نشر موقع "
فورين بوليسي" تقريرا لمارتا فيدال عن
حركة الاحتجاج في الأردن.
بدأت الكاتبة مقالها من مدينة إربد، شمال الأردن، حيث التقت
مع والدة أحد المعتقلين بسبب نشاطاته والتهم الموجهة إليه.. ففي منزل ميرفت حمادة والدة
الناشط أنس الجمل، أحصت عدد الأيام منذ اعتقال ابنها: 138 يوما. وقالت إنه "أكثر
من ابن فهو صديق" و"أنس هو فرحتنا ونورنا وابتسامتنا".
وقالت والدته: "أراد المشاركة والوقوف إلى جانب المظلومين"،
ومنذ تلك التظاهرات شارك أنس في التظاهرات التي حدثت في البلد وانتقد الدول العربية
واتفاقيات التطبيع.
وكان معروفا بكونه "الهتيف" الرئيسي في التظاهرات،
وفي عام 2021 انضم إلى حزب سياسي. وقال شاب في مقهى بإربد التي عمل أنس في سوقها المركزي:
"الجميع في إربد يعرفون أنس وهو محبوب" و"لكن السلطات استهدفته لأنه
لا يخاف من الحديث".
اعتقل الجمل 5 مرات خلال السنوات الثلاث الماضية. واعتقل
أول مرة عام 2019 لعمله في الشارع بدون رخصة، ولكنه تعرض للتحرش والتهديد والسجن بسبب
مواقفه السياسية، بحسب محاميه لؤي عبيدات.
وآخر مرة اعتقل فيها هي في أيار/ مايو بتهمة "الإضرار
بالعلاقات مع بلد أجنبي" بعد نشره منشورا على "فيسبوك" انتقد فيه الإمارات
العربية المتحدة الحليف المهم للأردن، وهو عمل صنفته السلطات بـ "الإرهاب".
وبعد مرور ثلاثة أشهر على اعتقاله بدون محاكمة أضرب عن الطعام
واستمر مدة ثلاثة أسابيع قبل أن ينهيه بسبب تراجع صحته.
أثار اعتقال بائع متجول فقير غضب الكثير من الأردنيين. وحمل
متظاهرون صوره في احتجاج نظم في أيلول/ سبتمبر أمام هيئة الانتخابات المستقلة التي تشرف
على تنظيم الانتخابات بطريقة شفافة.
كان الغرض من التظاهرة هو الاحتجاج على تزايد حالات التحرش
وإسكات المعارضين. وطالب المحتجون بالإفراج عن الجمل، وفي الوقت نفسه وزع الناشطون
عبر منصات التواصل الاجتماعي قائمة بأسماء المعتقلين بسبب نشرهم منشورات عبر التواصل
الاجتماعي.
على مدى العقد الماضي زادت الاحتجاج في بلد يملك فيه الملك
كل السلطات، ورغم انتخاب برلمان إلا أن الغرفة الدنيا والمنتخبة لا تتمتع إلا بسلطات
قليلة. ومع ذلك فالمعارضة في المملكة يتم التعبير عنها بحذر، فقانون الجريمة الإلكترونية
ومكافحة الإرهاب تجرم السب والقذف وانتقاد الحكام الأجانب ويمكن أن يعاقب عليها بناء
على قانون الإرهاب.
يتجنب معظم الناشطين انتقاد العائلة المالكة مباشرة، لأنها
خط أحمر يمكن أن يؤدي بهم إلى السجن. وبدلا من ذلك فإنهم يطالبون بمزيد من الوظائف
وتحسين ظروف المعيشة وتحقيق المساواة وحكومة تتعرض لمحاسبة أكثر وفرص أوسع للمشاركة
في الحياة السياسية. ولكن السلطات واجهت المطالب هذه بمزيد من القمع، وعادة ما يطال
الفقراء والمحرومين مثل الجمل.
وتضيف فيدال أن الأردن عادة ما يحظى بمديح القيادة الأمريكية
كنموذج الدولة العربية في مجال الدمقرطة والاعتدال، ويصور في الإعلام الغربي بالدولة
الليبرالية والملكية التي تقوم بالإصلاح تدريجيا، إلا أن هذا يقف على طرف النقيض مع
النهج الذي مارسته مع المحتجين.
وقالت جيليان شويدلر، أستاذة العلوم السياسية بكلية هنتر
في جامعة سيتي بنيويورك: "مناخ التعبير السياسي أسوأ مما كان عليه قبل عقود".
وقالت إن الحكومة استخدمت كوفيد-19 كـ "مبرر للقمع"، مثل إعلان حالة الطوارئ
في عام 2020، والذي لم يرفع بعد. ومنح رئيس الوزراء سلطات واسعة للحد من الحقوق السياسية
والحريات المدنية.
وفي العام الماضي عدل "فريدم هاوس" وضع الأردن
من بلد "حر جزئيا" إلى بلد "ليس حرا" ضمن تصنيفاته لوضع الحرية
في العالم. وأشارت المنظمة الأمريكية إلى أن سبب تخفيض وضع الأردن نابع من القيود على التجمع
وقمع نقابة المعلمين بعد سلسلة من التظاهرات المطالبة بزيادة الرواتب.
وقالت لمى فقيه، مديرة الشرق الأوسط بمنظمة هيومان رايتس
ووتش: "هناك حاجة ماسة لمعالجة الانزلاق في الحقوق الذي نشاهده في الأردن اليوم".
وفي أيلول/ سبتمبر نشرت منظمتها تقريرا حول قيام السلطات الأردنية
بالاعتقال والتحرش والتحقيق مع الناشطين والصحفيين والنقابيين وأعضاء في أحزاب سياسية
وأعضاء في عائلاتهم، وقد قيدت حقوقهم في العمل والسفر. ووجدت المنظمة أن السلطات تستخدم
قوانين "غامضة وواسعة" لاعتقال وتوجيه تهم للمواطنين.
ووجدت "هيومان رايتس ووتش" أن السلطات الأردنية
تستخدم التحرش والاعتقال وتكميم أفواه الصحفيين ومنعهم من نشر تقارير حساسة، مثل التقارير
الغربية التي تحدثت عن شراء الملك عبد الله الثاني عقارات في الخارج.
وقالت شويدلر: "على مدى السنين، شاهدت تدميرا لحياة
الناشطين على يد النظام. وسحقت أعمالهم ومنعت عائلاتهم الممتدة من دخول الجامعات وعانت
من التحرش اليومي".
وأضافت شويدلر التي قضت 25 عاما لدراسة المعارضة في المملكة
أن "إغلاق المساحات العامة، هو افتراضي وحقيقي ولا توجد هناك أماكن للتعبير".
فقد تم بناء أسيجة حول الأماكن العامة لمنع التجمعات. وعلى الإنترنت، زادت الرقابة
والتنصت. ويعتبر كتاب شويدلر الجديد "الأردن المحتج: جغرافيات السلطة والمعارضة"
هو أول دراسة معمقة في التمرد بالمملكة، وهو ليس متوفرا ككتاب إلكتروني في الأردن، كإشارة
على منعه في المملكة على الأرجح.
ويأتي القمع وسط معاناة الأردن من مشكلة بطالة عالية وبعد
الخلافات العائلية واتهام للأخ الشقيق للملك بمحاولة الانقلاب على الملك. وزاد وباء
كورونا من الأمور سوءا، حيث ارتفعت البطالة إلى 25% ووصلت نسبتها إلى 50% بين الشباب.
ومع ضعف ضمانات الحماية الاجتماعية بسبب عقود من اللبرلة الاقتصادية وسياسات التقشف،
فإنه لم يعد الكثير من الأردنيين قادرين على مواجهة كلفة المعيشة المرتفعة.
وقالت شويدلر: "بالتأكيد، الوضع الاقتصادي خطير"
و"يبدو أن هناك الكثير من مشاريع التطوير في العاصمة، ضخمة ومبهجة ومبهرجة، ولكن
هناك الكثير من السخط. ويشعر الكثير من الناس أنهم لا يستطيعون الوصول إلى الجزء الغربي
من العاصمة، الأردن الكوزموبوليتي".
ومع زيادة الحنق والإحباط وسط المواطنين، فإن السلطات تحاول احتواءه.
ورغم تآكل الحريات المدنية فلا يزال الأردن واحدا من كبار المتلقين للدعم الأمريكي في
العالم. وخلال العقود الماضية، ظهر البلد كحليف لوجيستي مهم للولايات المتحدة في العراق
وأفغانستان ومكافحة الإرهاب والتشارك المعلوماتي.
وأعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في أيلول/ سبتمر
عن "أطول وأضخم" اتفاقية تفاهم بين البلدين تتعهد فيها واشنطن بتقديم
10.15 مليار دولار لعمان خلال السنوات السبع المقبلة و"قدمت الولايات المتحدة
أكثر من المتوقع للأردن".
ومقارنة مع سجل الحكومات العربية الأخرى في مجال حقوق الإنسان،
فإن سجل الأردن قد يكون متساهلا وألطف. إلا أن المدافعين عن حقوق الإنسان يرون أنه يجب
التعامل مع
انتهاكات حقوق الإنسان بالأردن بجدية، وبخاصة من يقدمون الدعم والتدريب
للأجهزة الأمنية.
وقالت شويدلر: "ينظر للأردن على أنه أقل سوءا من الأنظمة
التي لا تزال تتحالف الولايات المتحدة معها. وأشعر أنه لا يستحق التهنئة، فقط لأنه
لا يذبح المتظاهرين ويقطع المعارضين بمنشار عظم كما في مصر والسعودية".
ويرى المراقبون أن القمع يتزايد بعد وعود الإصلاح، ففي العام
الماضي أعلن الملك عبد الله عن تشكيل لجنة مهمتها تعزيز الإصلاح السياسي وتعديل قوانين
الأحزاب السياسية والتأكيد على الاحترام الكامل لحقوق الإنسان وخلق مساحة آمنة للحريات
الأساسية التي تعني مشاركة سياسية واسعة.
ويقول المراقبون إن إجراءات كهذه لم تؤد إلى أي مكان.
وقال بنجامين شويتز من معهد "أرنولد برغستراسر"
الألماني: "الدعوات للإصلاح موجودة منذ عقود، ولكن فكرة أن الأردن واحة للاستقرار
يتحرك نحو الإصلاح هي مجرد واجهة".
وقال شويتز، مؤلف كتاب "تعزيز الديكتاتورية: سياسة الولايات
المتحدة وأوروبا في الأردن" وهو كتاب ليس متوفرا حاليا في الأردن إن دعم الولايات
المتحدة وأوروبا لما يطلق عليها مبادرات الدمقرطة تساعد وجه الأردن عن الدمقرطة وتنتهي
بتعزيز سيطرة الدولة وبناها القائمة.
وقال إن الدعم مستمر للأردن لأن أمريكا وأوروبا مهتمة بالحفاظ
على الوضع الراهن ومواصلة التشارك الأمني واستمرار العلاقات مع إسرائيل واستعداد الأردن
لاستقبال أكثر من مليون لاجئ سوري.
وفي عام 2021 سمح اتفاق دفاعي أمريكي-أردني مثير للجدل بدخول
القوات والمقاتلات والعربات الأمريكية بحرية إلى الأراضي الأردنية. وسمح للجنود الأمريكيين
بحمل السلاح بحرية وألمح لحصانتهم أمام المحاكم الأردنية. وقال شويتز: "ينظر للأردن
كحليف رئيسي، قاعدة محلية في المنطقة تستطيع الولايات المتحدة منها استعراض قوتها العسكرية".
وبالنسبة لملايين الأردنيين فإن مئات الملايين التي تتدفق
من واشنطن لمشاريع الدفاع والأمن ليست ما يريدونه فـ"الأمن الذي تروج له الولايات
المتحدة هو الأمن للنظام الأردني والمصالح الجيواستراتيجية الأمريكية والأعمال الخاصة".
وعائلة الجمل لا وهم لها من الأمن الأردني، فبعد أسبوعين من مقابلتها عائلته أفرج عنه
بكفالة في 31 تشرين الأول/ أكتوبر، ولا يزال ينتظر محاكمة بناء على قانون الإرهاب حيث
أجلت أكثر من مرة. وقال محاميه إنه تلقى تهديدات بحيث إنه إن واصل نشاطه فلن يجد عملا أو يواصل
تعليمه.
وقالت والدته إن ابنها ضعيف وأنهك الإضراب عن الطعام جسده
وزاده نحولا، ولا يستطيع العمل مع أنه المعيل الوحيد للعائلة، وهو يريد مغادرة البلاد
للشعور بالأمان، لكنها ليست متأكدة، نظرا لحظر السفر على عدد من الناشطين و"يريد
مكانا آمنا وهو بحاجة للتعافي ويواجه الكثير من القيود".