اجتمع بلندن الجمعة الماضية كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا بالإضافة إلى تركيا ومصر لمناقشة الوضع في ليبيا وبحث خيارات دفع المسار السياسي المتعثر إلى الأمام، وبحسب تصريحات بعض الحضور فإن اللقاء خلص إلى دعم جهود البعثة الأممية والمبعوث الأممي الخاص الجديد، عبد الله باتيلي، في جهوده لتسوية النزاع.
والحقيقة أن الأنظار كانت متجهة إلى العاصمة برلين وكان كلام قد تداول حول إطلاق برلين 3 بعد أن صار لمقرارات برلين 1 وبرلين 2 حضور في أدبيات إدارة الأزمة الليبية والوصول إلى المطلب الذي يتفق حوله الجميع وهو إجراء الانتخابات في أقرب أجل ممكن.
اجتماع لندن جاء مفاجئا، وهو يعكس الاهتمام المتزايد للمملكة المتحدة بالأزمة الليبية حيث صارت لندن نشطة في الملف الليبي خاصة بعد تطور خارطة الفاعلين الإقليميين والدوليين إبان الحرب على طرابلس العام 2019م إثر تراجع تأثير الأطراف الأوربية نسبيا ليملأ الفراغ كل من روسيا وموسكو اللذين صار لهما، بالإضافة إلى النفوذ السياسي، وجود عسكري على الأراضي الليبية.
تداعيات الحرب على طرابلس على المستوى الإقليمي والدولي دفعت واشنطن إلى الاهتمام بالقضية الليبية حيث صار الوجود العسكري الروسي مقلقا للولايات المتحدة، وتبعها في ذلك بريطانيا التي صار لسفيرها حضوره البارز بين السفراء الأجانب بالإضافة إلى دعم الولايات المتحدة في المناكفة مع روسيا في مجلس الأمن والسجال حول هوية المبعوث الأممي الخاص.
لندن انتقلت من الحضور المحدود في الأزمة الليبية منذ الانقسام السياسي العام 2014م وتدهور الوضع الأمني بشكل كبير إلى الدور النشط الذي يتجاوز الموقف السياسي أو التحرك الدبلوماسي إلى التخطيط لعمل عسكري على الأرض يهدف إلى إخراج القوات الأجنبية من البلاد مع التركيز بشكل واضح على رفض الوجود الروسي.
زار وزير الدفاع البريطاني العاصمة طرابلس مرتين، وتحدثت بعض المصادر عن مقترحات بخصوص عمل عسكري تقوم به قوات ليبية من الغرب الليبي لإخراج قوات الفاغنر من وسط وجنوب البلاد، وذلك فترة حكومة الوفاق الوطني، والذي قيل إنه لم يلق استجابة ليبية.
إن مكان الاجتماع يؤكد على الدور الحاضر والمستقبلي للمملكة المتحدة في إدارة الأزمة الليبية، ويعزز من الافتراض القائم على اتجاه غربي محتمل يهدف إلى تحييد النفوذ الروسي في ليبيا ومنع تحويله إلى وجود استراتيجي داعم لمخطط روسي للتغلغل في أفريقيا وتعظيم مصالحها هناك.
مؤخرا وردت أنباء عن مقترح بريطاني جديد يقوم على تشكيل قوة ليبية مدعومة دوليا لتحييد مناطق حقول وموانئ النفط في وسط وجنوب البلاد من الصراع، ومعلوم أن قوات الفاغنر تتمركز في تلك المناطق وتشكل القوة الضاربة هناك، وبحسب بعض المصادر المطلعة فإن لندن حاولت كسب تأييد واشنطن لمقترحها خاصة وأن هناك قابلية تركية للمشاركة، ويبدو أن الساسة الأمريكان يرون أن عملية مثل هذه تستلزم توحيد الموقف الليبي عبر انتخابات ينتج عنها حكومة تحظى بشرعية كاملة.
التطور الآخر الذي كشف عنه اجتماع لندن هو استبعاد الأطراف الإقليمية التي كانت حاضرة في اللقاءات الدولية السابقة، خاصة دولة الإمارات، وقصر الحضور الإقليمي على تركيا ومصر له دلالاته التي تدور حول وزن وتأثير كل منهما في اتجاه الأزمة من خلال نفوذها في مناطق النزاع، في الغرب والشرق، والحاجة لتقريب وجهة النظر بينهما كأحد أهم السبل لاحتواء النزاع.
المظهر الروتيني في الاجتماع هو حاجة المبعوث الأممي الجديد لدعم دولي إقليمي، وقد تكررت هذه الاجتماعات بعيد تعيين المبعوثين السابقين. غير أن الاتفاق على التعجيل بالانتخابات ومعالجة الأساس الدستوري لها قد يفهم منه عدم ارتياح الأطراف الغربية لاجتماع المغرب الذي ضم رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للدولة والذي جعل تسوية ملف المناصب السيادية مقدما على ملف الاتفاق حول الأساس الدستوري للانتخابات.
وأعود لأقول إن مكان الاجتماع يؤكد على الدور الحاضر والمستقبلي للمملكة المتحدة في إدارة الأزمة الليبية، ويعزز من الافتراض القائم على اتجاه غربي محتمل يهدف إلى تحييد النفوذ الروسي في ليبيا ومنع تحويله إلى وجود استراتيجي داعم لمخطط روسي للتغلغل في أفريقيا وتعظيم مصالحها هناك.
ما وراء الاستفزاز المصري لتركيا
الاتفاقية الليبية مع تركيا في عمق الصراع السياسي