ثنائية النفس
والجسد:
كما للجسد أمراض فإن للنفس أمراضا،
وإن كانت أجزاء الجسد وأدواته من قلب نابض وكلية ورئتين وغيرها من الأدوات
المعروفة تمرض فيعزى لعجزها انتهاء الأجل، كذلك الأمراض النفسية التي تصيب أدوات وأجزاء
المنظومة العقلية قد يعزى لها انتهاء الأجل، وما بين المنظومة العقلية والجسد
تجتمع النفس التي سوّاها الله جل وعلا مع هذا الجسد، وأعطاها الميزة الآدمية للنفس
البشرية الآدمية وهي بمنظومتها العقلية.
المنظومة العقلية
تتكون من الدماغ وما فيه، حيث تستقر النفس بمتميز أدواتها، اللب والقلب (ليس المضخة
التي في الجوف)، والفؤاد ذلك الجهاز المعالج للأحاسيس، والسمع والبصر، وما هو معروف
من أجزاء أخرى ووظائف حيوية وحياتية؛ هذه تمرض أيضا، فالفؤاد قد لا يميز الصواب
عند اختلاط مدلولات المشاعر، أو نتيجة فكرة مسبقة مخزونة في اللاوعي. كذلك قد تُخدع
العين فيما ترى إما بخداع البصر أو بتحليل فؤادي عاطفي لمشهد ما، فيبني عليه القلب
حيث موطن التفكير في الصدر، الذي هو الجبهة.
الصحة النفسية:
لا يعتبر الدكتور
أحمد عكاشة أن الصحة هي عكس المرض، كما يعرفها العلماء، بل هي جودة الحياة الجسدية
والنفسية والاجتماعية، ويضيف الروحية ويقصد الإيمان، وهذه الحقيقة مشمولة ضمنا في
عوامل الجودة، ويتحدث عن مكونات الصحة النفسية. ونلخص قوله بتصرف:
- قدرة الإنسان
على التكيف أمام الصدمات والمتغيرات وهو يعني الصمود، فهو الصبر إذن أو المطاولة،
وتجاوز الذات ومقاومة التقوقع حولها عندما يتعرض لضغوط مادية ومعنوية، وما يؤدي
للإحباط نتيجة التخلي وغيرها، لكنه يقف من جديد.
- الاستمرار في العطاء بكفاءة؛ لأن عجز
الإنسان عن العطاء والانطواء يعني أن صحته سيئة.
- المواكبة والتغلب على الإحباط.
- هو لا يتمحور
حول نفسه، وإنما يتمركز حول الآخر.
تعريف النخب
الذكية عالميا:
تذكر عدد من
التقارير التي عادة ما تجرى على شرائح -لكن لها ما يكفي من الدقة والمصداقية لأنها
تتبع أساليب منتقاة علمية-، أن الناس تنقسم إلى 60 في المئة من متوسطي الذكاء،
والبقية تتوزع مناصفة ما بين أقل من المتوسط وأعلى من المتوسط، وأن هنالك نحو 1 في
المئة ممن تفوق نسبة ذكائهم المعتاد لتصل منتصف ومضاعف النسبة المئوية، لكن بعض
هؤلاء تنقصه الكاريزما التي تجعل له القبول بين الناس، وهي الذكاء الاجتماعي
والشفافية التي تقربه من الناس العاديين، وإن كان مستوى ذكائه دون المتوسط.
في محيطنا، هنالك
نحو أربعة ملايين وفق هذه الفرضية من العباقرة، لكنهم غير فاعلين أو حتى ظاهرين،
بل يمكن أن يتعرضوا للإحباط بما يجعل منهم أناسا فاقدي القدرة على الحياة والتعامل
معها، فإما يهرب حيث يقدم ما عنده ويقيم أو يموت عمليا وهو في الحياة؛ ذلك لأن
البيئة ليست بيئة صالحة لهؤلاء العباقرة، ومنهم من يكون موسوعيا رهيبا في الإنتاج.
فما السبب؟ ما هو السبب في عطل
النخبة 20 في المئة التي تقدر وفق ذات الفرضية بثمانين
إلى مائة مليون، والتي واجبها الارتقاء بخدمات الناس وتطبيق الإبداع على الأرض، وأين
60 في المئة من متوسطي الذكاء الذين يفترض أنهم يعينون نخب الأمة على النهضة؟
الإحباط عند الناس:
الناس عموما
بحاجة إلى الضروريات، والضروريات تتسع مع التطور المدني، وهي التي تعطي الالتصاق
وتمهد للانتماء للأرض مع وجود فكر أو عقيدة أو أيديولوجيا ما، فعندما يكون هنالك
استبداد ونهب للثروات وفقدان للمساواة قبل أن يفكر الناس بالعدل، تغيب القيم؛ وبذلك
تفقد مرتكزات الانتماء والإحساس بالالتصاق. فمن يروه في الحكم يرون أنه لا يخدمهم،
بل هو حالة من المسالمة الهشة، وأن عطايا من يأتي للحكم جديدا، هي فرصة لاستحصال ما
يرونه حقا لهم منهوبا، وليس خُلقا أو ميزة لمن يسهر على راحتهم.
ومع الزمن، تأصل
هذا ليصبح من ضمن مسلّمات الشعوب المظلومة والمغبونة، وهو ما يصعب على المضحي من أجل
هذه الشعوب فهمه، فيتهمها بأنها لا تدافع عنه وهو من خدمها. ولا ترى لهذه الشعوب
أي رد فعل تجاه أي ظلم في العالم رغم تأثرهم كآدميين، فلا أجد مثالا لدفاع شعب عمن
خدمهم أو خدم عقيدتهم، إلا في الحالة التركية، حيث خرج الشعب ليسقط الانقلاب وهو أعزل،
ذلك لتكون الثقة والمصداقية بين النظام والشعب. وهذا أمر مهم وقائم على أساس علمي،
فالرئيس التركي حقق الأسباب العلمية للنجاح، وحاجة الشعب أتت به، وهو يعلم ما
سيفعل خلال المرحلة الأولى وعنده رؤية طويلة الأمد. وترى نسبة النجاح، وهي حاصل
ضرب العوامل الثلاثة، تحقق نسبة عالية سنة بعد أخرى، إضافة إلى الدعم الأيديولوجي
والمحصن بقناعات غير المنتمين تنظيميا له، أي الثقة.
إحباط النخبة من
النخبة:
أهم ما يحبط
النخبة
الإصلاحية، هي النخبة الفاسدة المؤثرة، فهذا يشعرها بالعجز، كما أن تعويم
النخب الإصلاحية وفقدان الاعتناء بها ورعايتها، غالبا إما يدمرها بحيث تصبح مريضة
لا أبالية أو أنها تهاجر. وغالبا ما يفقد الحوار بين النخبة فتعزل ذاتها عن التأثير
بتضاربها، والكارثة إن عبرت النخب الإصلاحية عن عجزها بالتحول إلى الطرف الآخر،
عندها تُحدث إبداعا في
الفساد.
(الأرقام
الإحصائية من الدكتور أحمد عكاشة وبرنامج بلا حدود).