أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في مصر وثيقة داخلية مؤرخة في 18 أيلول/ سبتمبر الماضي، حددت فيها ثلاث أولويات سياسية لها في المرحلة المقبلة "تحقيق المصالحة المجتمعية، وإنهاء ملف المعتقلين السياسيين، وبناء شراكة وطنية واسعة تتبنى مطالب الشعب في تحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي".
وأكدت الجماعة أن الطريق لتحقيق تلك الأولويات تتطلب منها "تجاوز الصراع على السلطة في ظل بيئة سياسية يُخيم عليها الاستقطاب والتحريض، وفي ظل مجتمع يواجه شبح الانقسام؛ لأن ذلك سيحول أي تنافس على السلطة إلى صراع واضطراب لا يخدم مصلحة الوطن ولا مصلحة الشعب".
وأضافت: "لذلك فإن مسؤوليتنا تفرض علينا تحديد شكل وماهية التموضع الواقعي الأنسب الذي يسمح للإخوان المسلمين بأداء دورها الحضاري، والمساهمة في إنقاذ الوطن، وبما يحقق أكبر قدر من المصالح المعتبرة لعموم الأمة".
وفي قراءة دلالات وأبعاد ما أعلنته الجماعة من ضرورة تجاوز الصراع على السلطة، تباينت آراء المحللين بين من يرى أن الجماعة اختارت بذلك الرجوع إلى ما كانت عليه قبل ثورة يناير 2011 دون أدنى تغيير، وبين اختيار الجماعة عدم الانخراط في أي صراعات سياسية ذات طابع حزبي، مع عدم استبعاد تولد قناعة في أوساط الجماعة تقضي باعتزال العمل السياسي في المرحلة الحالية، والتفرغ للعمل الدعوي والتعليمي والخيري.
وفي هذا الإطار رأى الأكاديمي والباحث في شؤون الحركات الإسلامية، الدكتور كمال حبيب أن "هذه الوثيقة أصدرتها جبهة لندن التي يقودها إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد في سياق صراعي مع جبهات أخرى في اسطنبول يقودها محمود حسين، وجبهة ثالثة تطلق على نفسها تيار التغيير الذي يقوده محمد المنتصر والمجموعة المتأثرة بأفكار محمد كمال، والتي تطلق على نفسها المكتب العام، وقد أصدرت هي الأخرى وثيقة مختلفة".
كمال حبيب.. باحث في شؤون الحركات الإسلامية
وأضاف: "بيد أن مجموعة منير هي الأكثر تعبيرا عن الجماعة، والوثيقة التي أصدرتها تعني عدم الانخراط في صراعات سياسية ذات طابع حزبي، مثل الترشح للانتخابات سواء البرلمانية أو الرئاسية، لكنها ستعمل على قضية المسجونين من الإخوان والسعي للإفراج عنهم، وكأنها ترسل رسالة للنظام أنها ليست في وارد أي صراع مع السلطة السياسية، لطمأنتها بأنها لا تمثل تهديدا لها، لفتح الباب لإمكانية إدخال أسماء من الإخوان ضمن سياق العفو السياسي عن المسجونين".
وواصل حبيب حديثه لـ"عربي21" بالقول: "وهي بذلك تعود إلى مرافئها التي كانت قد عبرت إليها في مطلع الألفية الجديدة، وما تلاها من السعي لبناء تفاهم وجسور مع القوى الوطنية والسياسية الأخرى في البلاد، لتحقيق مطالب الشعب الاقتصادية والاجتماعية، واحترام الكرامة الإنسانية".
وتابع: "وفي نفس الوقت العمل على تخفيف الاستقطاب الذي أنهك المجتمع وخلخل تماسكه الأخلاقي والاجتماعي، مضيفا "ويأتي هذا التوجه لقطع الطريق على توجهات وجبهات أخرى متنافسه مع من أصدر الوثيقه، ثم رسالة طمأنه للنظام السياسي وللقوي السياسيه فيه والقوي المجتمعية ومحاولة استعادة الصوره الاجتماعيه للإخوان التي اهتزت بقوه وتحتاج لإعادة البناء والترميم وصنع صورة جديده تعيد ثقة المصريين بالجماعة".
من جهته قال الكاتب والإعلامي المصري، عضو الفريق الرئاسي للرئيس محمد مرسي، أحمد عبد العزيز: "حسب قراءتي للبيان، فإنه يؤكد (في معظمه) على وجود جماعة الإخوان واستمرارها، في قلب (الجماعة الوطنية)، وأكد (أيضا) على أهمية الحوار مع جميع الفرقاء السياسيين، على اختلاف مشاربهم".
أحمد عبد العزيز.. كاتب وإعلامي مصري
وأردف: "وهو ما يعني أن الجماعة ستعود لسابق عهدها، قبل 25 يناير 2011 دون أدنى تغيير"، وأضاف: "أما مسألة عدم المنافسة على الحكم، فكثيرا ما رددت قيادات الجماعة في عهد مبارك أن مسألة الحكم غير مطروحة لدينا، إلا أن الجماعة نافست فيما دون ذلك، برلمان، نقابات مهنية، اتحادات طلابية، ولا يوجد في البيان ما يقيد المشاركة على هذا المستوى أو ينفيها".
وردا على سؤال "عربي21" حول ما يمكن استخلاصه من مراجعة الجماعة لمواقفها ومسيرتها السابقة، لفت عبد العزيز إلى أن البيان أكدّ له أن "قيادات الجماعة لم تستوعب الدرس، رغم التضحيات الهائلة التي شهدتها هذه السنوات الدامية.. فالجماعة حسب ما فهمته من البيان لا تريد أن تطلق يد أفرادها في العمل العام، بعيدا عن اسمها وشعارها".
وأضاف: "فقد عزَّ عليها إبان يناير 2011 أن تؤسس حزب الحرية والعدالة، ولا تكتب تحت لافتاته (حزب أسسه الإخوان المسلمين)، حتى أنها عندما قررت المنافسة في الانتخابات الرئاسية اختارت المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام، رغم وجود الدكتور محمد مرسي على رأس حزب (الحرية والعدالة) الذي أنشأته جماعة الإخوان في الأساس لخوض المنافسات السياسية".
وتابع: "وعلى الجماعة أن تهتم بالدعوة عموما، وتعتني بتربية أفرادها وتأهيلهم للاشتباك مع شؤون الحياة كافة، وفي القلب منها الشأن السياسي، وتترك لهم حرية المنافسة على أي مستوى، دون إظهار ارتباطهم بها، بأي صورة من الصور، ولها أن تعبر عن رأيها في أي من شؤون الحياة، من خلال بيان على موقعها الرسمي، أو في مؤتمر صحفي".
ودعا عبد العزيز الجماعة إلى "التحول لـ(جماعة ضغط) يسعى السياسيون لنيل تأييدها، بدل أن تكون طرفا منافسا لهم فيجرونها إلى أوحال السياسة، ولتترك لأفرادها مهمة المنافسة السياسية، وتكوين الأحزاب، أو الانتساب إليها".
وبدوره لفت الكاتب والباحث في شؤون الحركات الإسلامية، علي عبد العال إلى أن "هذه الوثيقة جاءت في ظل تقارير تتحدث عن جهود للمصالحة تبذلها دول عربية وإقليمية بين الجماعة والنظام المصري".
وأضاف لـ"عربي21": "فإن صح ما ذهبت إليه هذه التقارير عندها يمكن النظر إلى هذه الوثيقة باعتبارها تهيئة لمناخات وأوضاع من شأنها القبول بهذه المصالحة، خاصة لدى قواعد الجماعة وأيضا الرأي العام المصري".
علي عبد العال.. كاتب وباحث في شؤون الحركات الإسلامية
وعن احتمالية أن تكون الجماعة بإعلانها تجاوز الصراع على السلطة قد وصلت إلى قناعة باعتزال العمل السياسي في المرحلة الحالية، لم يستبعد عبد العال في ختام حديثه "أن تكون الجماعة قد وصلت إلى قناعة مفادها اعتزال العمل السياسي في المرحلة الراهنة، وتفرغها لجهود دعوية وتعليمية وخيرية، خاصة في ظل توجه عام يميل لهذا المنحى بعد الأحداث التي صاحبت تصدر الجماعة للمشهد السياسي في البلاد".
من"الصحوية" إلى "المذهبية".. أنساق دينية تتوارى وأخرى تنتعش
هل قدم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين نموذجا مستقلا ومؤثرا؟
هل فرض الشريعة بالقوة من أسباب الاحتجاجات في إيران؟