وجه شيخ الأزهر الإمام، أحمد
الطيب، نداء إلى علماء المذهب الشيعي لعقد حوار (إسلامي-إسلامي)؛ بهدف نبذ "الفتنة
والنزاع الطائفي"، في وقت يشهد فيه إقليم الشرق الأوسط صراعا سياسيا بين إيران
ذات الأغلبية الشيعية وبعض الدول العربية والخليجية السنية.
الطيب، وفي ختام ملتقى البحرين
للحوار "الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني"، في حضور بابا الفاتيكان
فرنسيس، دعا إلى "المسارعة بعقد حوار إسلامي إسلامي جاد، من أجل إقرار الوحدة
والتقارب والتعارف، تُنبذ فيه أسباب الفرقة والفتنة والنزاع الطائفي على وجه الخصوص".
وقال الشيخ: "هذه الدعوة
إذ أتوجه بها إلى إخوتنا من المسلمين الشيعة، فإنني على استعداد، ومعي كبار علماء الأزهر
ومجلس حكماء المسلمين، لعقد مثل هذا الاجتماع بقلوب مفتوحة وأيد ممدودة للجلوس معا
على مائدة واحدة".
وحدد شيخ الأزهر هدف الاجتماع
بـ"تجاوز صفحة الماضي، وتعزيز الشأن الإسلامي، ووحدة المواقف الإسلامية"، مقترحا
أن تنص مقرراته "على وقف خطابات الكراهية المتبادلة، وأساليب الاستفزاز والتكفير،
وضرورة تجاوز الصراعات التاريخية والمعاصرة بكل إشكالاتها ورواسبها السيئة".
كما شدد على ضرورة أن "يحرم
على المسلمين الإصغاء لدعوات الفرقة والشقاق، وأن يحذروا الوقوع في شرك العبث باستقرار
الأوطان، واستغلال الدين في إثارةِ النعرات القومية والمذهبية، والتدخل في شؤون الدول
والنيل من سيادتها أو اغتصاب أراضيها".
والتقى شيخ الأزهر، والبابا فرنسيس،
الخميس في العاصمة البحرينية المنامة، في زيارة استمرت 4 أيام، في إطار الحوار بين الأديان،
الذي يرعاه ملك البحرين حمد بن عيسى.
"طعنة لأعداء الدين"
وثمن مساعد وزير الخارجية المصري
الأسبق السفير، عبدالله الأشعل، دعوة شيخ الأزهر، ووصفها بـ"الموقف الشجاع"،
معتبرا أن دعوة الطيب طوائف الشيعة للحوار "ضربة لكل أعداء الأزهر والمتربصين
به ولتوجهات رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي شخصيا".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21"،
أن "الأزهر كان فيه دائما لجنة قائمة للتوفيق بين الشرائع والفرق في ستينيات القرن
الماضي، رغم أن الفاطميين بنوه كقلعة للفكر الشيعي عام 970 ميلادية، لكنه تحول إلى
9 مقاعد لكل المذاهب الإسلامية".
وأكد المفكر المصري أن
"الفكر الشيعي إلى جانب السني كانا ممثلين داخل الأزهر لقرون، وظل الجامع بيت
التقريب بين المذاهب ومقرا لصهر الخلافات بين الشرائع الإسلامية".
ويرى الأشعل أن "شيخ الأزهر بهذه الدعوة فتح بابا جديدا للتوافق، لأن الصراع بين الشيعة والسنة سياسي وليس حقيقيا،
وقُدر لي أن أقترب من الشيعة ومعرفة ماهيتهم، وكنت المستشار القانوني لمنظمة المؤتمر
الإسلامي وقت الحرب العراقية الإيرانية".
ويعتقد أنها "كانت حربا
أمريكية على إيران خاضتها العراق والدول العربية نيابة عن واشنطن"، مضيفا:
"وقلت في القمة الإسلامية في الكويت عام 1987 كلمة الحق: (اتقوا الله في الإسلام
والمسلمين)".
وقال إنني "على يقين بأن
الشيعة سيرحبون بهذه الدعوة"، لافتا إلى سابقة تاريخية في هذا الإطار، حينما
"دعا الرئيس الراحل، محمد مرسي، الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لزيارة القاهرة".
لكن الأشعل ألمح إلى أن
"شيخ الأزهر أحمد الطيب اعترض حينها على الزيارة، وأخرج 6 شروط من الأزهر لتطبيع
العلاقات بين مصر وإيران"، مشيرا إلى أن "الطيب وقتها جرى تضليله في 3 تموز/
يوليو 2013 وظهر مع المنقلبين، والآن يكفر عن موقفه السابق".
وخلص للقول: "الدعوة أراها
ناجحة، وهي طعنة لأعداء الدين، خصوصا الذين يتجرأون على الدين وانتشار الإلحاد في
هذه المرحلة، والذين يندسون بين الشيعة والسنة، ولهذا متفائل بها".
وختم: "رغم توقعاتي بأنه
سوف يتم محاربتها وستشتد الحرب، خاصة من السيسي الذي قد يشدد الخناق على شيخ الأزهر،
لأنه بهذه الدعوة يحبط مشروعه المتآلف مع السعودية والإمارات وإسرائيل".
"جيدة.. وهذه عوائقها"
الكاتب والباحث المصري في الشؤون
الإيرانية أسامة الهتيمي، قال: "لا شك أن المبررات التي استند إليها شيخ الأزهر
لدعوته للتقارب بين السنة والشيعة والمتعلقة بصد محاولات البعض من أعداء الأمة الإسلامية
لاستمرار الصراعات وبث الفرقة والطائفية هو تجسيد لبعض الواقع الذي نعيشه".
وفي حديثه لـ"عربي21"،
أضاف: "فلا يمكن لأحد أن ينكر وجود مخططات تستهدف بالفعل إثارة الفتن الطائفية
والعرقية لإحداث الفوضى في دول المنطقة، لكن في الوقت ذاته فإن كلام الشيخ الطيب وغيره
من الداعين للتقارب بين السنة والشيعة يتجاهلون عاملا ذاتيا ربما أكثر خطورة وأهمية
في الوقت الحالي مقارنة بما يدبره الأعداء".
وأوضح أن "هذا العامل يتعلق
بسياسات الدولة الإيرانية التي تقود الطائفة الشيعية برضا من البعض وبتسليم اضطراري
من البعض الآخر، إذ تستغل طهران ما يطلق عليه المظلومية التاريخية للشيعة، فتعمق من
الخلاف بين السنة والشيعة، لمحاولات قميئة من أجل استعادة حقوق الشيعة المسلوبة، بحسب
الزعم الإيراني والموالين لها".
وتابع: "بدا أن المسألة
الطائفية في المنطقة وصلت إلى درجة كبيرة من التعقيد والتداخل فيما بين ما هو مذهبي
وما هو سياسي، خاصة بعد الثورة الخمينية في إيران عام 1979، بعد أن اجتر الخميني نظرية
(ولاية الفقيه) من زمن الصفويين، ليعيدها بتعديلات جديدة إلى الواجهة السياسية بهدف
الترسيخ لحكمه الفردي".
ولفت إلى أن "النظام الإيراني
بهذه النظرية تمكن من استقطاب قطاعات عريضة من الشيعة للإيمان بها والاستعداد للدفاع
عنها، فيما ابتكر قادة نظامه نظريات جديدة ذات وجهين؛ أحدهما سياسي والآخر ديني، ومنها
مثلا نظرية (أم القرى)".
وأكد أن تلك النظرية "أعطت
لإيران مكانة دينية وسياسية لا تضاهى، ومن ثم فرضت على الشيعة الموالين في كل مكان
الإخلاص لها والعمل على تطبيقها واقعا".
واستدرك الهتيمي بالقول:
"لكن وعلى كل، فإن رسالة شيخ الأزهر تعبر عن حسن النية الذي يتحلى به دائما التيار
السني، فطيلة أغلب القرون السابقة وعلى أغلب الامتداد الجغرافي الإسلامي كانت الغلبة
لهذا التيار، وقد تعاطى مع الشيعة بالقبول والاحتواء كونهم يعبرون عن قطاع من المسلمين
لا يمكن إنكاره أو استئصاله".
"وبالتالي، فإن الرسالة المستهدفة
والموجهة للمخلصين من أبناء الشيعة هي دعوة جديدة لمحاولة رأب الصدع ولملمة الشتات
ومداواة الجروح وتوحيد الكلمة في مواجهة ما تتعرض له الأمة على مختلف المستويات"،
بحسب الباحث في الشؤون الإيرانية.
وفي اعتقاده أن "هذه الدعوة
رغم أهميتها باعتبارها تقيم الحجة على أبناء المذهب الشيعي لن تلقى الاستجابة المنشودة، ومن ثم لن تحقق الهدف منها؛ فبناء على ما سبق ذكره من التعقيد والتداخل في المسألة
الطائفية، فإن القطاع الذي سلم من التبعية لإيران أضحى قطاعا محدودا غير مؤثر بشكل كبير
كما كان عليه الوضع قبيل الثورة الخمينية".
وختم حديثه بالقول: "فمن
لم يؤمن بالأطروحات الخمينية، فإنه على أقل تقدير يرى في إيران حصنا يدافع عن الشيعة
وحقوقهم، الأمر الذي يلزمهم بالسكوت عن الكثير من سياساتها".
"ترحيب شيعي"
دعوة شيخ الأزهر، لاقت ردود فعل
إيجابية في أوساط شيعية دينية وسياسية، حيث ثمنها رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل
عبدالمهدي (2018–2019)، ورد عليها في منشور له عبر صفحته بـ"فيسبوك"، الأحد،
أخذ عنوان: "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها".
وكتب عبدالمهدي، أنها "دعوة
ليست غريبة على فضيلة الشيخ الطيب، ويقينا ستشهد ردود فعل إيجابية من المرجعية الشيعية
خصوصا"، مضيفا: "إذ يشهد كل من التقى فضيلة الشيخ على تصديه الجاد للطائفية، ودعوته لوحدة كلمة المسلمين، وإدانة الإرهاب والتكفير".
ولفت إلى أنه في زيارته الرسمية
لمصر عام 2019، التقى الشيخ في الأزهر، وأكد نفس هذه المعاني، معربا عن أمنيته بأن
"يوفق علماء المسلمين لتوحيد الصفوف، ونظم الأمة لمواجهة التحديات والفتن، والانتصار
لقضايانا العادلة، خصوصا في القضية المركزية فلسطين الحبيبة".
كما جاء رد فعل المرجع الشيعي
العراقي جواد الخالصي إيجابيا، حيث أكد في بيان نشرته صفحته الرسمية عبر "فيسبوك"،
أنها "دعوة خير وكلمة صدق، فإليها ندعو، وعليها نتحد، وفي سبيلها نجاهد، وعليها نلقى
الله".
وأكد الخالصي أنها "امتداد
لدعوات الإخاء والتقريب منذ الخمسينيات وإلى اليوم، ومن فتاوى علماء الأمة من كل الأطياف؛
كشيوخ الأزهر محمد الخضر حسين، ومحمود شلتوت، ومراجع الشيعة في العراق وإيران".
وأضاف: "كالسيد البروجردي،
ومحمد أمين زين الدين، والإمام الخالصي ومراسلاته مع شيوخ الأزهر، وزيارته لهم، وقدومهم
إلى العراق، وحضور مجمع البحوث الإسلامية حتى الفترات الأخيرة، ولقائنا بالشيخ الطيب
في مؤتمرات عديدة وفي رئاسة الجامعة بالقاهرة".
مصر تعلن توقف "الحوار" مع تركيا.. ما علاقة الملف الليبي؟