سنوات حكمه الطويلة لم تغيّر من طبائع "
نتنياهو"،
بل على العكس زادت من شهيّته نحو الاستعلاء لذاته، وتقديم مصالحه الشخصية على
مصالح الكيان الممتلئ أصلاً بأزمات داخلية وخارجية. والكثير من البحوث والدراسات
وشخصيات مقربة منه وعملت معه، أشارت إلى أن شخص نتنياهو يعشق التسلّط والتسلّق والتلاعب
وإتقان الخداع.
عبر هذه السطور، سنقدّم للقارئ الدلائل
الحديثة والقديمة على حدٍ سواء، والتي تكشف عن دور نتنياهو في المساهمة بتآكل
المشروع اليهودي على أرض فلسطين.
صحيفة "
إسرائيل اليوم": نتنياهو
ليس مستعداً للتنازل عن وزارة الجيش لرئيس الصهيونية الدينية سموتريتش حتى لو اضطر
إلى خوض جولة انتخابات سادسة، وأضافت: "نتنياهو يتقن التلاعب بالتفاوض
مع الكتل الحزبية وقادة الأحزاب، والنخبة القيادية تعلم أنه يكذب كما يتنفس، ويحترف
الغدر بحلفائه قبل خصومه".
وسبق أن غدر نتنياهو بأقرب المقربين منه
مثل ليبرمان وشارون وتسيبي ليفني، وجدعون ساعر وألكين من داخل حزبه، فبالنسبة له كل
شيء مُباح لبقائه مسيطراً على الحكم حتى لو قضى على النخب القيادية، التي باتت
تفقد الثقة في صفوفها، حتى وصلت إلى المستويات الأمنية والعسكرية والدينية.
بالنسبة له كل شيء مُباح لبقائه مسيطراً على الحكم حتى لو قضى على النخب القيادية، التي باتت تفقد الثقة في صفوفها، حتى وصلت إلى المستويات الأمنية والعسكرية والدينية
مركز
الزيتونة للدراسات، وفي دراسة بحثيّة عن الجوانب النفسية لنتنياهو، جاء فيها أن "والده
بن صهيون أصيب بالإحباط لأنه لم يجد فرصة للتعليم في جامعة كورنيل الأمريكية، وقد
كان متخصصا في التاريخ اليهودي، وحاول التدريس في الجامعة العبرية في القدس، لكن
تم رفضه، فعاد لأمريكا، وحمل ضغينة مريرة ضد حزب العمل، والنخب الفكرية، زرع الأب
في أبنائه فكرة أن الكل عدو له، وقد تركت آثارها العميقة على بنيامين، فأصبح يرى أن
المؤامرة موجودة في كل مكان، وتشرّب الشعور أنه دخيل على المؤسسة السياسية، وأن
جميع زملائه السياسيين منافسون له فبدأ ينتقم ممن يستشعر معارضتهم له".
ثم
أضافت الدراسة: "إن تصريحاته السياسية تمركزت حول: اعتبار الأمن "الإسرائيلي"
مهددا من كل الجهات؛ من المقاوم الفلسطيني، ومعاداة السامية، والخطر الإيراني وحزب
الله، ومعاداة الأمم المتحدة لإسرائيل"، وأن "كل العالم يكرهنا"، وتبنّى
فكرة المتطرف جابوتنسكي "إن التاريخ تصنعه الأحذية الثقيلة".
أيضاً
تضيف الدراسة أنه يرى الخداع مقبولاً في
السياسة، لقد فعل ذلك مع الرئيس المصري
الراحل حسني مبارك، والرئيسين الأمريكيين بيل كلينتون وباراك أوباما، والمستشارة الألمانية
ميركل، كلهم أكدوا أنه يكذب أو كذب عليهم.
يرى
الكذب في السياسة أمراً مشروعا، وهو ما أشار إليه المراقب العام للكيان في تقريره:
"إن ما قاله نتنياهو عن وجود أنفاق لحركة حماس على الحدود وإلى داخل "إسرائيل"
هي أكاذيب، إضافة إلى كذبه بشأن أن إيران لديها قنبلة نووية".
موقع
العين السابعة العبري قدّم دراسة ذكرت أنماط وسلوكيات نتنياهو، واعتمدت على مقابلات
وشهادات أشخاص عملوا معه. والنتائج أشارت إلى أنه يرى نفسه سياسيا موهوبا، يحب
السلطة ويستخدم التلاعب لتعزيز أهدافه، ولديه شعور بأنه ضحية، وجميع من في عالم
السياسة ضده، ولديه نزعة البقاء في القمة بأي ثمن، ويرى أنه "أفضل استراتيجي لدى
الكيان".
وأضافت
الدراسة أنه يربط الوقائع بنفسه، مثلاً في لقاء له مع سفير الصين قال: "هل تعلم
أن اسمي الأول بنيامين يعود إلى ما يقرب من 4000 عام"، فيرى نفسه شخصا ذا
أهمية.
يبدع
فن "العدوانية والتلاعب"، ويتبنّى
"قواعد الغابة" التي يعيش فيها الأقوياء ويخسر الضعفاء.
استخدم
التلاعب لبقائه السياسي، ففي إحدى المكالمات الهاتفية من الرئيس الأمريكي ترامب مع
نتنياهو وأثناء جلسة تحقيق الشرطة معه، وخلافا لتصريح مكتب نتنياهو بشأن المكالمة أنها
عفوية، لم يمر يوم واحد إلاّ وأعلن البيت الأبيض أن تنسيق المحادثة مع رئيس "الوزراء
الإسرائيلي" استمر عدة ساعات مسبقة، هنا انكشف تلاعبه الواضح.
دوماً
ما يكرر عبارة: "أعداء داخليين وخارجيين"، ومن أكاذيبه أنه أدلى بتصريحات أمام
وسائل الإعلام حول عقده العديد من اجتماعات مجلس الوزراء حول مسألة الأنفاق في
قطاع غزة قبل عملية "الجرف الصامد" (العدوان على غزة 2014)، ووفقا
لمراقب الدولة تبين أنه لم تكن هناك أي اجتماعات.
المقربون منه ذكروا أنه يعمل على تأخير القرارات المهمة
حتى اللحظة الأخيرة، وأي قرار يمكن أن يعرّض بقاءه كرئيس للوزراء للخطر، يعمل على إحباطه،
ويستخدم "رجال القش" لتمرير قرارات داخل حزب الليكود والتي تكون لصالحه.
تلتقي وجهات النظر مع بعضها داخل الكيان "الإسرائيلي"، وأغلبها يتفق على أن نتنياهو يسير نحو المزيد من الانحدار والتفكك بالمشروع اليهودي، ولعلّي لا أبالغ بالقول إن "لعنة العقد الثامن" علّها تكون على يديه
شهادات
تشير إلى أنه حينما كان وزيرا للاتصالات سخّر الوقت الكبير للقاءات المتلفزة، مقابل
تجاهله الاجتماعات مع موظّفي الوزارة نفسها.
على خط
السياسة الخارجية وبعد انتخاب ترامب، زار الولايات المتحدة مهنئاً الرئيس المنتخب،
أثناء اللقاء وصف سنوات حكم الرئيس أوباما بأنها صعبة، وأظهر ارتياحه تجاه ترامب،
وقال عنه "إنه أفضل صديق للشعب اليهودي ودولة إسرائيل"، لكنه لم يحفظ
العلاقة مع الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء.
ختاماً،
تلتقي وجهات النظر مع بعضها داخل الكيان "الإسرائيلي"، وأغلبها يتفق على
أن نتنياهو يسير نحو المزيد من الانحدار والتفكك بالمشروع اليهودي، ولعلّي لا أبالغ
بالقول إن "لعنة العقد الثامن" علّها تكون على يديه، فما أثبته التاريخ لنا
أن الدولتين اليهوديتين السابقتين (مملكة داود وسليمان، ومملكة الحشمونائيم)، لم
تصمدا أكثر من 80 عاما، لذا يسود الاعتقاد بين اليهود أنفسهم بأن "دولتهم
القائمة" لن تتجاوز الـ80 عاما، وأن زوالهم بات قريبا.
وهنا
أذكّركم بما قاله رئيس الاحتلال الأسبق شمعون بيرس قبل موته: "ربما لا تعيش
إسرائيل أكثر من السنوات العشر القادمة".