تعليمي قوي يخرج الأطباء والمحامين والمهندسين والتجار، رغم الحرب المدمرة وانهيار أسعار النفط أكثر من مرة.
وتواجه الطبقة المتوسطة تضخما بنسبة 50%، وانخفاضا في قيمة العملة، ووصلت أدنى مراحلها في السنة الحالية.
واليوم، يعيش ثلث السكان في مستوى الفقر مقارنة بنسبة 15% عام 2015، وتقلصت الطبقة المتوسطة لكي تمثل أقل من نصف سكان البلد.
وينمو الغضب منذ سنوات عدة؛ بسبب الترهل الاقتصادي، وفشل الحكومة في إحياء الاتفاقية النووية التي رفعت العقوبات عن إيران مقابل الحد ولفترة مؤقتة من برنامجها النووي.
وقتل 50 شخصا على الأقل منذ بداية التظاهرات، وسط تقديرات بأرقام أعلى، وتم جرح واعتقال الآلاف، بحسب منظمات حقوق الإنسان.
واستهدفت العقوبات الغربية صناعة النفط والقطاع المالي، وهما عاملان مهمان في شل اقتصاد البلاد الذي قطع عن الدولار.
وبحسب استطلاع نشرته جامعة ميريلاند وإيران بول في كندا، قبل عام، وشارك فيه 1000 شخص، فإن نسبة 63% من الإيرانيين يحملون الحكومة وسوء إدارتها للاقتصاد والفساد المشاكل الاقتصادية وليس العقوبات.
وكانت إيران واحدة من أهم مصدري النفط في العالم، وبقدرة 6 ملايين برميل في اليوم في السبعينيات و4 ملايين برميل حتى عام 2016، والتي انخفضت إلى 2.5 مليون برميل في اليوم.
ويقول الاقتصاديون إن المنافع من النمو في مرحلة ما بعد الوفاء قد توقفت بسبب التضخم المستمر.
وتراجعت نسبة التوظيف للمتخرجين من الجامعات بنسبة 7% في مرحلة ما بعد العقوبات، وكذا رواتب العمال الحرفيين بنسبة 20%، وذلك بحسب أرقام صندوق النقد الدولي التي نشرت هذا الأسبوع.
اقرأ أيضا: عقوبات غربية على إيران بسبب "القمع".. وطهران تنتقد بايدن
وبعد موجة من التظاهرات التي بدأت مع العام الحالي، من إضرابات عمال النفط والمدرسين، الذين رأوا أن رواتبهم هبطت لمستوى ما تحت الفقر، قال العمال إنهم وجدوا صعوبة في الحصول على المواد الأساسية مثل السباغتيتي ولحم البرغر.
ودعت الاتحادات العمالية أفرادها للانضمام إلى الحركة، وإنهاء قانون فرض الحجاب الذي اتهمت أميني بخرقه.
وفي الأيام الأخيرة، التقط طلاب جامعة العلامة طباطبائي الفكرة وهتفوا: "الفقر، الفساد، الطغيان والموت للديكتاتورية".
وأخبر فرشاد مومني، مدير معهد الدراسات الإسلامية في الإنسانيات، وهو مركز بحث مستقل، وكالة "إيلانا" شبه الرسمية، أن مستوى انتشار الفقر في إيران غير مسبوق منذ القرن الماضي، وربما أدى إلى زعزعة استقرار البلد.
ودعا عدد من قادة البلاد الحكومة للاستماع إلى المتظاهرين.
وقال حسين نور همداني، المقرب من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، وعبر موقعه على الإنترنت في الشهر الماضي: "من الضروري أن تستمع السلطات للناس وحل مشاكلهم". إلا أن مطالب المتظاهرين بإنهاء النظام وسقوط الحكومة لم تنجح؛ فمساحة المناورة لديهم ضيقة.
وشجب خامنئي، الأسبوع الماضي، المتظاهرين، بأنهم جماعات شغب يحركهم الأعداء الأجانب مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، وأثنى على الطريقة التي تعاملت فيها السلطات مع المتظاهرين.
وقال خامنئي: "هذا ليس عن الحجاب في إيران، ولكن عن إيران الإسلامية المستقلة والمقاومة".
وبالنسبة للكثيرين من أبناء الطبقة المتوسطة في إيران، ما بعد 1979، فقد سمحت حرية التجارة وصناعة المال لتخفيف حدة سخطهم من النظام والقمع السياسي، وفرض نظام محافظ على مجتمع علماني.
ووزعت السلطات الثروة النفطية التي كانت متركزة لدى النخبة في عهد الشاه، ما أدى لتحسن العناية الصحية والمدارس وبرامج العائلة. ومنح النظام التعليمي القوي سكان الأرياف بطاقة للتنقل وملكية البيوت، وبشهادات جامعية فتحت الباب أمام مهن مثل الطب والقانون.
وبحلول عام 2015، كان مؤشر النمو الإنساني في إيران، وهو مقياس الأمم المتحدة الذي يضم المساواة الاجتماعية ومستويات التعليم وتوقعات الحياة، أعلى من المكسيك وأوكرانيا والبرازيل وتركيا.
وفي ذلك العام، عول الإيرانيون على الاتفاقية التي وقعتها أمريكا والدول الأخرى مثل روسيا والصين مع إيران أن تنهي عزلة بلدهم. ولم تترك الاتفاقية إلا أثرا محدودا، حيث سحبت الشركات الأجنبية استثماراتها بعد فوز دونالد ترامب عام 2016، وخروجه من الاتفاقية عام 2018، وإعادة فرضه العقوبات، ونظاما جديدا من العقوبات.
وطالما وضعت الطبقة المتوسطة ثقتها بالمرشحين الإصلاحيين مثل حسن روحاني الذي قاد البلاد في المرحلة ما بين 2013 – 2021، إلا أن الاستطلاعات كشفت عن فقدان الأمل بالتغيير عبر صندوق الاقتراع.
وشهدت انتخابات العام الماضي نسبة متدنية من المشاركة، بعدما بدا أن خامنئي لن يسمح حتى بمرشح إصلاحي رمزي في الانتخابات الرئاسية.
وأكد الرئيس إبراهيم رئيسي، الذي تولي النظام القضائي القمعي مرة، على اقتصاد الكفاية والمقاومة والتعامل التجاري مع الصين وروسيا بدلا من الغرب.
وقالت سنام وكيل من معهد "تشاتام هاوس" في لندن: "في إيران، لا يوجد صمام محرر، لا فرص اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، فقط سحابة من القمع".
وفي عامي 2017 و2019، شهدت إيران تظاهرات تجذرت في السخط الاقتصادي، وقامت السلطات الإيرانية بقمعها، وقتل فيها 100 شخص.
كيف اكتسبت حركة الاحتجاج الأخيرة في إيران قوتها؟
أتلانتك: من بيروت إلى طهران.. جيل يثور ضد النظام الإيراني
NT: هل ستنجح مظاهرات إيران في إزاحة النظام عن السلطة؟