مخطئ من يعتقد أن هناك نظاما عربيا قائما بذاته، وأعني بالنظام – مؤسسة الحكم – إحدى المشاكل التي نعاني منها هي في غياب النظام أو الأنظمة العربية إذا شئنا التعدد، ما نشهده هو تراكم تاريخي لامتناع السياسة وجدب الفكر جعل من الفرد صانعاً للنظام وممثلاً له وعنه.
بإمكاننا اليوم أن نسمي نظام دولة عربية باسم زعيمها أو رئيسها أو قائدها دونما إدراك منا لما تعنيه كلمة نظام في الحقل السياسي المعاصر الذى نعايشه في حين أننا لم نسمع عن نظام " بوش " أو بلير أو شيراك مثلاً، أن النظام الفعال هو الذى يجعل من الأفراد مجرد مدخلات in-put وليسوا كينونة النظام نفسه، وبالتالي فإن أزمتنا ليست ديمقراطية بقدر ما هي أزمة انقطاع عن العصر وامتناع السياسة بداية ما يسمى بالحكم العضوض في بداية القرون الهجرية، " فالأنظمة العربية " في أحسن صورها عشائرية أو حزبية ضعيفة تستمد وجودها من قوتها في بسط نفوذها واستبعاد أخطار زوالها بشتى السبل والوسائل، فالدولة في المنطقة العربية مقلوبة من الأساس، حيث النظام يشكل الدولة وليست الدولة بمعطياتها وخصوصياتها خالقه للنظام، مع السماح ببعض الفروق الجوهرية بين بلدان وطننا العربي الكبير التي توجد بها الدولة ككيان ولكن الاختناقات تبدو في عدم مرونة وسهولة الحراك الديمقراطي بالرغم من وجود المؤسسات فيها، في حين أن معظم الدول العربية تعاني من وجود الدولة في ظل الفرد وعندما يزول ذلك الظل أو يختفي تبدأ الدولة في تلمس أطرافها من خطر الانهيار والتفكك.
إن النظام الحقيقي هو ذلك الذى يُحيدُ نزعات الفرد الذاتية ويؤطرها داخل إطار المصلحة العامة، حتى تلك الإيجابية منها لابد من مرورها داخل إطار المصلحة العامة وآلياته. ولعلي أسوق مثالاً واحداً لأحد الأنظمة العربية وليس بأسوأها على الإطلاق، لقد حارب السادات عام 73 ضمن إطار المصلحة العامة للأمة والمتمثلة في تحرير الإرادة والتراب العربي المحتل من الغاصب المعتدي وفي ذلك إجماع الأمة يبدو جلياً. وقد سالم السادات عام 77 ضمن ما اعتقده " هو " في إطار المصلحة القومية كذلك فكان تأثير ذلك شديداً على الأمة بأسرها فقد يستطيع الفرد التعبير عن إرادة الأمة في لحظة ما ولكن ليست كل لحظة، فلو كان النظام العربي الذى أعنيه قائماً لكان لكلا الفعلين والموقفين درجة واحدة في التقييم ولأمكن قياس نتائجها بدقة وبحساسية أكبر ويمكن قياس الكثير من الأمور على ذلك، حرب الخليج الأولى والثانية ودخول القوات الأجنبية في المنطقة حتى الموقف من الحرب في أفغانستان، إن حالة الانفصام بين " الأنظمة " والشعوب في منطقتنا العربية سوف تزداد يوماً بعد آخر، وظاهرة الرجوع الى المرجعيات الدينية والأثنية سوف تستمر نتيجة لفشل إقامة دولة النظام المدني الذى يعتمد أسساً جديدة، لقد اثبت التاريخ أنه لا بديل عن الصراع والعنف ومشاريع الحروب الأهلية إلا بنظام يحقق للجميع قدراً من المساواة في الحقوق والواجبات وتقليل مستوى الاستلاب بين طبقات المجتمع إلى الحد الذى يشعر معه الفرد بنوع من الاكتفاء ومزيد من الشعور بالإنسانية. فالأمر كما اعتقد ذو شقين فيما يتعلق بوضعنا الراهن كأمة تنشد النهوض بين الأمم، هناك أزمة ديمقراطية في بعض الدول العربية ذات التراكم التاريخي فيما يتعلق بتراث الدولة والتعددية وهناك حاجة ماسة لإقامة الدولة في مناطق متعددة في أجزاء عالمنا العربي بالوسائل السياسية المتاحة بحيث تصبح هي الأساس (( أي الدولة )) ومواطنها هو عنصر الحراك السياسي والاجتماعي لان الأشكال السياسية التي نراها ليست لها علاقة بالدولة وأن اكتست بحلتها وزينتها، واسألوا رومانيا بعد سقوط " نظام " تشاوشيسكو أو الفليبين بعد سقوط نظام ماركس أو إندونيسيا بعد سقوط نظام سوهارتو لقد دفعت تلك الشعوب ثمناً باهظاً لإقامة الدولة، ويبقى العمل على ترسيخها وتقويتها أمراً من الممكن التعامل معه بمرور الأيام قد لا يحتمل الأمر كل ذلك في منطقتنا العربية، ولكن يبقى مشروع إقامة الدولة في بعض دولنا العربية وتطوير مؤسساتها في بعضها الآخر أمراً لا يحتمل التأجيل.