حلت الثلاثاء الذكرى الأولى "لانقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر"، الذي بدأ بفرض رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إجراءات سياسية، منها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين ليشمل إقالة واعتقال مسؤولين وسياسيين حزبيين، على رأسهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وعدد من وزراء حكومته، إضافة إلى إعلان حالة الطوارئ.
وحينها، اعتبر معارضون سودانيون أن ما قام به البرهان "انقلاب عسكري متكامل"، فيما نفى الأخير ذلك، قائلا إن "ما قمنا به ليس انقلابا عسكريا، وإنما هو تصحيح لمسار الثورة".
وأحيا الشعب السوداني هذه الذكرى عبر الخروج بمظاهرات شعبية في مدن سودانية عدة، أبرزها الخرطوم وأم درمان، ووفقا لنشطاء سودانيين فقد قُتل متظاهر في مدينة أم درمان نتيجة دهسه من قبل عربة عسكرية.
وأطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين الذين أحرقوا إطارات السيارات في شوارع الخرطوم، ورفعوا شعار: السلطة ملك للشعب والجيش له الثكنات.
وبحسب مرصد "نتبلوكس لمراقبة انقطاعات الإنترنت"، فإنه تم قطع خدمات الإنترنت أثناء المظاهرات.
الافتقار للحليف المدني
وتزامنت الذكرى الأولى للانقلاب مع صراع قبلي في ولاية النيل الأزرق، عجزت السلطات على إيقافه، ما نتج عنه مقتل أكثر من 200 مواطن ونزوح الآلاف.
وكان حاكم إقليم النيل الأزرق في السودان قد حذر في حديث إعلامي من توسع دائرة العنف والصراع القبلي ليشمل قوميات لم تكن طرفا في الصراع، لكنه في ذات الوقت تعهد بحسم الأوضاع وحل الأزمة.
وفي ظل هذا الانفلات الأمني وتزايد التظاهرات تُثار تساؤلات حول مدى سيطرة المكون العسكري الحاكم الفعلي الآن للسودان على الأوضاع على الأرض، ولماذا لم يستطع فرض سيطرته سياسيا وعسكريا بشكل كامل.
ويرى المحلل السياسي ومدير المركز السوداني لحقوق الإنسان وحرية الإعلام، أمية يوسف أبو فداية، أن "المكون العسكري ضعيف جدا بسبب افتقاره لسند شعبي يدعمه، فعادة العسكريين يكون لديهم إسناد مدني عبر إما حزب أو مؤسسة أو فصيل، لكن حاليا يغيب عنهم هذا الامتداد الشعبي والمدني، ولذلك تجده ضعيفا أمام أي تحركات في العاصمة وغيرها من المدن".
وأوضح أبو فداية خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "المكون العسكري يمسك بزمام الأمور فقط عبر القبضة الأمنية وحكومة تسيير أمر واقع، لكن دون وجود امتداد شعبي له، لذلك نرى انفلات الأمور عن سيطرته في بعض الولايات، لأن خطابه الرسمي لا يصل لها".
واتفق الكاتب والصحفي عثمان ميرغني في الرأي مع أبو فداية، حيث أكد أن "المكون العسكري لم ينجح بفرض سيطرته الكاملة على البلاد، بسبب عدم وجود سند ودعم سياسي للمكون له بصورة مباشرة".
وقال ميرغني خلال حديثه لـ"عربي21" : "نعم يوجد بعض الأحزاب التي شجعت على الانقلاب العسكري وغالبيتهم من الحركات المسلحة التي وقعت اتفاق جوبا، ولكنها لا تريد أن تمضي أكثر من ذلك في دعم المكون العسكري ليستحوذ على السلطة، فهي تريد منه فقط أن يطيح بالمجموعات الأخرى ومن ثم بعد ذلك يجري تعديلات في تركيبة الحكم بحيث تعود هي للحكم وليس لاستمرار المكون العسكري في السلطة".
ادعاء تمثيل الثورة
وبالمقابل هناك من يتهم الأحزاب المدنية التي كانت شريكة للمكون العسكري في الحكم بالمسؤولية عن تأزم الوضع السياسي في السودان بشكل عام، حيث يرى المحلل السياسي والصحفي السوداني ياسر محجوب أن "طرفي المعادلة السياسية في السودان –المدنيين والعسكريين- وقعا في خطأ قاتل، حيث تم خرق الوثيقة الدستورية بعد توقيعها مباشرة بضغط من شركائهم المدنيين الذين كانوا في تحالف قوى الحرية والتغيير".
وأوضح محجوب لـ"عربي21"، أن "تحالف –قوى الحرية والتغيير- تكالب على اقتسام كعكة السلطة، بدلا من أن يشكلوا حكومة تكنوقراط بزعم ملكيتهم للثورة، ثم تشاكسوا فيما بينهم، ما اضطر رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك لأن يعيد هيكلة حكومته أكثر من مرة".
وأكد أنه "نتيجة لوصول الوضع السياسي مرحلة التأزم بسبب تشكيل حكومات فاشلة، ومع تراجع الاقتصاد والخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين، وتراجع الأمن حتى داخل العاصمة الخرطوم، فقد خُلقت بيئة نموذجية لتغيير ما يكسر هذه الحالة ولذلك وجدت الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش ارتياحا كبيرا بين قطاعات واسعة في المجتمع السوداني".
تشرذم مدني
وكانت المظاهرات في السودان قد انطلقت فور إعلان رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان عن اجراءاته واعتقاله لرئيس الحكومة عبد الله حمدوك، إلا أنه برغم توحد كثير من المتظاهرين إلا أن الأحزاب المدنية لا زالت على خلاف في بعض القضايا.
ووجهت بعض الأحزاب اتهامات لقوى الحرية والتغيير التي كانت شريكة في الحكم بأنها مسؤولة عن ما حدث بسبب شركاتها مع المكون العسكري، لكن بالمقابل تتهم هذه القوى أحزابا أخرى أو بعضها بأنها تسعى لإعادة نظام الرئيس السابق عمر البشير.
وهناك اتهامات متبادلة في ما يخص قضية لجنة التمكين، حيث تم اتهام اللجنة بأنها كانت وسيلة في يد الحرية والتغيير لقمع ومحاربة منافسيها السياسيين، الأمر الذي ترفضه هذه القوى، حيث تقول إنها كانت تحارب الفاسدين وتسترد أموال الشعب.
ويرى الصحفي ياسر محجوب أن "المدنيين لم ينجحوا في التوحد لأن بعضهم لا سيما من تولى السلطة اعتمد المعادلة الصفرية وقام بإقصاء الآخرين، الأمر الذي حول الفترة الانتقالية لفترة انتقامية، وتم سن قوانين وتشريعات لهذا الغرض مع غياب تام للمحكمة الدستورية حتى اليوم".
من جهته أكد عثمان ميرغني أن "العمل المدني له مساران، فالأول جماهيري تقوده لجان المقاومة وهو مستمر منذ الساعات الأولى للانقلاب وهو يمثل أقوى أطراف الملعب السياسي، أما الثاني فهو المكونات السياسية التي من واجبها تحويل الضغط الجماهيري إلى أهداف تتحقق على الأرض وللأسف فإن المكونات المدنية متشرذمة وضعيفة هيكليا وتنقصها الخبرة".
وحول ما إذا كان الاختلاف الأيديولوجي هو سبب تشرذم القوى المدنية، قال ميرغني: "الخلافات الأيديولوجية ليست عائقا في الوقت الحالي، لكن الحرص على المكاسب الحزبية بل والشخصية هو العائق الاكبر، كما أن البعض فضل المصلحة الفردية على العامة، فالكيد السياسي شيمة الأحزاب السودانية والمسافة بينها وبين المكون العسكري أقرب من المسافة بينها وبين الأحزاب الأخرى".
وأكد الكاتب السوداني أن "المكون العسكري لن ينجح في استمالة بعض الأحزاب، لأن أي حزب يحاول أن يؤيد أو يتماهى مع المكون العسكري سيحترق سياسيا ولن يستفيد منه العسكريون.. وأغلب الظن أن المكون العسكري سيلجأ لأسلوب الوصول إلى تسوية سياسية شاملة تجمع أكبر قدر من المكونات السياسية، ولا أعتقد أن المكون العسكري لديه الطموح في الاستمرار بالسلطة أكثر من ذلك".
وعن احتمالية توافق الأحزاب، قال ميرغني: "إذا كان المطلوب التوافق بصورة تشبه الإجماع فلا أعتقد أن ذلك سيتحقق لأن الخلافات بين المكونات المدنية كبيرة، ولكن أتوقع أن يكون هناك نوع من محاولة بناء تحالف بين الحزبين الأكبر وهما حزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي، باعتبار أنهما أحزاب تاريخية قادرة على تشكيل تحالف سياسي يمكن أن يتولى الحكم وأعتقد أن هذا السيناريو هو الذي سينتهي له الجميع، بالمحصلة من الصعب جدا وشبه المستحيل الوصول لإجماع داخلي بين الأحزاب ككل".
اقرأ أيضا: قتيل بالسودان بذكرى الانقلاب.. وأوروبا تطالب بالحكم المدني
ضبابية الرؤى
ورأى أمية أبو فداية أن "المشكل يكمن في عدم وجود برنامج موحد وأهداف"، مضيفا أن "الصراع بين الأطراف المدنية أقوى من الصراع الذي بين المدنيين والعسكريين، لذلك تجد أن كثيرا منهم ممكن أن يتواصلوا مع العسكر ولكن لا يتواصلون مع أطراف مدنية أخرى لهم معها خلافات أيديولوجية أو مرحلية".
وتابع: "كذلك لا يوجد لدى المدنيين رؤيا واحدة، كما أنه الشغف والرغبة بالوصول للسلطة يتملكهم، فكثير من الأحزاب بعيدة عن السلطة منذ فترة طويلة جدا، وهي تريد أن تحكم مباشرة بدون التنافس مع الآخرين عبر الانتخابات، وكذلك هذه الأحزاب غير واضحة في التعامل فيما بينها، فبعضهم يريد أن يحكم ويعارض في نفس الوقت".
من جهته أوضح الحقوقي والصحفي، فيصل الباقر، أن "هناك قوى تسعى لتحقيق أهداف الثورة وشعاراتها المطالبة بالحرية والسلام والعدالة، كما تُصر على مساءلة كل منتهكي حقوق الإنسان، وتعمل على الوصول بالثورة إلى غاياتها، وهي قوى التغيير الجذري، وقوامها من لجان المقاومة الشبابية، والحزب الشيوعي السوداني، وعدد من الكيانات المهنية والنقابية".
وتابع الباقر في حديثه لـ"عربي21": "بالمقابل فإن هناك قوى متعاونة مع السلطة الانقلابية، وقوامها بعض الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، والذي ثبت بما لا يدع مجالاً للشك، عجزه عن تحقيق السلام العادل والشامل والمستدام، إذ مازالت مناطق دارفور وجنوب وغرب كردفان تعيش حالة احتراب، إضافة للاقتتال الحاصل الآن في النيل الأزرق والذي تغذيه بعض القيادات السياسية المحسوبة على السلطة الانقلابية".
وحول ما إذا كان الخلاف الأيديولوجي يمنع توحد القوى المدنية، قال الباقر: "هذا الزعم ليس صحيحاً، وفي تقديري فيه تبسيط مُخل بطبيعة الصراع الاجتماعي في السودان، فالمسألة متعلّقة بالفرز الطبقي والاجتماعي الجديد، والذي ينعكس على مطالب الشعب".
وأوضح أن "هناك قوى طبقية واجتماعية لها مصلحة في التغيير الجذري، وهناك قوى تريد إصلاحات فوقية، لا تُحدث تغييراً حقيقياً وتريد أن تكتفي بتسوية سياسية تحقق الإفلات من المحاسبة لمنتهكي حقوق الانسان، وهم من قيادات ورموز السلطة، بما في ذلك رئيس الانقلاب البرهان ونائبه حميدتي المتورطان في انتهاكات حقوق إنسان جسيمة في دارفور وغيرها، وهذا ضد شعارات الشارع المطالب بالعدالة".
وأشار الباقر إلى أن "هناك قوى تابعة للنظام القديم تسعى للعودة للسلطة والسيطرة على البلاد لاستعادة حكمها والمحافظة على ثرواتها التي حققتها طيلة حكم الإنقاذ بغير وجه حق، وهذه القوى القديمة، متحالفة بطبيعة الحال مع السلطة الانقلابية، والتي في حقيقة الأمر هي لجنتها الأمنية".
موقف الترويكا
ولم يقتصر رفض الانقلاب على الداخل السوداني، حيث عارضته الدول الغربية وخاصة دول الترويكا (المملكة المتحدة والولايات المتحدة والنرويج)، والتي طالبت وقتها بعودة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، والتوافق بين شريكي الحكم العسكريين والمدنيين للوصول للحكم المدني.
والاثنين الماضي، أصدرت الخارجية الأمريكية، بيانا، أكدت فيه رفضها للحكم العسكري في السودان، مؤكدة أن الشعب السوداني "أظهر نفسه على أنه لا يتزعزع في تطلعه إلى حكومة يقودها مدنيون تظهر الاحترام لكرامتهم وتستجيب لاحتياجاتهم".
واعتبر البيان أن "الاستعداد المستمر للمتظاهرين السودانيين، غالبًا في مواجهة القمع العنيف من قبل قوات الأمن، للتظاهر دعمًا لإنهاء الحكم العسكري هو أمر ملهم للغاية".
لكنْ ثمة تغير لافت في مطالب الخارجية الأمريكية، حيث طالبت واشنطن بتنحي المكون العسكري بشكل نهائي، بعد أن كانت تطالب بتوافق مدني عسكري الأمر، حيث بدا الأمر وكأنه تغيير في الموقف تجاه المكون العسكري، وفقا لمحللين.
وهذا التغير في اللهجة الأمريكية يطرح تساؤلات، أبرزها: هل كانت دول الترويكا وعلى رأسها الولايات المتحدة تؤيد في البداية الانقلاب، لكنها غيرت موقفها، أم أنها كانت من البداية ضد حكم العسكر؟
ويقول كاميرون هدسون، المدير السابق لمكتب المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان، إن "الترويكا حاولت إلغاء الانقلاب بالضغط الدبلوماسي وتعليق المساعدة، لكنها بالغت في تقدير قلق الجيش على المدنيين السودانيين ومعاناتهم نتيجة تعليق المساعدات".
وأكد هدسون خلال حديثه لـ"عربي21" أن الترويكا تحدثت ضد الانقلاب، لكن ما لم يتخذوا إجراءات مباشرة من خلال إجراءات عقابية ضد الانقلابين، فإن كلماتهم تبدو جوفاء".
ولفت الدبلوماسي الأمريكي السابق إلى أنه "ليس للولايات المتحدة أي مصالح حقيقية في السودان سوى الديمقراطية وحقوق الإنسان، ونعم يريدون الاستقرار لكن حتى واشنطن تعرف أن الجيش غير قادر على تحقيق الاستقرار في البلاد".
وأضاف: "لكن ربما لدينا مصلحة في عدم رؤية روسيا تؤسس قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، ولكن الحل مرة أخرى هو وجود حكومة مدنية ديمقراطية، ولا توجد مصلحة للولايات المتحدة في السودان إذا لم تقدم من قبل حكومة مدنية".
ويرى الكاتب عثمان ميرغني، أنه "لا وجود لتباين في موقف واشنطن من الانقلاب، ولكنه يعتقد أن هناك اختلافا فقط في اللغة ولكن المضمون واحد، لأن الصيغة التي كانت تتحدث فيها الولايات المتحدة بضرورة وجود توافق بين المدنيين والعسكريين هي للوصول إلى حكم مدني بالكامل، بمعنى أن يتم التوافق السياسي بين الطرفين لتشكيل حكومة مدنية تتولى بعد ذلك الحكم بصورة كاملة، ولكن العبارة التي قيلت بهذا الشكل أنه "يجب على المكون العسكري الخروج" أعطت انطباعا كأنما هناك تغيرات في الموقف الأمريكي ولا أعتقد أن ذلك سليم".
وأكد ميرغني أن "واشنطن تعتقد أن السودان لديه وضع جيوسياسي مهم خلال الفترة القادمة خاصة مع بناء تحالفات ومحاور جديدة، والتي تتطلب إعادة تشكيل الخارطة السياسية في القارة الأفريقية".
ولفت إلى أن "هناك تخوفات أمريكية من تمدد النفوذ الصيني وليس الروسي كما يعتقد البعض، فهي تخاف جدا من التمدد الصيني في القارة الأفريقية خاصة أنها ترى أن السودان هو البلد الذي دخلت الصين عن طريقه للقارة".
وبالمقابل يرى المحلل السياسي أمية أبو فداية أن "الولايات المتحدة وبقية دول الترويكا تبحث عن مصالحها فقط، حيث كان أول طلب لها بعد الثورة هو دفع السودان 330 مليون دولار تعويضا لأسر قتلى المدمرة كول، مع العلم أن السودان لا علاقة له بالأمر".
وأضاف: "هذه الدول تبحث أولا عن مصالحها وثانيا تبحث عن استقرار السودان بغض النظر عن كيفية حدوث هذا الاستقرار، ولكن الإشكال الأساسي في نظرة هذه الدول هو أنه لا يوجد لديها خارطة طريق تفصيلية للوصول إلى الاستقرار. كذلك ليس لديها رؤية واضحة للوصول للتوصيف الحقيقي لمن هو المدني، بمعنى: هل هم فقط قوى الحرية والتغيير أم كل المدنيين بالسودان؟".
لماذا تجري الولايات المتحدة الانتخابات النصفية؟
أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وروسيا منذ أشهر.. ما أهميته؟
هل يجر آبي أحمد البرهان لاتفاق حول "سد النهضة" دون مصر؟