صادف
يوم أمس السبت (5 تشرين الثاني/ نوفمبر)، حلول الذكرى الثالثة لتوقيع اتفاق
الرياض، كمحصلة لضغوط هائلة مارستها القيادة السعودية على قيادة الشرعية المستضافة،
في وقت كانت فيه هذه الأخيرة تدفع ثمن تواطئها وتفريطها وتعاني من فقدان الإمكانية
للمناورة أو المساومة أو الاستعصاء.
قبل
دخول هذا الاتفاق حيز التنفيذ قبل ثلاث سنوات، كانت الشرعية عملياً في مواجهة مع
التمرد الانقلابي الذي نفذه الحوثيون بتحالف كامل من الرئيس الأسبق علي عبد الله
صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام وشبكة تحالفاته القبلية والعسكرية والأمنية
والاقتصادية، وانتهى بإسقاط حكومة الرئيس هادي في 21 أيلول/ سبتمبر 2014.
غير
أن تحديات هائلة كانت قد نشأت في الميدان السياسي والعسكري والأمني وحتى الاقتصادي
التابع للشرعية، عندما تبين أن دحر الانقلابيين من معظم المحافظات الجنوبية لم يكن
يندرج ضمن التزام التحالف بإنهاء الوضعية الناتجة عن انقلاب 21 أيلول/ سبتمبر
2014، بل إعادة إحياء التزام خليجي سابق بدعم انفصال صيف العام 1994، لكن هذه
المرة طبقا لأولويات ثنائي تحالف دعم الشرعية، السعودي
الإماراتي، الذي كان قد
تسبب عمليا في تصدع المنظومة الخليجية وتسبب في مخاطر وجودية على بعض دولها، وحاول
فرض تحالفات راديكالية تسببت في نفور نصف دول مجلس التعاون تقريباً.
تحديات هائلة كانت قد نشأت في الميدان السياسي والعسكري والأمني وحتى الاقتصادي التابع للشرعية، عندما تبين أن دحر الانقلابيين من معظم المحافظات الجنوبية لم يكن يندرج ضمن التزام التحالف بإنهاء الوضعية الناتجة عن انقلاب 21 أيلول/ سبتمبر 2014، بل إعادة إحياء التزام خليجي سابق بدعم انفصال صيف العام 1994
حرب
المجلس
الانتقالي الجنوبي ومليشياته على الشرعية، والتي بدأت في مستهل العام 2018
وتوجت في آب/ أغسطس 2019 بطرد الحكومة من عدن وإنهاء كافة مظاهر النفوذ السياسي
والعسكري والأمني، تمت بدعم مالي وتسليحي كامل من جانب دولتي التحالف، وسط ادعاءات
مكشوفة من جانب إعلام الدولتين، بأن ما جرى يجري ويجري لم يكن سوى نزاع نشأ من قلب
الأزمة
اليمنية وتأسس على إرث من الصراع حول مصير الوحدة اليمنية.
كان
اتفاق الرياض قد نص على دمج المجلس الانتقالي بتمثيل سياسي على المستوى الوزاري في
هيكل السلطة الشرعية، على أن يترافق مع دمج القوات المتمردة التابعة للمجلس في
قوام وزارتي الدفاع والداخلية. وهذا الشق بالذات لم ينفذ، بل جرى استحداث جبهة
صراع مسلح وخط تماس مشتعل في محافظة أبين المتاخمة لعدن، قصد منهما إضفاء أبعادٍ
ميدانيةٍ للمشروع الانفصالي، وتبديد كل الفرص المتعلقة بعودة الشرعية إلى مدينة
عدن بالكيفية التي نص عليها اتفاق الرياض.
لقد
تعمد التحالف تعليق الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض، وفي مقابله تم فرض
حكومة لا تتمتع بأي عقيدة وطنية واضحة، بقدر ما أصبحت إرثا مشتركاً لطرفين
متناقضين كلياً في الغايات والأهداف السياسية والوطنية المتعلقة بهوية الدولة
وشكلها وفضائها الجغرافي.
تعمد التحالف تعليق الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض، وفي مقابله تم فرض حكومة لا تتمتع بأي عقيدة وطنية واضحة، بقدر ما أصبحت إرثا مشتركاً لطرفين متناقضين كلياً في الغايات والأهداف السياسية والوطنية المتعلقة بهوية الدولة وشكلها
لقد
مهد اتفاق الرياض، عبر الضربات المميتة التي تم توجيهها للسلطة الشرعية، للخطوة
الأخطر التي أقدم عليها التحالف فجر السابع من نيسان/ أبريل الماضي، عندما قرر
استحداث رأس جديد للسلطة الشرعية، بهدف التطويع الكامل للقرار الوطني اليمني،
وإحداث الشلل الكافي في هذا المكون السلطوي الجديد المعروف باسم مجلس القيادة
الرئاسي.
وليس
أدل على ذلك من أنه تعمد حشر ثمانية رجال في هذا المجلس، يمثلون مشاريع وثارات
سياسية بالمعنى الحرفي للكلمة. ويبرهن الخطاب السياسي والإعلامي المؤيد لمجلس
القيادة الرئاسي الجديد والتعيينات التي تجري من وسط سياسي واجتماعي وجهوي مشترك؛ كيف
أن هذا المجلس غير منضبط وغير مكترث بالشراكة الوطنية، قدر التزامه المخجل بمنطق
التبعية الكاملة لدولتي التحالف.
ليس
ثمة مبالغة في القول إن اتفاق الرياض، كان بحق ثاني أكبر اعتداء سياسي على الدولة
اليمنية، وقد استُخدمت للوصول إليه الأسلحة والطائرات، وقُتل بسببه جيش الدولة
اليمنية على رؤوس الأَشهاد، واستُهدفت فيه الشخصيات الوطنية، وأُهين علم الجمهورية
اليمنية، وصُنف المدافعون عنه كمتمردين.
الخطوة رغم أهميتها، ليست كافية لضمان بيئة عمل مستقرة لرئيس وأعضاء مجلس القيادة، إذ يتعين أن تسلم عدن لقوات تعمل تحت علم الجمهورية اليمنية ويشعر معها الجميع بأن عدن أصبحت بالفعل عاصمتهم المؤقتة، وهو أمر من السهل تحقيقه إذا قرر التحالف استعادة عهدته الخشنة ممثلة بالمليشيات والأسلحة من أيدي بعض أعضاء مجلس القيادة
ثلاث
سنوات على اتفاق الرياض تصاعدت خلالها وتيرة استهداف الدولة اليمنية ورجالها ومؤسساتها
وجيشها، ولم يتوقف مسلسل الاعتداء على هذه الدولة، حتى أن الإمارات، وتحت أعين السعودية،
لم تتردد في استخدام الطائرات المسيرة التابعة لها ضد الجيش الحكومي، رغم سريان
الهدنة لتغيير مجرى الاشتباك المسلح في شبوة بين العصابات الانفصالية من جهة والجيش
الوطني والقوات الأمنية من جهة أخرى، تشظّى على إثره مجلسُ القيادة الرئاسي وتوزع
بين العواصم، ليلتئم على مضض في جلسة عرب مخادعة في الرياض.
اليوم
يجري الحديث عن تحركات ميدانية لقوات سعودية قدمت عبر منفذ الوديعة الحدودي بين
اليمن والمملكة، وفرضت سيطرتها الكاملة على مطار عدن وربما قصر معاشيق، وسط أنباء متضاربة،
أحاطت هذه الخطوة السعودية الجيدة بهالة من الغموض.
ومع
ذلك يمكن القول إن هذه الخطوة رغم أهميتها، ليست كافية لضمان بيئة عمل مستقرة
لرئيس وأعضاء مجلس القيادة، إذ يتعين أن تسلم عدن لقوات تعمل تحت علم الجمهورية
اليمنية ويشعر معها الجميع بأن عدن أصبحت بالفعل عاصمتهم المؤقتة، وهو أمر من
السهل تحقيقه إذا قرر التحالف استعادة عهدته الخشنة ممثلة بالمليشيات والأسلحة من
أيدي بعض أعضاء مجلس القيادة الرئاسي المسكونين بوهم القوة والتفوق عمن عداهم،
وليتسنى إعادة الدولة اليمنية الى أجندة قيادة الشرعية الجديدة وقتال مغتصبي
ممتلكات هذه الدولة.
twitter.com/yaseentamimi68