شهد الأسبوع المنصرم إطلاق وزارة الدفاع التركية عملية عسكرية جوّية إنتقاميّة ضد مواقع تمركز حزب العمّال الكردستاني وأفرعه الإقليمية في سوريا والعراق، وذلك عقب زرع عضو في التنظيم قنبلة في سوق مكتظ بالمدنيين في إسطنبول. أدّت العملية الإرهابية الى مقتل 6 وجرح 81 مدنياً، وألقت السلطات التركية عقبها القبض على الإرهابية التي قامت بزرع القنبلة بعد ان كشفتها كاميرات التسجيل المنتشرة في المنطقة.
وهدفت العملية الجوّية التركية بحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع إلى ضمان أمن الحدود ومنع أي هجمات إرهابية تستهدف الشعب التركي والقوات الأمنية واجتثاث الإرهاب من جذوره، عبر تحييد التنظيمات الإرهابية. وقال الجانب التركي أنّه يتحرّك وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الذي تنص على الحق المشروع في الدفاع عن النفس.
وقد ردّت ميليشيات حماية الشعب بقصف صاروخي على الحدود التركية أدى إلى مقتل مدنيين من بينهم أستاذة وطفل بعد أن استهدف القصف مدرسة. ونتيجة لذلك، أعلن الرئيس التركي أنّ عملية بلاده لن تقتصر على القصف الجوي، وإنما قد تشمل أيضاً إطلاق عملية بريّة يجري تقييمها داخلياً ومناقشة أبعادها الإقليمية والدولية.
من جانبها أكّدت موسكو أنّها على اتصال وثيق مع أنقرة بشأن التطورات المتعلقة بالوضع شمال سوريا، وأبدت روسيا تفّهمها للمخاوف التركية المتعلقة بتهديد الامن القومي للبلاد، لكنّها حذّرت انقرة من مخاطر عمليّة عسكرية بريّة، مشيرة إلى أنّ إطلاق عملية عسكرية بريّة في شمال سوريا سيزيد من التوتر في المنطقة ويؤدي إلى زيادة نشاط المسلّحين. وكذلك فعلت الولايات المتّحدة التي أبدت تفهّما للمخاطر الإرهابية التي تتعرض لها أنقرة من حدودها الجنوبية وفق ما ذكره الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، لكنّها دعت أنقرة إلى عدم التصعيد.
ويواجه إطلاق
تركيا عملية بريّة مشكلتين رئيستين، الأولى تتعلق بموقف الولايات المتّحدة الأمريكية التي تعتبر وفق الجانب التركي الداعم الرئيسي لتنظيم "واي بي جي" من الناحية السياسية والمالية والعسكرية، بالإضافة الى الموقف الروسي الذي يعتبر الداعم الرئيسي الثاني لهذه الميليشيات لكن بشكل غير إباشر يتعلّق أساساً بالاحتفاظ بهم كورقة من جهة، بالإضافة إلى رغبة موسكو في استخدامهم لدفع تركيا باتجاه التصالح مع نظام الأسد.
ولذلك يستخدم الجانب التركي الآن مزيجاً من الضغط الإعلامي والتفاوض السياسي مع كل من واشنطن وموسكو لتفادي التصادم معهما والحصول على مراده في نفس الوقت. وفي هذا السياق، أشار الرئيس التركي إلى أن روسيا لم تلتزم باتفاق سوتشي بشأن تطهير المنطقة من الإرهابيين، وأن تركيا سبق لها أن أكدت أنها لن تصمت إزاء ذلك. وفي المقابل، اتهم أردوغان الولايات المتّحدة بالاستمرار في إرسال الأسلحة والمعدات إلى مناطق الإرهابيين بالرغم من أنّ بلاده وواشنطن حلفاء في حلف شمال الأطلسي.
وتأمل موسكو ألا تقوم تركيا بإطلاق هذه العملية البريّة، وتضغط في نفس الوقت باتجاه تثبيت نظام الأسد وضرورة إجراء تواصل بين مباشر بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظام بشّار الأسد.
يستخدم الجانب التركي الآن مزيجاً من الضغط الإعلامي والتفاوض السياسي مع كل من واشنطن وموسكو لتفادي التصادم معهما والحصول على مراده في نفس الوقت. وفي هذا السياق، أشار الرئيس التركي إلى أن روسيا لم تلتزم باتفاق سوتشي بشأن تطهير المنطقة من الإرهابيين، وأن تركيا سبق لها أن أكدت أنها لن تصمت إزاء ذلك. وفي المقابل، اتهم أردوغان الولايات المتّحدة بالاستمرار في إرسال الأسلحة والمعدات إلى مناطق الإرهابيين
وكان الأتراك قد تواصلوا على فترات زمنية متقعّة خلال السنوات القليلة الماضية على المستوى الاستخبارات مع نظرائهم في النظام السوري بناءً على ضغط روسي مماثل، لكنّ الجانب التركي يقول إنّه لم يتم التوصل الى أي اتفاقات، في إشارة إلى أنّه لا فائدة من لقاء نظام الأسد إذا لم يكن هناك اتفاق مع اشارتهم إلى أنهم منفتحون على الفكرة لكن العبرة في التنفيذ، وذلك لتفادي الضغط الروسي. أمّا الولايات المتّحدة، فتريد أن يتم تجميد الوضع في الشمال السوري على ما هو، والحفاظ على تواجدها المحدود وعلى ورقة ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية لتبقى في اللعة السورية ويبقى حظها في المساومة قائماً.
وبالرغم من هذه التعقيدات، من المستبعد أن تتخلى تركيا عن العملية العسكرية البرية تماماً حتى وإن أجّلتها حالياً، وذلك لإرتباطها أيضاً بمعطيات أخرى أهمّها إنشاء المنطقة الآمنة في شمال سوريا لمنع الإرهابيين من الوصول إلى الداخل التركي بالشكل الذي وصلت إليه المتسلّلة الأخيرة. لا شك أنّ أنقرة تمتلك القدرة العسكرية على إطلاق العملية البرية لكنّها لا تريد أن تؤدي إلى اصطدام مع واشنطن أو موسكو.
وبالرغم من المعارضة الصريحة للطرفين لأي عملية عسكرية بريّة تركيّة في الشمال السوري، لكنّ هذه المعارضة قد لا تكون حاسمة في تحديد مصير العملية العسكرية، بدليل أنّ الجانب التركي نفّذ أربع عمليات عسكرية بريّة في تلك المنطقة خلال السنوات الماضية وذلك بالرغم من المعارضة الشديدة لكل من واشنطن وموسكو وفي ظروف أصعب بكثير من الظروف الحالية.
سيواصل الجانب التركي التركيز على مصالحه أولاً فيما يتعلق بالعلاقة مع واشنطن وموسكو، لكن هناك حسابات تتعلق بالداخل التركي كذلك يجب أخذها بعين الإعتبار. بعد عدّة أشهر، سيتم إجراء انتخابات عامة حاسمة قد تحدّد إتجاه البلاد لعقدين مقبلين، ولذلك فإنّ العملية البريّة ستخضع لتقييم المخاطر وحسابات الربح والخسارة، ذلك أنّ عملية عسكرية بريّة غير ناجحة أو ذات تكاليف عالية قد تنعكس سلباً على وضع حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان خاصّة أن هناك أطراف إقليمية ودولية تريد أن تستثمر في معادلة رفع التكاليف ما أن تبدأ هذه العملية رغماً عنهم.