رفضت
إسرائيل الأسبوع
الماضي قرار
روسيا الخاص بضم أربع مناطق أوكرانية إليها، بعد استفتاءات شكلية
مطعون في شرعيتها ومصداقيتها. الرفض الإسرائيلي بدا منفصماً ومتناقضاً مع الوقائع
الراهنة والسياسات الإسرائيلية بشكل عام، كون تل أبيب ضمّت إليها بشكل مماثل وغير
قانوني؛ مدينة القدس
الفلسطينية وهضبة الجولان السورية، وهي مناطق محتلة حسب
الشرعية والمواثيق الدولية، ناهيك عن رفض وممانعة مواطنيها للاحتلال الإسرائيلي، كما
صدور قرارات عن مجلس الأمن الدولي ترفض الضمّ؛ تجاهلتها
الدولة العبرية ضمن سياسة ومنهجية ومتعمدة مدعومة أمريكياً وغربياً في رفض قرارات
وتوصيات الأمم المتحدة وتجاهلها كأنها لم تكن.
تمكن بل تجب
قراءة الرفض الإسرائيلي في عدة سياقات تاريخية وفكرية وسياسية وواقعية؛ أولها
الانفصام وإنكار الوقائع في فلسطين والمنطقة والعالم. فإسرائيل دولة محتلة في
فلسطين وسوريا، تماماً كما هي روسيا في أوكرانيا وسوريا، ولا يمكن تصور أن ترفض تل
أبيب، كما قالت عن حق ذات مرة صحيفة هآرتس العبرية (25 شباط/ فبراير)، الغزو
والاحتلال الروسي ثم ضمّ مناطق أوكرانية بشكل غير شرعي بينما تفعل الأشياء نفسها
في فلسطين وسوريا والمنطقة بشكل عام، مع الانتباه إلى أنها تحتل أيضاً مزارع شبعا
السورية، وكانت ضمّت إليها أيضاً بشكل غير شرعي منطقة أم الرشراش (إيلات) المصرية.
إسرائيل دولة محتلة في فلسطين وسوريا، تماماً كما هي روسيا في أوكرانيا وسوريا، ولا يمكن تصور أن ترفض تل أبيب، كما قالت عن حق ذات مرة صحيفة هآرتس العبرية (25 شباط/ فبراير)، الغزو والاحتلال الروسي ثم ضمّ مناطق أوكرانية بشكل غير شرعي بينما تفعل الأشياء نفسها في فلسطين وسوريا والمنطقة بشكل عام
في أسباب الرفض الإسرائيلي
ثمة بُعد فلسطيني جوهري يتعلق بإجراء روسيا استفتاء على الانفصال؛ أظهرت نتائجه
موافقة مواطني المناطق المعنية على الانضمام إليها، وإن
كان هذا الاستفتاء مطعونا في شرعيته ونزاهته خاصة مع اعتراف العالم كله وحتى روسيا
نفسها إلى وقت قريب بسيادة ووحدة أراضي أوكرانيا، بينما تخشى إسرائيل أن يبادر
الفلسطينيون في الأراضي المحتلة لتنظيم استفتاء مماثل للاستقلال عنها. وعلى علاقة
وثيقة، تخشي كذلك من الذهاب إلى الأمم المتحدة لرفع مكانة دولة فلسطين المعترف
طبعاً بها بصفة مراقب؛ إلى دولة كاملة العضوية، وهي الخطوات التي تتحسب منها إسرائيل
ولا تعترف بها مسبقاً. ومن هنا رفض انفصال المناطق الأوكرانية واعتراف روسيا
باستقلال تلك المناطق قبل ضمّها رسميا، علماً أن الأمر نفسه ممكن أن تفعله المناطق
الفلسطينية مع إعلان الاستقلال وطلب الانضمام إلى الأردن مثلاً أو حتى إلى مصر،
ولو في سياق اتحادي كونفيدرالي أو ما شابه.
لا بد من الإشارة
كذلك إلى البعد المتعلق بالقانون الدولي، حيث تبدّى التناقض والانفصام أيضاً في إدانة
إسرائيل ولو على استحياء للغزو الروسي والضم، بحجة تناقضهما مع القانون الدولي. ثم
ارتفعت اللهجة أكثر مع الوقت ومع تزايد الجرائم الروسية في أوكرانيا، بينما تفعل (إسرائيل)
الشيء نفسه في فلسطين، حتى أن رئيس وزرائها يائير لبيد تحدث عن مجارز ارتكبتها
روسيا في مدينة بوتشا الأوكرانية، رغم مواصلة حكومته ارتكاب مجازر موصوفة ضد
الفلسطينيين ما أدى إلى استشهاد أكثر من 110 مواطنين فلسطينيين في الضفة الغربية (خُمسهم
من الأطفال) خلال العام الجاري فقط. ويصل العدد الإجمالي للشهداء إلى أكثر من 160
شهيدا مع 50 آخرين خلال العدوان على غزة في آب/ أغسطس الماضي، أكثر من نصفهم من
النساء والأطفال.
ثمة بعد دولي يتعلق برغبة تل أبيب في الانضمام إلى ما تصفه المعسكر الغربي المتنور والمتحضر، وهو ما يفعله الآن يائير لبيد على عكس سلفيه نتنياهو ونفتالي بينيت المتماهين أكثر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واليمين المتطرف والفاشي في أوروبا
كما رفض لبيد الاعتذار
حتى عن قتل عائلات بكاملها هناك، ناهيك عن اغتيال الإعلامية شيرين أبو عاقلة
المتعمد، ومدنيين شباب وأطفال عزّل في الضفة الغربية خلال الأيام الأخيرة، بمن
فيهم الطفل ريان سلامة الذي ترفض إسرائيل حتى الاعتراف بمسؤوليتها عن استشهاده.
في الرفض الإسرائيلي
للقرار الروسي ثمة بعد دولي يتعلق برغبة تل أبيب في الانضمام إلى ما تصفه المعسكر
الغربي المتنور والمتحضر، وهو ما يفعله الآن يائير لبيد على عكس سلفيه نتنياهو ونفتالي
بينيت المتماهين أكثر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واليمين المتطرف والفاشي في
أوروبا.
هنا نلمس أيضاً تزلفا
ونفاقا صارخا، ولكن في الاتجاه المعاكس، كون هذا العالم الغربي المتحضر والمتنور
لا يتصرف تجاه إسرائيل كما يفعل مع روسيا، رغم أن الفعل هو نفسه بما في ذلك الاحتلال
والضمّ والتهجير القسري والتغيير الديموغرافي.
في البعد الدولي
أيضاً تسعي إسرائيل إلى التقرب من الولايات المتحدة وترضيتها على أعتاب مرحلة حاسمة
تتعلق بترسيم الحدود البحرية مع لبنان، الذي تتوسط فيه واشنطن مباشرة، كما دخول مفاوضات
العودة للاتفاق النووي مع إيران التي تقود العاصمة الأمريكية أيضاً مراحلها
النهائية.
نحن أمام دليل إضافي على حالة التناقض والانفصام التي تعيشها إسرائيل، حيث الاحتلال هو نفسه مثل روسيا، كما ارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني ورفض الشرعية الدولية أو الالتزام بمواثيقها وقراراتها
وبما أن واشنطن
تقود الحرب ضد روسيا فلا تستطيع تل أبيب البقاء بعيداً، وهي مضطرة لمجاراة الرغبات
الأمريكية حتى دون المشاركة الفعلية في المعركة، بل
الحرب متعددة المستويات ضد روسيا، علماً أنها رفضت حتى الآن الانخراط جدياً في العقوبات
الأمريكية والغربية الاقتصادية ضد موسكو.
في كل الأحوال
نحن أمام دليل إضافي على حالة التناقض والانفصام التي تعيشها إسرائيل، حيث
الاحتلال هو نفسه مثل روسيا، كما ارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني ورفض الشرعية
الدولية أو الالتزام بمواثيقها وقراراتها.
وقبل ما سبق وبعده لا بد من الإشارة إلى حرص إسرائيل الدائم على عدم إغضاب
روسيا أو الانخراط جدياً في الحرب ضدها، ومن هنا ضرورة الانتباه إلى أن الرفض الإسرائيلي
لقرارات الضم الروسية لم يكن بسقف عال ودون استخدام لغة عدائية حادة ضدها، لتحاشي
إغضاب موسكو. والأمر هنا لا يتعلق فقط بالسعي لإمساك العصا من المنتصف بنفاق
وانتهازية أو الشعور بالتشابه بين النموذجين الأوكراني والفلسطيني، أو حتى التنسيق
الأمني لمواصلة الهجمات والغارات ضد مواقع إيران ومليشياتها في سوريا فقط، وإنما كذلك
بالرغبة الإسرائيلية في مواصلة استقبال المهاجرين اليهود من كلا البلدين (روسيا وأوكرانيا)
أيضاً وخلال العام العبري الماضي (أيلول/ سبتمبر 2021 إلى الشهر نفسه من العام 2022)
استقبلت إسرائيل 60 ألف مهاجر، ثلثاهم من روسيا وأوكرانيا، وهي تتوقع استقبال عدد أكبر
خلال العام العبري الجديد أيضاً.