تعد مسيرة السبت 15 تشرين أول (أكتوبر) 2022 التي دعت إليها المعارضة التونسية في العاصمة من أكبر المسيرات التي شهدها شارع الحبيب بورقيبة منذ انقلاب قيس سعيد على المسار الديمقراطي في 25 تموز (يوليو) 2021، وقد كان حضور الشباب والمرأة فيها لافتا وهو ما يؤكد اتساع دائرة المعارضة السياسية والاجتماعية لسياسات غرفة الانقلاب خاصة بعد حوادث غرق عدد من الشباب ممن فقدوا الأمل في مستقبل آمن في وطنهم فركبوا البحر بحثا عن فرصة ضئيلة للعيش في أي مكان من العالم.
أعقبت تلك المسيرة تحركات احتجاجية في عدة أحياء شعبية في محيط العاصمة، احتجاجات اختار منظموها الخروج ليلا والدخول في مواجهة مع عناصر أمنية تخشى اتساع دائرة العنف وتحاول منع تشكل حراك شعبي شبيه بحراك ديسمبر من عام 2010 الذي انتهى بسقوط الرئيس الأسبق بن علي.
ما هي آفاق تحركات المعارضة؟ ما مدى قدرتها على إسقاط قيس سعيد؟ ما موقف القوى الخارجية مما يحصل بتونس اليوم سياسيا واجتماعيا وأمنيا؟.
رغم اتساع دائرة المعارضة فإنها تبدو لحد الآن عاجزة عن تكوين حقيقة ميدانية تشل حركة الانقلاب وتجبره على "التواضع" فيقبل بالحوار مع خصومه أو يقبل بإجراء تراجعات ومراجعات مطمئنة ومخففة من حالة الغليان والغضب، فالمعارضة هي في الحقيقة معارضات تختلف في تقييمها للماضي وتختلف أيضا في تصورها للمعالجات رغم التقائها في رفض انقلاب يتهدد الجميع في حرياتهم السياسية والتعبيرية ويتهدد البلاد في استقرارها وفي مستوى عيش مواطنيها بسبب العجز أمام تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في ظل واقع إقليمي ودولي عاصف.
ارتباك المعارضة هو مصدر قوة الانقلاب فكلما تعثرت المعارضة في آدائها مددت في أنفاس سلطة الانقلاب وقدمت مبررات للأطراف الخارجية كي تواصل دعمها لقيس سعيد بحجة منع سقوط الدولة وهو موقف السفير الفرنسي وكذلك نظيره الإيطالي.
أما الموقف الأمريكي فهو موقف مزدوج يوائم بين الضغط والمرافقة: الضغط لمنع المس من الحريات وهو ما عبر عنه مسؤول أمريكي في لقائه بوزير الداخلية التونسي.
وقد نشرت وزارة الداخلية يوم 17 تشرين أول (أكتوبر) الجاري بلاغا جاء فيه:
"استقبل يوم 14 أكتوبر 2022 وزير الدّاخليّة السيّد توفيق شرف الدّين بمقرّ الوزارة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل السيّد "Christopher Lemont" والقائمة بأعمال سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بتونس السيدة "Natacha Franceschi"ومساعدة مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية السيدة "Megan Doherty" والوفد المرافق لهم.
وقد تمحور اللقاء حول علاقات الشراكة المتميزة بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية في كافة الميادين وسبل مزيد دعمها خاصّة في مجال التعاون الثنائي بين وزارتي داخليّة البلدين والمجالات ذات الاهتمام المشترك، وأهمية حرص وزارة الداخلية على العمل للقطع مع الفساد ومكبلات الأمن الجمهوري وتكريس العمل النقابي وعلوية القانون والمساواة أمام القانون والمحافظة على المال العام وحياد الإدارة وإنجاح الانخراط في الالتزام الدولي للتصدي للإرهاب فكرا ونشاطا وتمويلا، انتصارا للديمقراطية وللمبادئ الكونية لحقوق الإنسان والحريات العامة والفردية".
ارتباك المعارضة هو مصدر قوة الانقلاب فكلما تعثرت المعارضة في آدائها مددت في أنفاس سلطة الانقلاب وقدمت مبررات للأطراف الخارجية كي تواصل دعمها لقيس سعيد بحجة منع سقوط الدولة وهو موقف السفير الفرنسي وكذلك نظيره الإيطالي.
الإدارة الأمريكية تنتهج مع الانقلاب في تونس سياسة الترغيب والترهيب وهي سياسة معروفة منذ عهد كيسنجر "الجزرة والعصا" ، فلا هي تعتصر "المتمردين" عليها ولا هي تترك لهم حرية التصرف كأصحاب سيادة أو كزعماء أوطان منتخبين أو منقلبين، فالترغيب بهدف التقريب والتطميع ، والترهيب بهدف التهذيب والتطويع، وما كان لصندوق النقد الدولي أن يوافق على قرض ـ وإن كان ضعيفا ـ لو لم تكن ثمة إشارة أمريكية إيجابية، وما كانت بعض الدول الخليجية تحديدا لتعِد بمساعدات لولا عدم وجود منع أمريكي تحديدا.
الشعب التونسي في غالبه لا يعنيه مستقبل أحزاب، ولا يعنيه استمرار أو توقف مسار 25 تموز (يوليو)، إنما يعنيه تحسين ظروفه المعيشية والأمنية والصحية، ويعنيه مستقبل بناته وأبنائه حتى لا يفقدوا الأمل فيلقون بأنفسهم في البحر ثم يُدفنون في "مقبرة الغرباء"، التونسيون في غالبهم خائفون من مستقبل غامض بل يكاد يكون غموضه واضحا وضوح القلق واليأس والغضب على ساسة ضيعوا عقدا من الحرية لم يبنوا فيه نظاما سياسيا قويا ولا مؤسسات دستورية صلبة ولا هم حققوا تنمية ضامنة للكرامة الوطنية ولسيادة الشعب.
قد لا يكون السؤال الأهم: متى يسقط الانقلاب؟ إنما السؤال: متى يستعيد السياسيون وعيهم ومتى يقومون بعمليات نقد صريحة وجريئة يكشفون عن أخطائهم ويعترفون بمسؤولياتهم ويدعون الشباب إلى التقدم نحو المسؤوليات الكبرى لترميم ما يمكن ترميمه في ما تبقى من زمن ما زال يتسع لفعل العقل قبل اهتياج الغرائز وخروج اليأس عن السيطرة؟.
المراجعات الأمريكية السعودية إلى أين؟
حين ترفض السعودية الإملاءات الأمريكية.. ماذا بعد؟
حراك "حماس" أم حراك الإقليم الاستراتيجي